السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ترميم اللوحات.. حياة بعد الموت

ترميم اللوحات.. حياة بعد الموت
3 سبتمبر 2014 20:15
بدأ الفنان التشكيلي وخبير الترميم المصري أحمد راضي ارتباطه بالبحث في الأعمال الفنية القديمة، والعمل على معالجة مظاهر التلف فيها، من دون التخصص، حيث لم يكن قد ظهرت في مصر دراسات متخصصة في ترميم الأعمال المتحفية. ومن خلال عمله في المركز القومي للفنون التشكيلية استطاع أن يتعرف على أساليب الفنانين المصريين، والأجانب بدراسة أعمالهم بالمتاحف المختلفة، حتى أصبح خبيراً في التعرف على الأعمال الفنية الأصلية من المقلدة وتنسيبها إلى أي فنان في حالة أن تكون غير موقعة، كما اكتسب خبرة كبيرة في مجال الترميم، خاصة في اللوحات الزيتية، والتي تمكن في إحدى المرات من نزع طبقة اللون من على قماش اللوحة ونقله إلى قماش آخر غير تالف، وهي طريقة لم تنفذ في مصر من قبل. يُذكر أن راضي قد بدأ دراسته الأكاديمية في كلية الفنون الجميلة في قسم الديكور، والذي لم يزاوله في حياته إلا نادراً، وأثناء عمله بمركز الفنون تعامل وتدرب على أيدي المرممين الفرنسيين أثناء فحص أعمال متحف محمود خليل وحرمه قبل سفرها للعرض في متحف الأورساي بفرنسا، ثم سافر إلى إسبانيا ليتجول بين متاحفها ويتعرف على أحدث طرق الترميم هناك، وعاد ليرمم أهم متاحف الفن في مصر، خاصة متحف الجزيرة أو "لوفر الشرق" كما يسميه المتخصصون ومتحف محمود خليل وحرمه. تقنيات الترميم يقول راضي: إذا أردنا التحدث عن فن الترميم بشكل عام، قد لا نستطيع حصر هذه العملية المعقدة في أسطر محدودة، ولكننا نستطيع القول بأن العملية الترميمية متعددة الأفرع والتخصصات، فهناك ترميم العمارة بمختلف أنواعها من معابد وكنائس وجوامع، وعمارة حديثة، وهناك ترميم المنقولات بالمتاحف المختلفة، من تماثيل وأثاث وتحف صغيرة مختلفة الأحجام والأشكال، وكذلك اللوحات التي تعد تراثاً في غاية الأهمية لما تحمله من رسائل مسجلة تصويريا، خاصة الزيتية منها، فكان لزاماً إنشاء مراكز للصيانة والترميم للحفاظ على هذه اللوحات لسنوات طويلة، وتلك المراكز لابد وأن تحوي بين جنباتها العديد من المتخصصين في جميع الأفرع. فعلى سبيل المثال هناك من هو متخصص بتقوية مسطح التصوير وآخر بتقوية اللوحة، وثالث متخصص في تنظيف الورنيشات القديمة، وغير ذلك. وهناك فرق بين الترميم والتقوية والعلاج، فهذه عملية متكاملة ومعروفة عالمياً، إلا أن هناك بعض الفروقات التي يضعها المرمم طبقاً لظروف المتحف المحيطة، والمناخ العام للمنطقة، حيث يختلف مناخ بلاد شمال أوروبا تماماً عن مناخ دول البحر المتوسط في الجنوب، كما يختلف كثيراً عن المناخ في مصر، لذلك على المُرمم مراعاة تلك الظروف من حرارة ورطوبة نسبية وتلوث أثناء عملية الترميم واختيار نسب المركبات العضوية، والخامات الأخرى التي تدخل في العملية الترميمية". ويوضح راضي أن عوامل التلف التي تصيب الأعمال الفنية وخاصة اللوحات الزيتية، هي عوامل متعددة، منها الطبيعية والبشرية، "والأولى تتمثل في التلوث الجوي وما يحمله من غازات حمضية وعوادم وأبخرة وأكاسيد معدنية، وجفاف وحرارة ورطوبة، وإصابات حشرية وفطرية، وكذلك الضعف من عوامل الزمن، أما العوامل البشرية فتنشأ إما عن طريق سوء التخزين أو الاعتداء المباشر على العمل الفني بآلة حادة أوغيرها أو الترميم الخاطئ". كشف التزوير وعن التعرف على اللوحة المزورة سواء باستخدام الأجهزة أو بدونها، وكيفية خداع الأجهزة خاصة بعد أن أصبحت هناك ورش تقنية على مستوى عالٍ في مناطق مختلفة من العالم تخصصت في تزوير الأعمال الفنية وخاصة اللوحات الزيتية قال راضي: "هذا السؤال يعيد إلينا ما تم نشره في العام 2002 تحت عنوان "براءة اختراع تمنع سرقة اللوحات التاريخية. . الطريقة الجديدة للكشف عن اللوحة سهلة التطبيق وقابلة التكاليف وتحمي تراثنا القومي"، وقد تضمن ما نُشر حواراً مع الدكتور مصطفى عطيه المدرس بكلية الآثار في جامعة القاهرة صاحب تلك البراءة، والذي ذكر أن طرق الكشف القديمة لم تكن كافية في كشف تزوير اللوحات في اعتمادها على وجوب إعطاء اللوحة ختماً خاصاً عن طريق الأشعة غير المرئية وفوق البنفسجية يتم وضعها في أي جزء من اللوحة سواء من الخلف أو من الأمام ثم تُسافر اللوحة للخارج، وبعد العودة يتم الكشف عنها مرة أخرى للتأكد من هذه البصمة، وهذا المتبع في قطاع الفنون التشكيلية، وقد أفاد بأنهم في الخارج قد ابتكروا أشعة تكشف عن مكان هذه البصمة وبالتالي يتم استبدال اللوحة ووضع البصمة في نفس مكانها". ويتابع راضي: "ورداً على هذه النقطة التي جانبها الصواب نوضح أن قطاع الفنون التشكيلية يقوم منذ العام 1990 بعمل بصمة علمية سرية للوحات الفنية، سواء زيتية على حوامل مختلفة الخامة أو لوحات ورقية بإختلاف الخامات المستخدمة في الرسم أو لوحات جدارية، والأعمال النحتية، سواء البارز منها أو الغائر أو الميداني، بمختلف أنواعها أو مشغولات معدنية، أو أحجار أو منسوجات أو أعمال خشبية أو زجاجية". ويضيف: "إن العمل في أخذ البصمة يعتمد على تحليل سبكتروسكوبي للألوان والخامات المستخدمة في العمل الفني بواسطة الأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسيجية دون أخذ عينة من العمل الفني، وذلك على عدة نقاط تُحدد بوضوح ودقة على العمل دون وجود أية أشارة دالة على هذا المكان في العمل نفسه، بل تحدد الأماكن بطريقة خارجية، لا تترك أي أثر مهما تم الفحص بالأشعة غير المرئية، ولا يمكن الرجوع لهذه النقاط التي تم تحديدها على العمل الفني إلا باستخدام المفتاح السري الذي يُحفظ في مكان آمن، ولا يعرفه إلا من قام بذلك العمل نفسه". "زهرة الخشخاش" وينفي خبير الترميم أحمد راضي الزعم بأن لوحة "زهرة الخشخاش" لفان جوخ من مقتنيات متحف محمود خليل وحرمه، والتي سُرقت للمرة الثانية العام 2010 ولم يتم العثور عليها بعد، بأنها ليست أصلية وأن اللوحة الأصلية تم بيعها في مزاد بلندن بسعر 43 مليون دولار، موضحا أنه عند إستعادة لوحة "زهرة الخشخاش" حينما سُرقت العام 1979 تم استلامها عن طريق لجنة مكونة من مجموعة من الفنانين على رأسهم الفنانان الراحلان صلاح طاهر وحسين بيكار، وشارك بنفسه مع أستاذ الترميم الراحل الدكتور صالح أحمد صالح، وتمت مضاهاتها بصورة ضوئية موجودة بكتالوج متحف محمد محمود خليل يرجع تاريخه إلى العام 1938، ومن خلال هذه المضاهاة تم التأكد من تطابق لمسات الفرشاة في الصورة والأصل، وبالتالي تم التأكد من أصلية اللوحة بالإضافة إلى شواهد كثيرة يعرفها الخبراء منها طبيعة طبقات اللون، ثم تم فحص اللوحة مرة أخرى عن طريق عدد من الخبراء المصريين والفرنسيين العام 1988، وذلك في مناسبة إقامة معرض "منسيو القاهرة " في باريس، وعليه تم توثيق اللوحة في الصفحة 25 من كتالوج المعرض المطبوع بفرنسا، مما يؤكد للمرة الثانية أصلية اللوحة وصحة الفحص الأول. ويشير راضي إلى أن الأعمال التي تعرضت لتدمير شامل يصعب معه الوصول إلى حقيقة مكونها الفني، لا يمكن ترميمها، خاصة إذا لم يكن لها مرجع توثيقي يمكن الرجوع إليه، وأن الأعمال الفنية شديدة التلف، والتي قام المرمم بالكثير من الإضافات عليها هي أصلية بالفعل، ولكن قيمتها المادية تقل، ومن ناحية أخرى هي ذات قيمة علمية بالنسبة للباحثين، والدارسين. تحت يديه وعن أهم الأعمال التي قام بترميمها قال راضي: لقد قمت بأعمال ترميم بالمسرح القومي ذي الطراز الإسلامي، مع الاستعانة بفريق عمل متخصص كل في مجاله، ومن خلال الإشراف والمشاركة قمت بترميم لوحات قصر عابدين، والقصور الرئاسية الأخرى، وترميم التماثيل والبوابة التاريخية بحديقة أنطونيادس، وترميم مقتنيات محكمة استئناف الأسكندرية "الحقانية"، وتمثال نهضة مصر للفنان محمود مختار، ومجموعة لوحات من أعمال المستشرقين المهداة إلى نادي الدبلوماسيين(نادي محمد على سابقاً)، بالإضافة إلى ترميم لوحة ضخمة لمحمد على باشا، ولوحات أخرى للسلطان حسين، والملكين فؤاد وفاروق، وبعض أفراد العائلة المالكة بالمتحف الزراعي، كما أشرفت على ورشة العمل المصرية الفرنسية لترميم بعض مقتنيات متحف محمود خليل، ومتحف الجزيرة من لوحات لمشاهير الفن العالمي أمثال: جوجان، فان جوخ، مونيه، مانيه، رينوار، بيسارو، وريبو. . . وترميم أكبر مجموعة من لوحات المستشرقين من مقتنيات متحف الجزيرة التي تم عرضها عند افتتاح قصر الفنون بدار الأوبرا. واقترح راضي إقامة ورش ومخازن أرضية في متحف الفن المصري الحديث لحل مشاكل لم تحل حتى الآن، موضحاً أن إقتراحه جاء لما في مبنى المتحف نفسه من عدم إمكانية الحركة الإنشائية به إلا في اتجاه وحيد، هو أسفل العرض المكشوف أمام المدخل، مع ربطها بالمتحف من الداخل ثم إعادة العرض النحتي مرة أخرى. ويشير إلى أن المكان الجيد للتخزين يشترط فيه التهوية وضبط الرطوبة النسبية في الجو المحيط ما بين 55 إلى 60 درجة، وكذلك درجات الحرارة عند 22 + أو – 1 درجة، مع استخدام الإضاءة الباردة والمنزوعة الأشعة فوق البنفسجية، وأرفف مجهزة للفازات والتماثيل، وقواطيع متحركة للوحات، ونظام إنذار مبكر، ونظام إطفاء بإستخدام مواد لا تضر بالأعمال الفنية، وأبواب مصفحة وشبابيك مؤمنة، إضافة إلى عزل الحوائط خاصة الملاصق منها لدورات المياه لمنع أي تسرب من رطوبة أو مياه، مع تزويد المخزن بنظام شفط مكنسة مركزية مزود بأجهزة ألترا سونيك لطرد الفئران، وأبواب خارجية لدخول وخروج الأعمال الفنية حتى لا تمر من قاعات المتحف، مع ربط المخزن بالدائرة التليفزيونية للمتحف، بالإضافة إلى وضع نظام إداري يُسهل التعرف على كل مقتنى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©