السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصوم يستهدف الإرادة الإنسانية ويقظة التقوى

17 أغسطس 2011 22:27
من أهداف العبادة التي افترضها الله على عباده تحريرهم من شهواتهم وأهوائهم، يستمتعون بالحياة من غير إسراف، ويحيون حياة الاتزان، ويسلكون سلوكاً يدل عل اتزانهم، والصوم له عمله الأساسي في تربية الإرادة الإنسانية وصحوة الضمير ويقظته وحيويته لاستشعار رقابة الله، زيادة عن تهذيب النفس وضبطها عن اللغو والرفث. ? الصوم فريضة اتسمت بالاعتدال والاتزان بين المادية والروحانية، فما هي تجليات ذلك؟ إن الصوم في الإسلام توسط بين التخفيف والتشديد في مستطاع المكلفين، وما فيه من مشقة الجوع والعطش مشقة محتملة مقبولة راعاه الشارع لتهذيب النفس وتزكيتها وتربية الصائمين على الآداب العالية، وصدق الرسول حين قال: الْوَسَطُ الْعَدْلُ (أحمد). وقد لفت الطبري أنظارنا إلى وسطية الصيام عند شرحه لقوله تعال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) “البقرة، 183”، فقال: انظروا إلى عجيب ما نبه الله عليه من سعة فضله ورحمة في هذا التكليف، فقد نبه إلى ما يلي: ? إن لهذه الأمة في شريعة الصيام أسوة بالأمم المتقدمة. ? إنه مختص بأيام معدودات فإنه لو جعله أبداً لحصلت المشقة العظيمة. ? إنه خصه من بين الشهور بالشهر الذي أنزل فيه القرآن لكونه أشرف الشهور. ? إزالة المشقة في إلزامه فقد أباح تأخيره لمن شق عليه من المسافر والمريض. فهو سبحانه قد راعى في فريضة الصيام هذه الوجوه من الرحمة (تفسير الطبري). والرحمة في صيام رمضان أنه وسط بين جانب الإفراط والتفريط، لأن الصيام قبل الإسلام نوعان: نوع شدد أهله فيه غاية التشدد فجعلوه أمراً مرهقاً، ونوع تساهل أهله فيه مكتفين بالإقلاع عن نوع خاص من المطعومات أو المشروبات، فكان الصيام في الإسلام وسطاً في ماهيته باعتباره إقلاعا عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ووسطاً في شروط وجوبه وهو التكليف، ووسطاً في شروط صحته وهي الإقامة والصحة البدنية. من مقاصد الصيام في شهر رمضان تعويد المسلم على الاقتصاد في الاستهلاك بترك الإسراف والتبذير وسلوك مسلك الاعتدال والتوسط في الإنفاق، وعدم تتبع شهوات البطن إلى حد التخمة في ليل الصيام، فيتدارك في طعام إفطاره وسحوره أضعاف ما فاته في يومه، ورويت أحاديث كثيرة عن النبي عليه السلام تحث على الاعتدال والترشد في الاستهلاك في شهر رمضان. والأخذ بالتيسير والعمل بالرخص مطلوب في الصيام، فأين تكمن العلاقة بين التيسير والمحافظة على كلية النفس المعتبرة شرعاً؟ الرخصة ما شرع لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه، وحقيقة الرخص ترجع إلى اعتبار المآل في تحصيل المصالح أو درء المفاسد على الخصوص، وقد حث صلى الله عليه وسلم صحابته على الأخذ بالرخص في الصوم حفاظاً على النفس فقال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ) “السنن الكبرى للبيهقي: 140/3). فمن التشديد في العبادة أن يشدد الإنسان على نفسه في الصوم مما يسره الله عليه فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله عليه فهو هالك ومن ذلك ما يفعله بعض المرضى ولا سيما في رمضان حيث يكون الله قد أباح له الفطر وهو مريض ويحتاج إلى الأكل والشرب، ولكنه يشدد على نفسه فيبقى صائماً فهذا أيضاً نقول إنه ينطبق عليه الحديث هلك المتنطعون. فللشيخ الكبير والحامل والمرضع والمريض والمسافر ومن أرهقه الجوع والعطش أن يفطروا في رمضان تحقيقاً للتوازن بين مطالب الروح ومطالب الجسم، عملا بالقاعدة: “صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان”. وبهذا المفهوم الوسطي للصيام ندرك أن رمضان شهر عبادة وإنجاز وإتقان يجمع فيه الصائم بين عبادة الصيام وعبادة العمل الصالح، يجمع فيه بين الصبر على ألم الجوع والصبر على العناء والتعب والمشقة الملازمة للعمل، والله تعالى يريد أن يرى عباده الصائمين وهم في مواطن العمل يبدعون ويجتهدون في تقديم النفع للآخرين دون تكاسل أو تخاذل أو إخلال بالواجب، فالعمل من هذا المنطلق قيمة حضارية ثابتة في الدين، فمن الواجب على كل مسلم العمل، والعمل في رمضان أوكد وأفضل، لأن الجزاء عليه يضاعف، ولأن المؤمن يثاب عليه أضعافاً مضاعفة، وعلى قدر الجهد يكون الجزاء، وعلى قدر الحذق يكون الفلاح في الدنيا والآخرة. د. سالم بن نصيرة
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©