الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عودة العنف إلى العراق... أسباب سياسية

17 أغسطس 2011 23:33
مازالت كلفة الثلاثين هجوماً التي هزت العراق في الأسبوع الماضي تُعد للتعرف على حصيلتها النهائية، حيث أشارت التقارير الأولية إلى سقوط 70 شخصاً إثر سلسلة من الهجمات القاتلة تضمنت تفجيرات انتحارية وسيارات مفخخة وعمليات إطلاق نار عشوائي بالبنادق الآلية في واحد من أكثر الأيام العراقية دموية خلال العام الجاري. ولعل من أسوأ تلك الهجمات ما استهدف سوقاً شعبياً في مدينة "كوت" الجنوبية بواسطة سيارتين مفخختين. فيما نُفذت هجمات كبرى ضد قوات الأمن في المدينتين الشيعيتين المقدستين، النجف وكربلاء، دون أن توفَر مدينة بعقوبة السُنية في وسط العراق، ومدينة كركوك في الشمال المنقسمة دينياً وعرقياً والغنية بالنفط في نفس الوقت. وفي أول رد فعل للمسؤولين العراقيين تمت الإشارة بأصبع الاتهام إلى تنظيم "القاعدة" في العراق باعتباره الأقدر على شن هجمات متزامنة تزهق عدداً كبيراً من الأرواح. لكن وفيما لم تكشف المعطيات والأدلة التي تثبت هذه الفرضية، يبقى أن الأسلوب وطبيعة الأهداف تشير بقوة إلى أن العمليات نفذتها عناصر من السنة العرب في العراق والتي تعتمد عليها "القاعدة" في الحصول على الدعم. ومع أن الولايات المتحدة اشتكت في مرات سابقة من الميلشيات الشيعية التي تسلحها إيران وتستهدف القوات الأميركية، فإن الأهداف هذه المرة تظل محلية لا تتعلق بمسألة إخراج القوات الأميركية من العراق؛ فما الذي نستنتجه من الفظائع الأخيرة التي أُجبر المدنيون العراقيون على تجرعها في حرب كبدت العراق حسب التقديرات أكثر من 100 ألف قتيل من المدنيين؟ الحقيقة أن ما يمكن الجزم به في ظل تضارب المعطيات وصعوبة التوصل إلى نتيجة واضحة، هي أن العنف مازال قائماً في العراق، حيث الجماعات المسلحة تتمتع بقوة ونفوذ كبيرين ولديها ما يكفي من الدعم والانضباط لشن هجمات في كل ركن من أركان العراق، هذا فضلاً عن صعوبة التصدي لها وإيقاف نشاطها. وليس ذلك غريباً بالنظر إلى ما سبق أن نوه إليه "ستوارت بواين" المفتش الأميركي الأعلى لإعادة الإعمار في العراق خلال تقرير له صادر في شهر يوليو الماضي قال فيه إن العراق "يظل مكاناً خطيراً للغاية ويصعب العمل فيه، إنه أقل أمناً مما كان عليه قبل 12 شهراً خلت"، ويضيف "بواين" أن العراق مازال يكافح لحماية القضاة والمسؤولين من الاغتيال، وبأن الوضع الأمني "في تدهور مستمر". لكن التركيز في وسائل الإعلام، اقتصر بشكل حصري على موضوع ما إذا كانت القوات العراقية مؤهلة ومستعدة بما يكفي للنهوض بالوضع الأمني بعد الانسحاب الأميركي. فقد جاء في "نيويورك تايمز" أن العنف المستشري في العراق "يثير تساؤلات مهمة حول قدرات القوات العراقية"، غير أن هذه التساؤلات ليس أكثر من خطاب إعلامي، لأن الحقيقة التي لا مراء فيها أن القوات العراقية مهما بلغت من بأس وشدة، لن تستطيع القضاء على الجماعات المسلحة بالقوة وحدها.والسبب أن عدد العراقيين المستعدين للانخراط في تلك الجماعات لم يقل بعد، كما أن جزءاً غير يسير من العراقيين ينظر إلى الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة بعين الشك والريبة ما يبرر دعهم هؤلاء العراقيين، على نحو سلبي على الأقل، للجماعات المسلحة بعدم التبليغ عن نشاطاتها وغض النظر عما تقوم به. وسواء كان هؤلاء المقاتلون من السُنة أو الشيعة، فإن الأكيد أنهم مازالوا يعتقدون أن السلطة والنفوذ ينتظرانهم بعد انتهاء العنف، بيد أن المسؤولية لا تقع فقط على كاهل العراقيين، بل يتقاسمها أيضاً الأميركيون الذين لم يرسلوا أبداً ما يكفي من القوات لوقف الهجمات التي استهدفت المدنيين. فحتى في أوج العنف الطائفي الذي ضرب العراق قبل بضع سنوات، اعتمدت الولايات المتحدة على شراء ولاء الجماعات السُنية التي غيرت صفها، كما استندت إلى التغيرات التلقائية الناجمة عن العنف الطائفي، الذي حول أحياء ومناطق بأكملها في العاصمة إلى لون طائفي واحد بعدما كانت مختلطة بين السُنة والشيعة في السابق. واليوم وحتى في الوقت، الذي يبدو أن نوعاً من التواجد الأميركي سيبقى في العراق لتدريب الجنود العراقيين وتزويدهم بالمعدات بعد انقضاء الاتفاق الأمني، إلا أن ذلك في النهاية لن يعالج الأسباب الحقيقية التي تقف وراء العنف والمتمثلة أساساً في: السياسة العراقية، فقد برز رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، كشخصية طائفية، إذ رغم المجهود الذي بذلته قوات "الصحوة العراقية" التي غيرت ولاءها وانخرطت في محاربة "القاعدة" في مناطقها لم تحصل على الوظائف الحكومية التي وُعدت بها، وهو ما اضطر العديد من عناصرها إلى التراجع واللجوء إلى العنف. ومن المهم التذكير أيضاً بأن الانتخابات البرلمانية لشهر مارس 2010، والتي فازت فيها القائمة "العراقية" برئاسة علاوي بالنسبة الأكبر من الأصوات لم تسفر عن حكومة إلا بعد تسعة أشهر، تلك الحكومة التي يشكلها المالكي بتجميعه لتحالف قطع الطريق عن قائمة "العراقية". والنتيجة أن السُنة الذين كانوا يتمتعون بالحظوة في عهد صدام، شعروا بأن الإرادة الشعبية التي عُبر عنها في الانتخابات لم تحترم، ورغم نجاح القوى السياسية في تشكيل حكومة في النهاية ظل المأزق السياسي قائماً بعدما فشلت كل المحاولات في تعيين وزيري الدفاع والداخلية، فبعد ثمانية أشهر على تعيين الحكومة ما زال منصب وزير الداخلية شاغراً، ومازال المالكي يتولى زمام الأمور الأمنية، مؤججاً بذلك شعوراً طاغياً بالظلم لدى السنة واستياء عاماً من تنامي قوة المالكي واستفرداه بالقرار الأمني. دان مورفي محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©