الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

برج مهيب يجمع بين الضخامة والرشاقة

برج مهيب يجمع بين الضخامة والرشاقة
21 أكتوبر 2006 23:55
القاهرة - احمد السيد: تقف هذه المئذنة الحجرية كشاهد عيان على ابداع مهندسي العصر المملوكي ونجاحهم في الجمع بين الضخامة والرشاقة فيما شيدوا من منشآت معمارية بالقاهرة· فهذه المئذنة المشيدة من أحجار منحوتة نحتا جيدا تبدو كبرج مهيب البناء وتجتذب بهامتها أنظار المارة في شارع بين القصرين وتبهرهم تفاصيلها الفنية التي نفذت بدقة فائقة· وقد شيدت المئذنة في نهاية الطرف الشمالي لمدرسة وخانقاه الظاهر برقوق أول سلاطين دولة المماليك الجراكسة بمصر وأعظم سلاطين المماليك بعد الملوك الأول من المماليك البحرية· ثلاثة طوابق وجاءت المئذنة على غرار المآذن المملوكية من حيث اشتمالها على ثلاث دورات وتنطلق قاعدتها المربعة من نهاية شرفات الواجهة وفي أعلى القاعدة شطفات على هيئة مثلث مقلوب في كل ركن من أركانها الأربعة وتقوم هذه الشطفات المثلثة بتحويل مربع القاعدة الى مثمن شيدت فوقه الدورة الاولى للمئذنة وهي ذات بدن ثماني الأضلاع ويزدان كل ضلع بزخرفة حجرية على هيئة محراب بوسطه فتحة معقودة ذات شكل مدبب وهي بمثابة نوافذ لاضاءة الدرج الحجري الداخلي المخصص لصعود المؤذن· وتنتهي الدورة الأولى بصفوف من المقرنصات الحجرية البديعة تحمل شرفة الآذان الاولى التي تدور حول البدن المثمن للدورة الثانية· وتمتاز الدورة الثانية بأن كل وجه من أضلاعها الثمانية زخرف بالرخام الأبيض على طريقة التلبيس أي حفر الزخرفة في الحجر ووضع الرخام بداخلها حتى يبدو جزء من البدن· وتعتبر مئذنة مدرسة وخانقاه الظاهر برقوق اول نموذج لاستخدام تلبيس الرخام في المآذن المصرية وكان الشائع قبلها استخدام الاحجار في تزيين المآذن مع اختلاف ألوان الأحجار· وتنتهي الدورة الثانية كسابقتها بصفوف من المقرنصات الحجرية التي تحمل شرفة آذان ثانية ذات تصميم دائري· والدورة الثالثة عبارة عن جوسق مفتوح مؤلف من ثمانية أعمدة رخامية رشيقة متوجة بصفوف من المقرنصات الحجرية· وبأعلى هذه الدورة النهاية المألوفة في مآذن العصر المملوكي الجركسي وهي قبة صغيرة تعرف في المصطلح المعماري لهذه الفترة باسم القلة ويتوج القلة سفود جديدي كان من المفترض ان ينتهي بهلال نحاسي ويبدو انه فقد عند مشارف القرن التاسع عشر الميلادي· والمئذنة اجمالا من اروع المآذن التي تزدان بها العمائر المملوكية في القاهرة هي جديرة بما تفصح عنه من ضخامة وفخامة بأن تتوج هامة مدرسة وخانقاه الظاهر برقوق· اهتمام بالعمارة والظاهر برقوق جركسي الاصل كان يعرف في موطنه باسم ألطون بغا، فلما احضره الخواجة عثمان تاجر الرقيق باعه الى الامير يلبغا الكبير فسماه برقوقا لجحوظ عينيه وظل يترقى في الوظائف الى أن نجح في اقصاء شريكه الأمير بركة في نهاية ولاية المنصور علي بن قلاوون وانفرد بحكم مصر منذ شهر رمضان عام 487 هـ ''2831م'' بعد ان بايعه الخليفة العباسي المتوكل محمد بن المعتضد ولكنه عزل في عام 197 هـ بالملك المنصور حاجي ثم عاد الى ملك مصر ثانية بعد حوالي عام وبقي فيه الى أن توفى ليلة نصف شوال عام 108 هـ ''9931م''· واشتهر الظاهر برقوق بمهاراته العسكرية وعنايته بالعلماء وشغفه بالعمارة اذ قام باجراء اصلاحات في الحرمين المكي والمدني وجدد خزائن السلاح بالاسكندرية وسور مدينة دمنهور وعمر زاوية البرزخ بدمياط وأصلح قناطر المياه بمصر وأنشأ قبة الشيخ رجب الشيرازي بالمجحر قرب القلعة ثم هذه المدرسة· وتعد مدرسة وخانقاه الظاهر برقوق باكورة عمائر دولة المماليك الجراكسة ''البرجية'' وشيدت في موضع خان قديم كان يعرف باسم خان الزكاة بشارع بين القصرين، واستمرت أعمال البناء والزخرفة عامين تقريبا إذ وضع حجر أساسها في أوائل شوال 687 هـ ''4831م'' وافتتحت للصلاة يوم 01 رمضان عام 887 هـ ''6831م'' وخلال أعمال البناء حرص المشرف على العمارة وهو الأمير جهاركس الخليلي على أن يحضر أحجارا ضخمة لها من جبل المقطم وأعد لها العجول لسحبها على عجل خصص لنقلها من الجبل ومنذ ذلك الحين أطلق المعماريون على الحجارة الكبيرة اسم ''عجالي''· اما المهندس المعماري الذي صمم هذه المدرسة فهو شهاب الدين أحمد بن الطولوني وهو مهندس ابن مهندس من أسرة اشتغلت بالهندسة وقامت بأعمال معمارية في مصر والحجاز وأنعم السلطان عليه عند افتتاح المدرسة ثم عبر عن تقديره لهذا المهندس بأن صاهره في ابنته· فن رفيع وعمل الطولوني حافل بنماذج من الفن المعماري الرفيع جرى التأليف بينها في اطار بديع· وتعتبر الواجهة الحجرية وبوابتها الرئيسية عنوانا على ما تحويه هذه المدرسة من فنون معمارية شديدة الاتقان فالمدخل كسيت جدرانه بالرخام الملون الملبس في الحجر بطريقة فنية وبها شباك مستدير مفرغ بالنحاس يعلوه مقرنص تتخلله فروع زخرفية· ويتوسط الواجهة شبابيك من النحاس بأعتابها مزررات من الرخام وضعت في أكتافها أعمدة حجرية لطيفة نقشت بزخارف نباتية وتعلوها شبابيك غطيت بمصاريع من الخشب المجمع بأشكال هندسية وتتوج الواجهة بشريط كتابي يشير الى أن مشيد المدرسة والخانقاه هو الظاهر برقوق· اما التصميم الداخلي للمدرسة فهو يتألف من صحن أوسط مكشوف فرشت أرضيته بالرخام المتعدد الالوان ويحيط بالصحن من جهاته الأربع ايوانات أربعة أكبرها وأهمها إيوان القبلة وهي بذلك تتبع نظام المدارس السنية ذات التخطيط المتعامد· وفرشت أرضية أيوان القبلة بالرخام على هيئة محاريب في قسمها الملاصق لجدار القبلة اما جدران الايوان فقد كسيت بأشرطة من الرخام الملون وبصدر هذا الإيوان محراب يعد تحفة فنية إذ تم عمله من الرخام وقد لبس فيه الرخام الأسود على شكل شرفات على أرضية بيضاء بها فصوص صدفية وفيروزية وحمراء· وعلى جانبي هذا الإيوان إيوانان صغيران كل منهما أقيم على عمودين ضخمين من الجرانيت ولكل منهما سقف مذهب له دلايات· وبالإيوان منبر خشبي يتميز بالبساطة على النقيض من الروح الزخرفية المترفة التي تحفل بها المدرسة ذلك أنه منبر نقل الى هذه المدرسة في وقت لاحق وهو من أعمال السلطان الملك الظاهر جقمق وبطرف الايوان دكة المبلغ وشيدت بالرخام كما يوجد في هذا الايوان كرسي مصحف من الخشب طعمت جوانبه بحشوات من السن ملبسة في الخشب· اما الايوانات الثلاثة الاخرى فهي ذات عقود مدببة وفي الطرف الشمالي قبة يتوصل اليها من باب على الصحن يؤدي الى المدرسة ثم اليها وهي قبة غنية بزخارفها في الوزرات الرخامية وفي المحراب والنقوش فقد ارتفعت الكسوة الرخامية في جدرانها الأربعة الى مستوى عقد المحراب ويتوسط القبة قبر دفن فيه والد السلطان برقوق وأولاده وفاطمة أم خوند وخوند شيرين زوجته· وخصص الظاهر برقوق هذه المنشأة لتدريس المذاهب السنية الأربعة وقراءة الحديث النبوي كما أفرد بها مكانا لاقامة المتصوفة ولذا عرفت باسم مدرسة وخانقاه الظاهر برقوق· وترك هذا السلطان عددا وافرا من الأوقاف التي جرى تخصيص ريعها للانفاق على صيانة مبناها ودفع رواتب وأجور العاملين بها فضلا عن رواتب جزيلة للمتصوفة وطلبة العلم والمدرسين· وتعتبر مدرسة السلطان برقوق من اغنى عمائر القاهرة بأعمال الرخام وتعد متحفا مفتوحا للتحف الرخامية المملوكية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©