الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطوسى أنشأ أول جامعة حقيقية في بغداد

الطوسى أنشأ أول جامعة حقيقية في بغداد
21 أكتوبر 2006 23:41
اعتبره ''سارتون'' من أعظم علماء الإسلام وأكبر رياضييه، واعتمد ''ريجومونتانوس'' على مؤلفاته في وضع الكتاب الذي أسماه ''المثلثات'' والطوسي هو أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسن، نصير الدين الطوسي، المولود سنة 597 للهجرة في مدينة ''طوس'' قرب نيسابور، من بلاد خراسان· كان والد الطوسي عارفاً بالقرآن الكريم والحديث الشريف والفقه وفنون اللغة، فأشرف بنفسه على تدريس ابنه في المراحل الأولى، ثم عهد به قبل وفاته إلى كمال الدين محمد المعروف بالحاسب ليعلمه الرياضيات وإلى خاله والفيلسوف الحكيم فاضل بابا أفضل الكاشي ليدرساه المنطق والحكمة· وقد تضلع الفتى في هذه العلوم في سن مبكرة· سافر الطوسي إلى نيسابور التي كانت في ذلك الوقت ملتقى للعلماء ومقصداً للطلاب، حيث دأب على حضور حلقات الدراسة للشيوخ والعلماء أمثال سراج الدين الضري، وقطب الدين الداماد، وأبو السعادات الأصفهاني، وكمال الدين بن يونس الموصلي، وفريد الدين العطار، ومعين الدين سالم بن بدران المازني المصري الإمامي الذي تلقى منه الإجازة· وتفيد بعض المصادر أنه تلقى دروساً من الفقه على يد كمال الدين هيثم البحراني وعلى يد العلامة الحلّي اللذين تعلّما من الطوسي علوم الفلسفة وفنون الكلام· وقد تلقى الرجل دراساته المعمّقة في الحكمة والفلسفة على يد الحكيم شمس الدين عبد الحميد بن عيسى الخسرو شاهي ونهل من علوم الحديث من الشيخ برهان الدين الهمذاني· جنكيز خان يزحف··· غير أن أحداثاً رهيبة أدت إلى وقف هذا الإقبال على التعلم، إذ أن المغول بقيادة جنكيز خان، زحفوا على البلاد فاجتاحوا خراسان ودخلوا نيسابور، فسقطت المدن في أيديهم وانهزم أمامهم السلطان محمد خوارزم شاه· وأعمل المغول السيف في رقاب العباد وهدموا الدور وأحرقوا البساتين، فعم الخراب والدمار· وتقول الروايات إن أربعمائة شخص فقط نجوا من القتل على أيديهم، وكان الطوسي من هؤلاء الناجين· قصد صاحبنا مدينة طوس وعمره آنذاك في حدود العشرين سنة، وأقام فيها فترة من الزمن قدرها المؤرخون بست سنوات اتسمت بالخوف والاضطراب بسبب الخطر الماثل الذي يتهدد دراسته ومستقبله· لكنه وظف هذه الفترة في الإقبال على التعلم، فدرس مؤلفات الرئيس في الفلسفة وأنجز بحوثا في الميتافيزيقيا وعلوم الطبيعة والأخلاق والسياسة وفنون الكلام· وبعد فترة، رحل الطوسي إلى قهستان، وهي من قلاع الإسماعيليين التي استعصت حتى ذلك الوقت على المغول وصمدت في وجههم لعدة سنوات· هل اختطفه الاسماعيليون؟ وقد اختلفت المصادر بهذا الشأن، فالبعض يرى أن الطوسي أكره على الذهاب إلى قهستان· ويقول أصحاب هذا الرأي إن الإسماعيليين عهدوا إلى فرقة من فدائييهم باختطاف الرجل والاتيان به إلى قلعة ''آلموت''، وقد نصبوا له فخاً على مشارف بساتين ''نيسابور'' أو ''طوس'' حيث حملوه تحت التهديد بالقتل إلى القلعة· وتذهب الرواية الثانية إلى أن الطوسي ذهب طواعية إلى سلطان الإسماعيليين لكن حدثا ما عكر صفو العلاقة بينهما فنقم عليه السلطان وعامله كسجين عنده· وثمة رواية ثالثة تزعم أن الطوسي رغب، بعد فترة من مقامه عند الإسماعيليين، في الذهاب إلى بغداد، حاضرة الخلافة العباسية، فكتب رسالة بهذا الشأن إلى الوزير ابن العلقمي راجيا إياه التوسط تمهيداً لقبوله عند الخليفة في بغداد، وأرفقها قصيدة يمدح فيها المستعصم· غير أن ابن العلقمي، بدلا من إبلاغ المستعصم برسالة الطوسي وشعره، كتم ذلك في نفسه وأرسل سراً إلى سلطان الإسماعيليين ''ناصر الدين القهستاني'' يعلمه بطلب الطوسي ويحرضه على منعه من الرحيل· ومهما يكن، فإن الأحوال ضاقت بالطوسي في قلعة ''آلموت'' بعد مراسلته مع ابن العلقمي، وظل شبه سجين بها حتى اقتحمها المغول· ولما استقر المغول في المدينة، تقدم إليهم الطوسي فعاملوه معاملة حسنة وقربوه منهم، ما أثار الكثير من الجدل حول الرجل ودواعي العناية التي خصه بها هولاكو· حتى أن بعض المتقولين ذهب إلى حد اتهام الطوسي بمراسلة المغول قبل دخولهم لقلاع الإسماعيليين، في حين زعم آخرون أن علم الطوسي ومعرفته بالفلسفة ربما شفعا له عند هولاكو· لكن هذا الافتراض لا يصمد أمام المنطق، فالمغول معروفون بوحشيتهم وعدم إلمامهم بالعلم والمعارف· حاجة هولاكو إن حقيقة الأمر تكمن في حاجة هولاكو إلى الاستفادة من علم الطوسي، خاصة خبرته ذائعة الصيت في مجال الفلك والنجوم· ويعزز هذا الاحتمال أن التتار أبقوا أيضا على حياة رجلين آخرين هما موفق الدولة ورئيس الدولة لخبرتهما في الطب· وتعتقد بعض المصادر أن هولاكو، حين أراد غزو بغداد، أخذ معه الطوسي، ما عرض هذا الأخير مرة أخرى لهجمات الكثيرين· وكما هي الحال في مثل هذا النوع من الظروف، فقد بالغ منتقدو الرجل حتى أن بعضهم رماه بالارتداد عن الإسلام بينما اتهمه البعض الآخر بالوثنية· وبين هؤلاء وأولئك، تحدثت فئة ثالثة عن مسؤولية له في سفك الدماء في بغداد وانتهاك الحرمات والتنكيل بالإسلام والمسلمين وتهوين أمر قتل الخليفة المستعصم بالله· لكن الأقرب إلى العقل والمنطق هو أن الطوسي إنما أقدم على أمر سيئ (وهو موالاة المغول) ليدرأ به الأمر الأسوأ (وهو التدمير الكلي للحضارة الإسلامية)· ومما يدل على صدق نية الرجل أنه سعى وهو في بغداد، إلى إنقاذ حياة الكثير من الناس، وخاصة العلماء· إذ استطاع الحصول من هولاكو على قبول شفاعته في أرواح الناس والسماح له بإنقاذ أعداد كبيرة من الكتب والمراجع العلمية· ولا شك أن الطوسي، بذكائه وبعد نظره، أدرك عجز المسلمين عن صد جيوش المغول نظرا للتشرذم والضعف الذي تعيشه الدولة الإسلامية وخشي من الهيمنة الفكرية للتتار ومن ثم القضاء على الإسلام· إن أمرا كهذا كان سيشكل كارثة حقيقية على المسلمين، ولذلك استغل صاحبنا خبرته في علم النجوم وحاجة هولاكو إليه لينقذ ما أمكن إنقاذه من التراث الإسلامي المهدَّد بالزوال· إنهم يدخلون الإسلام وسعيا في هذا الاتجاه، أنشأ الطوسي مرصداً فلكياً ضخما ألحق به عدداً من مشاهير العلماء من بينهم المؤيد العرضي الذي جاء من دمشق والفخر المراغي الموصلي والنجم دبيران القزويني، ومحيي الدين المغربي الحلبي· وتضمن المرصد دار علم كبيرة احتوت على أمهات الكتب ونفائس المصادر، وتحولت، بعد ذلك، إلى أول أكاديمية علمية ثم إلى أول جامعة حقيقية ضمت دارا لطلبة الحديث الشريف ومدرسة للفقهاء، وبيتاً للحكمة خاصاً بالفلاسفة ومجلسا للأطباء، مع رواتب جارية لجميع العاملين به· أعجب هولاكو بتدبير الطوسي فكلفه الإشراف على الأوقاف الإسلامية والتصرف بمواردها، بل وسمح له بتأمين من يراه مفيدا من العلماء واستقدامهم إلى بغداد لمساعدته في شؤون المرصد· ولما مات هولاكو، زاد تأثير الطوسي على ابنه أباقا خان واستطاع إقناعه بتحسين ظروف الناس· ثم هلك أباقا خان وحل محله تكودار الذي ما لبث أن اعتنق الإسلام وأسلمت معه الدولة المغولية· ولا يمكن لأحد أن ينكر دور صاحبنا في دخول المغول إلى الإسلام وجعلهم رعاة له بعد أن كانوا ألد أعدائه·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©