الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات من التراث

حكايات من التراث
21 أكتوبر 2006 23:55
الجمال الوئيدة الزباء، واسمها هند، · ملكت الشام بعد عمها الصنور، وكان جذيمة الأبرش قتل عمها، فبعث إليها جذيمة يخطبها، فأظهرت البشر والسرور لرسوله، وكتبت إليه بالقدوم عليها لتزوجه نفسها، فاستشار نصحاءه، فقالوا: أيها الملك! إن تزوجت بها، جمعت ملك الشام، وملك الجزيرة إلى ملكك· فاستخلف ابن أخيه عمرو بن عدي، وسار في ألف فارس من خاصته؛ فلما انتهى إلى مكان يسمى بقة، وهو حد مملكتها ومملكته، نزل في ذلك المكان، واستشار أصحابه أيضاً في المصير إليها بالانصراف، فزينوا له الإلمام بها وقالوا: إنك، إن انصرفت من ههنا، أنزله الناس منك على جبنٍ ووهن· فدنا منه مولى يقال له قصير بن سعد، فقال له: أيها الملك، لا تقبل محاورة هؤلاء، وانصرف إلى مملكتك حتى يتبين لك أمرها، فإنها امرأة غادرة· فلم يحفل بقوله، ومضى حتى اقتحم مملكتها، فقال قصير: ببقةٍ صرم الأمر، ثم أرسلها مثلاً· فلما بلغ المرأة قدومه عليها، أمرت جنودها، فاستقبلوا الملك؛ فقال قصير: أيها الملك! إني رأيت جنودها لم يترجلوا لك، كما يترجل للملوك؛ ولست آمن عليك، فاركب العصا، وانج بنفسك والعصا كانت فرساً لجذيمة، لا يشق غبارها؛ فلم يعبأ جذيمة بقوله، وسار حتى دخل المدينة، وأمرت هند الزباء بأصجابه أن ينزلوا فأنزلوا، وأخذت منهم أسلحتهم ودوابهم؛ وأذنت لجذيمة، فدخل عليها، وهي في قصر لها، ولم يكن معها في قصرها إلا الجواري، فأومأت إليهن أن يأخذنه؛ واجتمعن عليه ليكتفنه، فامتنع عليهن، فلم يزلن يضربنه بالأعمدة حتى أثخنه وكتفنه· ثم أمرت به، فقطعت عروقه، فجعلت دماؤه تشخب في النطع، فقالت: لا يحزنك ما ترى· فإنه دم هراقه أهله، فأرسلتها مثلاً· واحتال قصير للعصا حتى وصل إليها وركبها، ثم دفعها، فجعلت تهوي به كأنها الريح· وكان المكان الذي قصد فيه جذيمة مشرفاً على الطريق، فنظر جذيمة إليه وقد دفع الفرس، فقال: لله حزم على رأس العصا، فلم تزل دماؤه تشخب حتى مات· ثم أمرت بأصحابه، فقتلوا بأجمعهم· وكان عمرو بن عدي يركب كل يوم من الحيرة، فيأتي طريق الشام، يتجسس عن خبره وحاله، فلم يبلغه أحد خبره· فبينا هو ذات يوم في ذلك، إذ نظر إلى فرس مقبل على الطريق، فلما دنا منه، عرف الفرس، وقال: يا خير ما جاءت به العصا، فذهبت مثلاً، فلما دنا منه قصير، قال له: ما وراءك؟ قال: قتل خالك وجنوده جميعاً، فاطلب بثأرك· قال: وكيف لي بها، وهي أمنع من عقاب الجو؟ فذهبت مثلاً· ثم إن قصيراً أمر بأنف نفسه فجدع، ثم ركب وسار نحو الزباء، فاستأذن عليها، فقيل لها: إن مولى لجذيمة وقهرمانة وأكرم الناس عليه قد أتاك مجدوعاً· فأذنت له، فدخل عليها· قالت: من صنع بك هذا؟ قال: أيتها الملكة! هذا فعل عمرو بن عدي، اتهمني وتجنى علي الذنوب، وزعم إني أشرت على خاله بالمسير إليك، حتى فعل بي ما ترين، ولم آمنه أن يقتلني، فخرجت هارباً إليك، وقد أتيتك لأكون معك، وفي خدمتك· قالت: نعم أقم، فعندي لك ما تحب، وولته نفقتها، فخف لها، ورأت منه الرشاقة فيما أسندته إليه، فأقام عندها حولاً، ثم قال لها: أيتها الملكة! إن لي بالعراق مالاً كثيراً، فإذا أذنت لي في الخروج لحمله، فافعلي· فدفعت إليه مالاً كثيراً، وأمرته أن يشتري له ثياباً من الخز والوشي ولآلئ وياقوتاً ومسكاً وعنبراً· فانطلق حتى أتى عمراً فأخبره، فأخذ منه ضعفي مالها، وانصرف نحوها، فاسترخصت ما جاء به، وردته الثانية والثالثة، فكان يأخذ في كل مرة مثل أضعاف مالها، فيشتري لها جميع ما تريد، فتسترخصه· ووقع قصير بقلبها، فاستخلفته، ثم بعثته في الدفعة الرابعة بمال عظيم، وأمرته أن يشتري أثاثاً ومتاعاً وفرشاً وآنية، فانطلق إلى عمرو، فقال: قد قضيت ما علي، وبقي ما عليك، فقال: وما الذي تريد؟ قال: أخرج معي في ألفي فارس من خدمك، وكونوا في أجواف الجواليق، على كل بعير رجلان· فانتخب عمرو ألفي فارس من أصحابه، فخرج، وخرجوا معه في الجواليق، كل رجل بسيف، وكان يسير النهار، فإذا أمسى الليل، فتح الجواليق ليخرجوا ويطعموا ويشربوا ويقضوا حوائجهم، حتى إذا كان بينه وبين مدينتها مقدار ميل، تقدم قصير حتى دخل عليها، وقال: أيتها الملكة! اصعدي على القصر لتنظري ما أتيتك به، فصعدت فنظرت إلى ثقل الأحمال على الجمال، فقالت: ما للجمال مشيهـا وئيدا // أجندلاً يحملن أم حديد ا // أم صرفاناً بارداً شديدا فأجابها قصير سراً: بل الرجال جثما قعودا· فقال: لما عليها من المتاع الثقيل النفيس· فأمرت بالأحمال، فأدخلت قصرها، وكان وقت المساء، فقالت: إذا كان غداً نظرنا إلى ما أتيتنا به· فلما جن عليهم الليل، فتحوا الجواليق، وخرجوا، فقتلوا جميع من في القصر· وكان لها سربٌ قد أعدته للفزع والهرب، إن حل بها روع، تخرج إلى الصحراء؛ وقد كان قصير عرف ذلك المكان، ووصفه لعمرو، فبادر عمرو إلى السرب، فاستقبلته الزباء، فولت هاربة نحو السرب، فاستقبلها بالسيف، فمصت فصها، وكان مسموماً، وقالت: بيدي لا بيديك يا عمرو، ولا بيدي العبد، فقال عمرو: يده ويدي سواء، وفي كليهما شفاء، وضربها بسيفه حتى قتلها؛ وأقبل قصير حتى وقف عليها· وغنم عمرو وأصحابه من مدينتها أموالاً جليلة، وانصرفوا إلى الحيرة، فكان الملك، بعد خاله جذيمة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©