الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«صور متجولة».. بين الثقافات

«صور متجولة».. بين الثقافات
17 أغسطس 2011 23:08
تنتمي أعمال معرض “صور متجولة” الذي تقيمه صالة مرايا في مقرها على قناة القصباء بالشارقة ويغلق أبوابه مساء السادس عشر من هذا الشهر، إلى تيار ما بعد الحداثة في الرسم والتصوير، بل إلى ما يُعرف بالفن المفاهيمي تحديدا، وذلك بتقاطعاته مع الفنون البصرية الحديثة كالفيديو والتصوير الفوتوغرافي باتجاهاتهما المختلفة والمتنوع. والحال، فإن الأعمال جميعا إذ يجري تحديدها على هذا النحو، فليس ذلك لجهة أسلوبها فحسب أو بدافع من هذا الأسلوب، بل لجهة ما تحمله من أفكار ومضامين تبدو محورية في العمل ومتحررة من الأفكار التصويرية التي تعلي من شأن اللون والضوء على حساب الرسالة التي يريد الفنان أن يوصلها إلى الناظر إلى لوحته. في الوقت نفسه، فإن من غير الممكن الحسم على نحو راسخ وواثق بمعنى هذه اللوحة أو ذاك العمل، بل إن ذلك متروك غالباً لمقدرة الناظر إلى هذه الأعمال على التأويل وما يمكن أن تثيره لديه من “تجارب فردية خاصة”، فعلى سبيل المثال يعرض طارق الغصين ثلاث صور متجاورة للمشهد نفسه من الزاوية نفسها تقريبا، حيث يوجد شخص ما لا تشير ملامحه أو هيئته إلى أي امتياز أو هوية وسط عربة فارغة من ذلك النوع من العربات الذي يكون على أطراف المشاريع قيد الإنشاء وحيث تنتشر الرمال أكثر من سواها، لكن هذا الشخص يحمل في الصورة الأولى ما يشبه لافتة كتب عليها الرقم “194”، فلا يدرك المرء هل هذا الرقم اعتباطي أم لغاية في نفس الفنان، وإذا كان كذلك فإلى ماذا يشير، هل يشير إلى القرار رقم “194” الصادر عن الأمم المتحدة والخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم بعد تهجيرهم القسري من مطارحهم الأولى؟ كما يشير امتداد الرمل في السياق التأويلي نفسه إلى صحارى المنافي التي قُذف إليها الفلسطينيون؟ وربما لا علاقة للعمل يتكويناته الثلاثة بهذا التأويل على الإطلاق، حيث من الممكن أن الفنان الغصين قد لمس جمالية ما في التكوين التلقائي والعفوي للمشهد رأى فيه قيمة فنية عالية أو ربما أن المشهد هو الخلفية الافتراضية لما سيؤول إليه المكان من بناء أبراج وبنايات شاهقة يشعر المرء بأنها تضطهده من فرط ضخامتها وعلوّها الذي لا يُطال. كل تأويل ممكن أمام هذه الأعمال الفنية إجمالاً، بحيث ان الأمر يزداد انفتاحا على التأويل مع لوحة الفنانة الإماراتية ابتسام عبد العزيز، فالناظر إلى العمل يشعر للوهلة الأولى بأنه إزاء عمل فني كلاسيكي للوحة مسندية معلقة على جدار، غير أن اللوحة هنا ليست سوى لون واحد هو الأزرق الداكن الأكثر ميلا إلى السواد ليصير ما يُعرف باللون النيلي وليس بالأكثر ميلا إلى الاخضرار ليكون اللون الفيروزي الذي من الممكن رؤيته في أفق البحر في بعض فصول السنة. النيلي، لون يتصل بالأسطورة بمعنى من معانيه، كما أنه شائع الاستخدام لدى النساء، وبوصفه أحد اشتقاقات اللون الأزرق فإن له “يدٌ تطرق باب الحرية”، إذا جاز التوصيف الشعري في هذا المقام، ويعبر عن رغبات كامنة في الانعتاق والتحرر من الذات والآخرين أيضا وليس التحرر الاجتماعي وحده فحسب، أي أنه لون للتأمل الفردي بمصير إنساني مفتوح على المعرفة والجمال بقدر ما هو مفتوح على التجربة الحياتية في العيش بكل بساطة. وربما أن تأمل المرء يقود في عمل ابتسام عبد العزيز على هذا النحو هو تلك الدرجة من النيلي التي تحوله من لون مادي أساسه كيميائي إلى مخيلة. وحقيقة الأمر أن كل عمل من أعمال “صور متجولة” يجدر بالتوقف عنده وقراءته بتأنٍ وبإمكانيات تأويلية تتقاطع فيها “ذات” الناظر إلى العمل مع “ذات” الفنان، إذ أن كل منهما بالنسبة للآخر يصبح موضوعا إذا شرع المرء في قراءة أي عمل. بين مقدونيا والجزيرة العربية أقيم معرض “صور متجولة” الذي شارك فيه فنانون إماراتيون وعرب ويونانيون بالتعاون مع المتحف المقدوني للفن المعاصر في اليونان وبينالي تيسالونيكي الثالث وبرنامج “مفترق طرق” الذي يشكل جزءا من مبادرة لتكريم الثقافات “الرائعة” في الشرق الأوسط، كما يدعو الفنانين، من الأجانب، إلى إعادة تعريف علاقتهم بالتراث الثقافي لشبه الجزيرة العربية وشرق البحر الأبيض المتوسط كمناطق التقاء ثقافي وفني عبر العصور، حيث تشكل إمارة الشارقة محطة رئيسية تربط شبه الجزيرة العربية باليونان، وذلك بحسب ما جاء في لوحة تعريفية بالمعرض.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©