الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقام القلب

22 أكتوبر 2006 00:55
عصابة لسرقة··· الفرح تسألني أميرة في رسالة إلكترونية، أو لعلها تسائل نفسها: كيف يمكن أن أفرح في العيد؟ وتصادر أميرة، وهي قارئة دائمة لـ ''دنيا''، فرصتي للإجابة عن سؤالها الصعب، بأن تتولى هي التعليق على إجابة مفترضة مني· تقول: سوف تنصحني بأن أبحث عن الفرح إذا لم يجد طريقه إليّ، وبأننا سوف نجد ما يمنحنا الحبور في أشياء كثيرة حولنا، وأن المهم أن نعوّد عيوننا على التقاط التماعات الجمال وسط مشاهد البشاعة، أي بمعنى آخر ان نعود إلى تلك الحكمة القديمة التي تدعونا إلى رؤية نصف الكوب الملآن وليس نصفه الفارغ· أعترف بأنني لو حصلت على فرصة للكلام ـ أو للكتابة ـ ردا على سؤال أميرة، لما قلت غير ما ''قوّلتني'' إياه، ومع ذلك فإن القارئة / الكاتبة تستمر في مناقشتي في ما لم يتسنى لي قوله: نعم، يا سيدي، سوف أنفّذ النصيحة· سوف أتزوّد بكل التقنيات الحديثة لتوسيع وتحسين مجالات الرؤية في هذا المدى العربي· سوف أصعد إلى أعلى نقطة تتيح لي التقاط التماعات الجمال· فماذا تراني التقط، وبماذا أفرح؟ هل أفرح، بناء على نظرية نصف الكوب الملآن، بأن عدد قتلانا، بسبب كل أنواع الحروب فوق أرضنا، قد بلغ خلال سنوات قليلة مئات الآلاف ولم يصل إلى الملايين بعد؟ هل أفرح لأن عدد الجثث المجهولة التي يلتقطونها من هنا وهناك لا يتجاوز العشرات يوميا؟ هل أفرح لأن هدى غالية ابنة السنوات العشر قد نجت وحدها من مجزرة ذهبت بأبيها وأخوتها على شاطئ غزة؟ هذه هي مصادر البهجة وبواعث المسرّات فوق أرضنا الفوارة بالدم، فنحن أين ولّينا أبصارنا نشاهد مجزرة ناجزة أو مشروع مجزرة· وتتابع القارئة الغاضبة نزفها، فتقول: فلنتجاوز حديث المجازر، لأن مواجعه أكبر من طاقتنا على الاحتمال· فلننظر إلى هذه الجموع من حولنا، أولئك الحالمين بكسرة خبز أو برغيف حرية، أولئك الطامحين بفرصة إلى الهجرة، أو الطامعين بفرصة بقاء··· هذه الجموع التي تعيش على تخوم الجهل والبطالة والمرض والفقر والمحسوبية والاستغلال والتلوث، هل تملك فضول السؤال عن الفرح أو إشعال شمعة لإنارة دروبها الضيقة إليه؟ وتستمر أميرة في سباقها مع الكلمات والأفكار: قرأت مرة أن أحد التعبيرات عن الفرح هو الضحك، وأن أجمله هو الذي يكون بلا سبب على عكس القاعدة التعليمية الأثيرة بأن الضحك بلا سبب قلة أدب· وأن الضحك يرفع من قيمة الحياة والروح المعنوية ويجعلك تحب كل شيء من حولك، ويعطيك الشعور بالراحة والاسترخاء، كما أنه يقلل من الضغوط والعنف والغضب، وبأنه علاج وقائي يمنع من الإصابة بالعديد من الأمراض العضوية والنفسية· عظيم· أنظر حولك، في المنزل أو في العمل أو في الشارع أو في الدكان، فكم هي نسبة الذين يضحكون؟ ولماذا يضحكون؟ وهل يضحكون تعبيرا عن فرح أم هو ضحك كالبكا؟ قرأت أيضا، إن الفرح والكآبة هما سمتان اختص بهما الله سبحانه وتعالى البشر والثدييات بفصائلها المختلفة· وإن التجارب المخبرية مكنت العلماء من اكتشاف بواعث ومظاهر الفرح والكآبة عند الثدييات، لكن الأبحاث العلمية لم تتوصل بعد إلى معرفة جينات الحبور والحزن عند الإنسان· من المؤكد أن العلماء لم يجروا أبحاثهم على الإنسان العربي، فلو فعلوا لكانت مهمتهم أسهل، فمن الواضح أن جينات العربي طحنت من أسى، وعجنت من فجيعة، وخبزت على نار الوجع· وتعود أميرة في رسالتها إلى محاولة وضع كلام على لساني: ستقول إنني سوداوية، وبأنني أغرق مع أفكاري في تنظير لا طائل منه· وبالفعل فقد حسبت أنني كذلك، وسألت نفسي: لماذا لا نخترع فرحنا المفقود؟ لماذا لا نصنعه؟ فرح صناعي يعني· فليكن، أليست حياتنا المعاصرة أصبحت مصنوعة من معادلات كيميائية وفيزيائية وفذلكات تكنولوجية؟ طيّب، فلنطلب ضالتنا عند صانعي قفشات الفرح والمرح والضحك، عند الكوميديين يعني· أذكر أنني شاهدت في الماضي مسرحيات عادل إمام ودريد لحام وزياد الرحباني وإني ضحكت يومها حتى سالت دموعي، فهل هذا ما نحتاجه اليوم، كوميديا تبكينا أو تضحكنا أو تضحك علينا؟ تراودني فكرة منذ أيام، تتابع أميرة، بأن الفرح يؤخذ غلابا، كما الدنيا عند أم كلثوم· فلماذا لا نستخلصه من براثن المحتكرين، أو نقتنصه من بين أيدي الذين صادروه عنوة؟ أعرف أن السرقة حرام، لكن حدّ السرقة لا يقام على من يسرق كتابا طلبا للعلم، والأمر كذلك بالنسبة لمن يسرق الفرح· فلماذا لا نسرق ما تحتاجه جسومنا والأرواح من فرح وحبور؟ لماذا لا نؤلف عصابات تسطو على بنوك الفرح وسيكون أجرها محفوظ؟ وتعطيني أميرة فرصة أخيرة للكلام بتوجيه سؤال محدد إليّ: هل تعرف فرعا لمصرف فرح تسهل سرقته والنفاذ من أيدي حراس الكآبة؟ لأميرة أقول: لا أعرف هذا النوع من المصارف، ولكن أرجو أن تقبليني عضوا في عصابتك··· عادل علـي adelk85@hotmail.com
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©