الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طريق الرخاء الهندي لا يمر عبر المدن

14 أغسطس 2013 23:49
يشير زعماء الهند في أغلب الأحوال إلى ضرورة نقل غالبية سكان بلادهم –تقريباً 70 في المئة- من المناطق الريفية إلى الحضر. وزعم رئيس الوزراء مانموهان سينج أن «نجاتنا تكمن في انتقال الناس من الزراعة». ويؤكد وزير المالية «بي. تشيدامبارام» ذلك بالقول: «يتعين نقل 85 في المئة من الهند إلى المدن». ويزعم دعاة حركة التحضر المخلصون أن التاريخ يؤيد وجهة نظرهم: فالانتقال إلى الصناعة والتصنيع في الحضر هو ما جعل أوروبا والولايات المتحدة، وفي وقت لاحق الصين تعزز إنتاجيتها وتخلق رأسمالاً لاستثمارات أوسع لتحديث اقتصادها. هل تستطيع الهند أن تتبنى اليوم هذه الوصفة للرخاء؟ فمن ناحية، فالمدن الهندية ليس لديها البنية التحتية لاستيعاب المزيد من المهاجرين من الريف أكثر مما لديها بالفعل. وهي حقيقة تنعكس في مستويات التلوث فيها وانقطاع التيار الكهربائي والظروف غير الصحية والاضطراب الاجتماعي ومعدلات الجريمة. فالقيود على البنية التحتية وعدم الكفاءة السياسية والفساد، يجعل من غير المرجح أن تستطيع الهند محاكاة حركة التحضر المخططة في الصين وبناء مدن جديدة تماماً لإيواء المهاجرين. وينتقل ملايين الهنود بالفعل من عمل مؤقت إلى عمل آخر، هاجرين قطاع الزراعة المثقل بالأزمات، وقد ينقلون إلى قرى أخرى. وأثناء إقامتي لفترة من الوقت بقرية في هيماتشال براديش، لفت انتباهي حضور مهاجرين من أفقر أنحاء المناطق الريفية في الهند. وعلى مدار السنوات العشر الماضية، استقروا بشكل مؤقت بالقرب من مواقع البناء على امتداد الوادي، مساهمين في ازدهار الإنشاءات في الهند التي أدت إلى حد كبير إلى انتشار مجمعات سكانية وجامعات خاصة وسدود وأنفاق عبر التلال الخضراء، حتى في هذا الجزء من الهملايا الزراعي وغير الصناعي. ويصل العمال وهم يحملون كل علامات العوز المنتشر بشكل محزن في السهول، حيث تقلص ملكيات قطع الأرض الصغيرة غير المنتجة والافتقار إلى الري فرص المرء بشدة: فهم حفاة عليهم أسمال، وأطفالهم بشعرهم الذي في لون صدأ الحديد يبدو عليهم بالفعل علامات سوء التغذية المزمن الذي جعل من آبائهم صغار الحجم ونحافاً. ومع مرور الأعوام، شاهدت تحسناً في أوضاعهم المادية، وبدأت الأجور التي يبقيها أصحاب العمل الأثرياء عند مستويات خاصة ترتفع بعد أن أدخلت الحكومة برنامجها لضمان التوظيف عام 2006. واستطاع المهاجرون إرسال أطفال إلى مدارس محلية تديرها الدولة، وهي أفضل في «هيماتشال» عن معظم الولايات الأخرى في الهند، وصحتهم تحسنت فيما يبدو. السؤال الآن هو: إلى أين يذهب العمال المهاجرون ثانية؟ أي محاولة للإجابة يتعين أن تقر بسرعة أن المسار الاقتصادي الهندي لا يتبع خريطة أوروبا ولا الصين في التنمية. الصين، على سبيل المثال، لديها قطاع صناعي مزدهر يستطيع استيعاب عشرات الملايين من الأشخاص- في أكبر خطوة من نوعها في التاريخ- لتترك الاقتصاد الزراعي. حتى الصين تواجه مشاكل في خلق ما يكفي من فرص العمل لمئات الملايين الذين يأمل زعماؤها في انتقالهم إلى المناطق الحضرية. قاد النمو في الهند قطاع الخدمات الذي يمثل 50 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. والناتج الصناعي الذي يمثل 28 في المئة من الناتج المحلي لم يتزحزح تقريبا منذ عام 1989 عندما كان يمثل 25 في المئة. ورغم النمو الكبير في إجمالي الناتج المحلي في السنوات القليلة الماضية، تقلصت الوظائف فعليا في قطاع الصناعة مع توافر وظائف أقل لأكثر من 12 مليون هندي يدخلون قوة العمل سنويا. تُخلق الوظائف إلى حد كبير في القطاع غير الرسمي الشاسع بالفعل، فيعمل أكثر من 90 في المئة من العمالة في الهند في أعمال تتراوح في نطاق ضيق بين جمع القمامة وورش العمل. إنهم يساهمون في إجمالي الناتج المحلي للبلاد لكن الظروف المتردية لمعظم العمال في القطاع «غير الرسمي» يجعل الانتقال من المناطق الريفية إلى الحضرية أقل بكثير من التحول المرغوب فيه والمستدام عما يبدو عليه الأمر. رأيت شبانا كثيرين في قريتي يعودون من هذه الوظائف في المدن، مقتنعين بأنهم أفضل حالاً في ديارهم، حيث يزرعون قطعة أرض صغيرة يمتلكونها ويقومون بأعمال صغيرة إلى جانب هذا. وإحصائياً هم أقرب إلى خط الفقر وليسوا فوقه، لكنهم يتمتعون على الأقل برفاهية المياه والهواء الأنظف، وسهولة في التواصل مع أسرهم وأصدقائهم. ربما حان الوقت للاعتراف بأن خطة الصفوة الهندية لإعادة إنتاج التتابع الأوروبي في التحديث- من الريف إلى الحضر ومن الزراعة إلى الصناعة والخدمات- هي أضغاث أحلام. ولا أحد، بخلاف عدد قليل من أصحاب التفكير العتيق، يعتقد جدياً أن النمو في الخدمات سيكون كافياً دوماً لتحويل 1.2 مليار شخص إلى مستهلكين ميسوري الحال في الحضر ورغم أن لجنة التخطيط الهندية تصر على أن التصنيع هو محرك النمو الاقتصادي في الهند، فربما ضيعت البلاد فرصة خلق صناعات تستوعب عمالة مكثفة يمكنها أن تمتص قوة العمل الكبيرة وتعزز الإنتاجية. من المهم أن يعترف الزعماء الهنود– لا أن ينكروا–حقيقة أنهم يعيشون على أراضي صغار المزارعين، وأن يبدؤوا في معالجة مشكلاتهم الأساسية من الجوع وسوء التغذية، عبر المزيد من الزراعة المتنوعة والمنتجة. ومن خلال هذا النهج الذي يبدأ من القاع إلى أعلى ستعزز الحكومة استثماراتها في الري والاستخدام الرشيد للمياه. بانكاج ميشرا كاتب متخصص في الشؤون الهندية ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©