الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفواصل الإعلانية تصيب المشاهدين بالملل وتخلق العدائية ضد السلعة

الفواصل الإعلانية تصيب المشاهدين بالملل وتخلق العدائية ضد السلعة
17 أغسطس 2011 22:34
ترتقي مكانة التلفزيون في رمضان، تتعمق الصلة التي تجمعه بالمشاهدين، وتتعدد الفوائد التي يصير بوسع هؤلاء الحصول عليها عبر جهازهم السحري، من تلك القيم المضافة إلى الوظيفة التلفزيونية متابعة الأعمال التي تضخها الشاشات بغزارة في الموسم الرمضاني، والتي تقيم مواعيد يومية راسخة بين الناس، يتلاقون في رحابها عن بعد ليركزوا أبصارهم على المشهد نفسه. بوسع سهرة ما أن تضم عدداً غير محدد من الساهرين الذين يتلقون خطاباً واحداً، يصغون إلى ذات الأداء، يتفاعلون مع الإشكالية عينها، ويبدون المشاعر إياها سواء كانت تعاطفاً أو رفضاً، يكاد العالم حينها أن يغدو منزلاً واحداً وإن تعددت الشاشات التي ترسم حدوده الفاصلة، الكل هنا، أو الغالبية للدقة، في ضيافة جهاز سحري يتولى مهمة توحيد الاهتمام بين البشر. تهجير المزاج لا يختلف اثنان على أن الأمر يعكس متعة من طراز نادر، لكن لكل شيء إذا ما تم نقصان، وبهجة الالتفاف الجماعي حول الشاشة البلورية الضاجة بألف لون ولون تنغصها الفواصل الإعلانية، إذ هي تنتزع الناس من اندماجهم السحري مح الأحداث المتشكلة أمامهم لتلقي بهم في عهدة الترويج الإعلاني، ارتحال قسري مباغت من مناخ نفسي إلى آخر نقيض له، بل يكاد الأمر أن يكون نوعاً من التهجير للمزاج الذي يتحول في لحظة من مقيم على أرض التفاعل والانسجام إلى لاجئ في محطة الفرجة المحايدة، يصير على المتابع أن يصغي إلى ما بات يعرفه جيداً ويحفظه عن ظهر عين اعتادت التحديق في الزجاج، يتخيل نفسه للحظة أنه يدفع ضريبة المتعة المشهدية التي يؤمنها التلفزيون له عبر احتمال المواقف نفسها تتكرر أمام ناظريه، متسائلاً بانقيادية مؤلمة عن الحكمة الكامنة خلف هذا التكرار.. على الأرجح هو يدرك ما للإعلان من سطوة على الإعلام، ويعرف أن السلعة المروج لها، بغض النظر عن مكانتها الاستهلاكية، هي ضالة العاملين في الحقل المشهدي، وهدفهم، بل هي المحرك والمحرض وموضع التنافس والجائزة التي يحصدها المجدون من بينهم، لكنه، من موقعه كمتلق لا يحوز الكثير من أسرار اللعبة، يتساءل: ألا يدرك المعنيون أن هذا الإقحام القسري لمنتجاتهم في خضم لحظات تشويق آسرة لا يسعه أن يخدم تلك المنتجات؟! ألا يخشون من ردات الفعل السلبية لمشاهد، هو مستهلك في حقيقته الأولى، عندما يرى سلعة ما تقطع عليه حبل تواصله مع موقف إنساني، أو لحظة شاعرية، أو عقدة حدثية، لتراود فضوله المترهل عن رغبات استنفدها التكرار؟! وأيضاً: ألا يعلم هؤلاء المكررون أن الزيادة تكافئ النقصان، وأن هذا الإفراط الترويجي يخلق لدى المشاهد حالة من التخمة التلقينية التي تجعل السلعة المراد تكريسها آخر همومه؟! اختلاف الموقف تقول هيام طعمة «مخرجة أفلام وثائقية»، إن الإفراط الإعلاني قد زاد عن حده في الموسم الرمضاني الحالي، متسائلة عما ستكون عليه الحال في الأعوام المقبلة إذا استمرت الأمور سائرة على هذا النهج. وتضيف هيام ساخرة: «في السابق كان الحديث يدور عن مسلسلات تلفزيونية تتخللها إعلانات، أما اليوم فيمكن التطرق إلى عكس ذلك بضمير مرتاح: مطولات دعائية تخترقها بعض الدراما»! تعرب هيام عن تفهمها لأهمية في حياة الوسيلة الإعلامية، لكنها تستغرب هذه الشراهة الدعائية المتمادية في ضخها، وترى أنها لا يمكنها أن تخدم أهداف المعلنين في تسويق سلعهم، بل على العكس هي تعطي هذه السلع مفاعيل الصدمة في ذهن المشاهد، الذي يرى فيها تبديداً للحظاته المؤثرة، فالمنطقي ألا يجد المرء متعة، ولا يرتبط بصلة حميمة مع حدث يقصيه عن حالة انسجام يعيشها، ولنا أن نسأل عن شعور المتلقي عندما يتكرر الموقف مرات ومرات في الأمسية الواحدة. حل جزئي يكشف حسان مراد «مهندس»، أنه فكر جدياً بالتخلي عن متابعة مسلسله الأثير في رمضان الحالي بسبب الضغط الإعلاني المتجاوز للحد، وهو ارتأى اللجوء إلى هذا الخيار كحل أخير بعد أن جرب التحايل على الفقرات الإعلانية بالقفز إلى محطة تلفزيونية ثانية، حيث واجهته إشكاليتان: تتعلق الأولى بتشتت الذهن بين حبكتين دراميتين مختلفتين، أما الثانية فتعود إلى تداخل إعلانات المحطتين، حيث صار يشاهد الدعاية الواحدة مرتين بدلاً من واحدة. يجزم حسان أن في أذهان المبرمجين الإعلانيين مبررات ما لهذه الفورة الإعلانية غير المسبوقة، لكنه يدعوهم للتفكير ملياً بما توصلوا إليه من استنتاجات، ولأن يتذكروا أن المعطيات العلمية تكون مخادعة أحياناً، وهي قد توصل أصحابها إلى نتائج خاطئة، فكثيرة هي التجارب المخبرية، يقول حسان، التي جعلت الاختبار والمختبرين في خبر كان، ولم تترك منهم مخبراً، والمؤكد أن النظرية التي دفعت أهل الإعلان لأن يواجهوا المشاهدين بهذه الهجمة الإعلانية الشرسة تحمل ثغرات جوهرية، وهو ما سيتم اكتشافه يوماً، ربما بعد أن يكون قد فات الأوان، وقرر المشاهدون التمنع علـى إغواء التلفزيون. مراد توصل إلى حل جزئي للمعضلة، وهو يرغب في إشراك القراء به: شاهدوا حلقات برنامجكم المفضل في فترات الإعادة، فذلك سيخفف عنكم بعض العبء الإعلاني الثقيل. إعادة نظر من جهتها، تقول ريما شعبان، مدرسة، إنها حاولت إقامة ربط نزاع بينها والهجمة الإعلانية معتمدة على ما تنصح تلامذتها به من أن الإصغاء يقصي الملل، وأن خير وسيلة للاستفادة من الوقت هي محاولة استيعاب ما يطرح أمامنا، حتى لو كان لا ينسجم مع ميولنا، وتضيف ريما: «هذا الضخ الإعلاني الهائل جعلني أعيد النظر في بعض ما كنت أحسبه بين قناعاتي الراسخة، فليس صحيحاً أن الإصغاء يقود إلى الأنس دوماً، بل قد يكون أحياناً نوعاً غير مكتشف من الضجر». أشد ما يزعج ريما، وفق تعبيرها، هو ذلك الإلحاح على الصنف نفسه من الإعلانات، فقد يكون الأمر مقبولاً أن تعرض إعلانات مختلفة وجديدة، أما أن يجري التركيز على أربعة أو خمسة أصناف دون سواها ويصار إلى تطويق المشاهدين بها، فذلك تعذيب يقع تحت طائل القانون، وليس إبداعاً إعلانياً. ريما تستغرب، وفقاً لتعبيرها، اطمئنان أهل الإعلان لكونهم يقومون بواجباتهم كاملة حيال السلع المطلوب تسويقها، ذلك أن ليس في الأمر ما يبرر الاطمئنان، والأرجح أن السلعة التي يسمع المشاهد باسمها مئات المرات في الليلة الواحدة ستكون مصدراً للملل بالنسبة له، خاصة أنها تقدم بالصيغة الرتيبة نفسها. إذا كان من نصيحة توجهها ريما للمعلنين فهي ببساطة: عدلوا مفاهيمكم.. ليس في ما تقومون به من إنجاز.. خبراء التسويق من جهتها، تؤكد فداء الساحلي «مديرة مبيعات»، أن الإعلان ضرورة لا غنى عنها لترويج السلع، والحفاظ على مكانتها في أذهان الجمهور، وإذ تعرب فداء عن تفهمها لتضجر المشاهدين من الضخ الإعلاني عالي الوتيرة في شهر رمضان، فهي تعيد ذلك إلى ثغرات في الإعلان نفسه وليس في وتيرة عرضه، ذلك أن الإعلان، كما يتعلمه الناس في الجامعات والمعاهد، لا بد له أن يتضمن بعداً ترفيهياً يجعله قريباً من قلب المشاهدين، إذا تحقق هذا الشرط صار تكرار الإعلان مصدر متعة للمشاهد، واستراحة من جدية ما يفترضها العمل التلفزيوني المقرر، أي أن الإعلان في أساسه هو حاجة وليس ترفاً. الساحلي تعترف بوجود إعلانات لا تستوفي الشروط المشار إليها، وهي تعيد الأمر إلى متسللين للمهنة يستسهلون خوض غمارها، ويخرجونها من ضوابطها العلمية، الأمر الذي ينتج إعلانات مثيرة للملل من شأن تكرارها أن يفاقم المشكلة، أما تلك المدروسة والمستوفية لشروطها العلمية فليست موضع شكوى بأي حال. لميرنا السباعي «محللة نفسية» رأي آخر في هذا الإطار، حيث تعتبر أن المبالغة في الإعادة لا تنتج بالضرورة مردوداً إيجابياً، بل هي تؤدي حتماً للملل، وعلى المدى الطويل يسعها أن تقيم حاجزاً نفسياً بين المتلقي وبين السلعة المقترحة عليه عبر الترويج الإعلاني. توافق السباعي على أن من شأن الإصرار المدروس على عرض السلعة أن يقيم ألفة ما بينها والمشاهد، لكنها تحذر من إدخالها في منافسة تتخطى قدراتها، مثل أن توضع في سياق مقارنة بينها ولحظة مفصلية في مسلسل مفضل لدى المشاهدين، المنطقي حينها أن المشاهد سينحاز للحظته المثلى وسينظر إلى الإعلان بشيء من الريبة، وربما تلبسه حياله نوع من العدائية غير الواعية. الإعلانات ستبقى غزيرة توضح ميرنا السباعي مفارقة ترى أنها ملتبسة في أذهان البعض وتقول: الإصرار على عرض السلعة لا يهدف إلى المساهمة في ترويجها كمياً، بل هو يعني انتزاع مكانة مميزة لها بين مثيلاتها، حيث تغدو قادرة على احتمال المبالغة السعرية دون مساءلة، الإعلان المكثف يبرر التمايز النوعي للسلعة، ولا يهدف بأي حال إلى توسيع مدار انتشارها، لذلك فالإعلانات ستبقى غزيرة وإن اعترض المشاهدون.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©