الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الضيف والمضيف.. لقاء المصالح

الضيف والمضيف.. لقاء المصالح
3 سبتمبر 2014 20:15
ما المقصود ببرنامج “الفنان المقيم”؟ سواء في الامارات أو في سواها من بلدان العالم. وما الذي ينبغي على الفنان أن ينجزه ضمن مدة زمنية محددة، تمتد من الشهر إلى ستة أشهر؟ وفي أي سياق يأتي هذا البرنامج؟. يبدو أن أصل الفكرة قد بدأ مع فكرة “دعم” الفنون التشكيلية بشكل عام، والأغلب أن جذرها قد بدأ منذ أن كانت الفنون مرتبطة بالديانة المسيحية في أوروبا. إذ من المعروف أن ثمة العديد من الكنائس في أوروبا، خاصة في إيطاليا وفرنسا وألمانيا وإنجلترا، قد باتت الآن متاحف مذهلة ولم تعد دورا للعبادة بالمعنى الكلاسيكي للكلمة. ومَنْ يقرأ درس تاريخ الفن الأوروبي في العصر الوسيط يدرك تماما أن مجمل الفنون التشكيلية قد تطورت في الكنائس وتحديدا في العمارة والرسم والنحت. تفخر الكثير من المدن الأوروبية الآن بمتاحفها/ الكنائس. صبغة كولونيالية في العصر الحديث اختلف الأمر تماما، منذ غادر الفن أروقة الديانة المسيحية وكنائسها، إلى المتاحف والجاليريهات، الأمر الذي انتهى إلى خلق سوق خاص بالفن بلغت ذروتها في منتصف القرن الثامن عشر مع نشأة المزادات الفنية والبازارات وازدياد أعداد المتاحف ذات الصبغة الكولونيالية وظهور فكرة الاقتناء المنزلي للأعمال الفنية بالتزامن مع التوسع الكولونيالي التي حققه بعض الدول الأوروبية في أغلب مناطق العالم. وربما يمكن القول أيضا أن جملة التعقيدات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية الواسعة التي أصابت العالم منذ مطلع القرن العشرين مقرونة بظهور هجرات العمالة والكفاءات باتجاهات مختلفة في العالم قد أفرزت، على المستوى الفني، قدرا كبيرا من النخبوية الثقافية من جهة أثرت في ظهور متسارع لتيارات واتجاهات ومدارس فنية جديدة لم تعد تشبع الذائقة الكولونيالية التي باتت كلاسيكية جدا آنذاك. من هنا يمكن القول بأن الطبقات الاجتماعية الوسطى في المجتمعات الأوروبية الحديثة هي التي خلقت سياقا آخر لصناعة الفن، فكانت الجاليريهات التي تشتري أعمالا لفنانين وفقا لذائقة عامة وتترك أولئك المجددين والمبدعين نهبا للفقر والجوع بل والانتحار أيضا، إذ لم يُعترف بالعديد من “أساتذة” الفن الحديث فيدخلون تاريخ الفن العالمي من بوابته العريضة إلا بعد موتهم. من هنا، فإنه بالإضافة إلى عوامل أخرى، فإن فكرة دعم الفنون من قبل الدولة الحديثة للفنانين المتفرغين أو غير المتفرغين لم تعد حاجة ملحة كما في العصور الوسطى إلا في حالات محددة تتمثل بما يدعى “البينالي” أو “السمبوزيوم” حيث يدعى الرسامون والنحاتون لإنجاز أعمال بعينها غالبا ما يكون متفقا عليها مسبقا لأسباب تقنية وأخرى ثقافية، بحيث يتقاضى الفنان أجرا لقاء عمله في حين يعود أمر اقتناء العمل أو بيعه شأنا يخص إدارة “البينالي” أو “السمبوزيوم”. تجارب إماراتية هذه بالتحديد هي الفكرة التي انبنت عليها فكرة برنامج “الفنان المقيم” الذي تدعمه الدولة الحديثة في العالم ومن بينها العديد من الإمارات في الدولة إلا أن هذه التجربة بالنسبة لاستضافة الفنانين والكتّاب والشعراء، هي بالطبع سابقة على ذلك وبأشكال مختلفة من الدعم الذي قدمته الدولة مثلما الجهات الختصة بالثقافة في كل إمارة على حدة. غير أن الملحوظ هنا، أن خبرة الفنان الاماراتي بالمجمل في التعامل مع برنامج “الفنان المقيم” هي سابقة على نشأة هذا البرنامج في الدولة، فقد استفاد العديد من الفنانين الاماراتيين من اتفاقيات التعاون التي عقدتها الدولة أو الحكومات الاتحادية مع دول أجنبية، كان من بينهم الفنان الاماراتي عبد الرحيم سالم الذي أقام في إيطاليا مؤخرا ضمن برنامج “الفنان المقيم” في إطار اتفاقية بين حكومة الشارقة وإحدى المؤسسات الفنية الإيطالية، فيصف التجربة هناك بأنها كانت “مثمرة ومفيدة، إنما ليس لطرف واحد بل للطرفين” أي للفنان وللمؤسسة أيضا. وأضاف: “يذهب الواحد منا إلى هناك كي يستفيد من الاحتكاك بتجارب فنية جديدة وكذلك بالاطلاع على أخرى من غير الممكن رؤيتها إلا في المتاحف أو الجاليريهات، وهذا إيجابي جدا وإثراء للتجربة البصرية الفردية التي يغني المرء ذاكرتها لديها، وهذا أمر شخصي تماما ويتفاوت من فنان إلى آخر”. أما الفنانة ليلى جمعة راشد، المهندسة المعمارية وعضو مجلس إدارة جمعية الامارات للفنون التشكيلية، فترى أن فائدة المشاركة في برنامج “الفنان المقيم” تأتي من زاوية أخرى. تقول الفنانة ليلى: “إنني امرأة عاملة، وما من وقت كافٍ أمنحه للعمل بما يتيح لي إنجازه وفقا لشرط مخيلتي أنا، مثلما هي الحال مع أي فنان متفرغ. إذ غالبا ما أُنتج أعمالي تحت ضغط الوقت وسطوته، غير المشاركة في البرنامج في اسبانيا خلال العام 2009 ونهاية 2011 و2012 أتاحتا لي أن أنجز ما أعتبره الأهم من بين ما أنجزته من أعمال فنية حتى الآن”. وتزيد: “هناك أخذت وقتا كافيا للإنتاج ووقتا آخر فائضا عنه للاطلاع على تجارب أخرى على نحو يشبع الفضول إذ بوسع المرء لا أن يختلط بتجارب فنانين زملاء ويتناقش معهم بل أيضا بوسعه أن يزور أماكن أثرية ومتاحف وأنماط من العمارة التاريخية بحيث إنه من غير الممكن تكرار التجربة مرة أخرى”. وتؤكد ليلى جمعة راشد أن استفادة الفنان تأتي أيضا من طبيعة برنامج الإقامة فكانت هناك ورشة في التصوير الضوئي الذي يدخل في إنتاج أعمال فنية تجهيزية (انستوليشن) أو أي عمل آخر وليس فن التصوير الضوئي المحض، أي العمل على صناعة صورة ذات صلة بموضوع ما أو فكرة ما تدخل في سياق عمل آخر فتكون واحدة من عناصره أي أن تتمرن على أن تتخيل العمل قبل إنتاجه، وهو ما يجعل الصورة تحمل رسالة خاصة للمتلقي مختلفة تماما عما هي عليه بوصفها صورة فوتوغرافية فحسب”. وتشير ليلى جمعة راشد إلى أن هذا الأمر يؤدي إلى التأثر بآلية التفكير في إنتاج العمل وليس التأثر بالعمل نفسه. أي بالثقافة الفنية التي أوصلت صاحبها إلى هذا المنتج الفني وليس المنتج ذاته، حيث كانت هذه الورشة الفريدة تختص بتلك الأعمال الفنية التي تعرض في الأماكن العامة المتاحف وصالات العرض”. عائد مشترك أما الفنان محمد كاظم، الذي لديه خبرة جيدة في برنامج “الفنان المقيم” كان آخرها هذا العام في نيويورك، فأكد أن “هذه التجربة موجودة لدى الكثير من المتاحف وصالات العرض في العالم بل هناك العديد من المؤسسات المعنية بترويج الأعمال الفنية والأنتيكا وبيعها تقيم مثل هذه البرامج”، وقال: “إن أهم ما يمنحه هذا البرنامج للفنان هو الإحساس بالحرية. ثمة ستوديو خاص بالفنان وميزانية إقامة بحيث يعمل الفنان لمدة شهرين أو ستة أشهر من دون ضغط الوقت أو الإدارة عليه لجهة متى يغادر الاستوديو ومتى يعود إليه أو حتى ما هي طبيعة العمل الذي سينجزه غالبا، إذ إن بعض المؤسسات تطلب ذلك. غير أن الفنان هنا هو في عزلته الضرورية بعيدا عن متطلبات الحياة اليومية وضغط الواقع عليه”. وأشار محمد كاظم أيضا إلى أن من الضروري للفنان أن ينتبه للمؤسسة التي تقيم البرنامج ذلك أن بعض المؤسسات لا توفر المستلزمات لذلك ينبغي الانتباه أن تكون مؤسسة معروفة وذات خبرة في المجال أو أن تكون واحدة من الجامعات أو المتاحف واسعة السمعة عالميا، فالأمر ليس مجرد نزهة عابرة”. وقال: “هذا البرنامج كان موجودا سابقا في الامارات وكانت تدعمه مؤسسة الامارات للنفع الاجتماعي لكن المؤسسة أوقفت الدعم وانشغلت ببرامج أخرى، غير أن الفنان الاماراتي لم يستفد منها عندما كانت موجودة، والآن من الممكن تحققها عبر برنامج الفنان المقيم الذي طرحته هيئة دبي للثقافة والفنون (ثقافة) وسواها من المؤسسات الفنية في الدولة” داعيا الفنانين الاماراتيين إلى التقدم للاستفادة من هذا البرنامج الذي يمثل فرصة حقيقية لاكتشاف الآخر واكتشاف الذات”. ويقول أيضا عن زيارته الإيطالية تلك: “كانت إقامتنا في منتجع في منطقة تحيط بها الفنادق وصالات العرض، وعند انتهاء الإقامة بمعرض هو نتاج ما طلبته منا المؤسسة وأنجزناه كانت الحصيلة المالية لهذه المؤسسة تفوق ما أنفقته على الاستضافة، باختصار هذا قانون المؤسسات الربحية في سوق الفن، إذ جعلت من الفن صناعة”. بالمقابل أشار الفنان عبد الرحيم سالم، الذي ترقى تجربته التشكيلية إلى مطالع الثمانينيات من القرن الماضي، إلى أنه ينبغي الاستفادة من الاستضافات والزيارات التي يقوم بها الفنانون العرب والأجانب الكبار، بحيث يكون هناك برنامج واضح باتجاهين، الأول منهما يركز على ورش العمل والدورات الفنية التي تركز على الشباب من الفنانين بحيث يستفيدون من هذه التجربة والاتجاه الأخير يتمثل بإنجاز أعمال فنية. وهنا ليتخيل المرء ما هي الثروة التي سوف تكون لدينا بعد عشرين سنة لو جرى إدخال هذه الأعمال إلى دورة سوق الفن الإقليمية أو العالمية”. غير أن للأمر وجها آخر عندما يكون الفنان زائرا أو مشاركا في إطار يشبه برنامج “الفنان المقيم”، من وجهة نظر الفنان عبد الرحيم سالم، الذي أشار إلى أن البعض من كبار الفنانين العرب كانوا يقيمون لشهرين أو ثلاثة في الدولة ثم يمضمون من دون أن يتركوا وراءهم أي أثر فني ولا حتى ورشة عمل مع فنانين شبان، مؤكدا أنه “خلال السنوات العشرين الماضية لو جمعنا أعمالا فنية من هؤلاء الفنانين لأصبح لدينا الآن ثروة فنية من الممكن إدخالها إلى دورة سوق الفن فضلا على أن من الممكن بدلا من ذلك ادخارها للمستقبل، مؤكدا أنه ينبغي أن تتوقف سياحة الفنانين العرب والأجانب من دون استفادة حقيقية منهم ومن ابداعهم”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©