الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ماركس ومهزلة التاريخ

14 أغسطس 2013 23:49
قال كارل ماركس إن التاريخ يكرر نفسه، في البداية كمأساة، ثم كمهزلة. وكان يقصد بذلك ثورة 1848، عندما تحولت انتفاضة ديمقراطية ضد الملكية في فرنسا إلى ديكتاتورية بونابرتية تماما على غرار الثورة الفرنسية قبل ستة عقود على ذلك. ففي 1848، انضم العمال إلى الليبراليين في ثورة ديمقراطية للإطاحة بالملكية الفرنسية. غير أنه بمجرد انهيار النظام القديم تقريبا، انهارت المعارضة وتفككت بعد أن شعر الليبراليون بالقلق على نحو متزايد إزاء ما اعتبروه مطالب «راديكالية» للطبقة العاملة. وتمكن المحافظون من استقطاب الليبراليين الخائفين وإعادة تنصيب أشكال جديدة من الديكتاتورية. والواقع أن تلك الأنماط نفسها هي التي بتنا نشاهدها اليوم في مصر – حيث يلعب الليبراليون وغير الديمقراطيين دورهم، بينما يلعب الإسلاميون دور الاشتراكيين. فمرة أخرى، فشلت حركة جماعية قليلة الخبرة والصبر بعد وصولها إلى السلطة. ومرة أخرى، شعر الليبراليون بالخوف من التغييرات التي يريد شركاؤهم السابقون تبنيها وأخذوا يعودون إلى النظام القديم طلباً للحماية. وعلى غرار ما حدث في 1848، فإن السلطويين كانوا سعداء باستعادة زمام السلطة. والواقع أنها ينبغي ألا تشكل مفاجأة كون الليبراليين المصريين ناشدوا الجيش القيام بانقلاب لإنهاء أول تجربة ديمقراطية للبلاد بعد عامين فقط على تحالفهم مع الإسلاميين من أجل خلع نظام سلطوي، وذلك لأن الليبراليين والديمقراطيين كثيرا ما لا يتفقون، خلال المراحل الأولى من التطور السياسي لبلد ما، على أي شيء غير الرغبة في التخلص من النظام القديم. والحال أن إقامة نظام ديمقراطي هي عملية من مرحلتين: التخلص من النظام القديم، ثم بناء بديل ديمقراطي دائم. ولأن المرحلة الأولى دراماتيكية، فإن الكثير من الناس يعتقدون أن اللعبة تنتهي عندما يرحل الديكتاتور. غير أن المرحلة الثانية أصعب وأشد، وهناك أمثلة كثيرة على تحالفات واسعة تشكلت لخلع حكام مستبدين، ولكن قلة قليلة منها فقط بقيت متماسكة ومتلاحمة، وأفلحت في الاتفاق حول الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه النظام الجديد، وذلك لأن حركات المعارضة تميل عادة إلى فقدان قوتها وزخمها، فتسقط فريسة الصراعات الداخلية وقوى النظام القديم التي تعود للظهور من جديد. عام 1848، «ربيع الشعوب» الأصلي، كان هو المرة الأولى التي ظهرت فيها حركة عمالية منظمة على المشهد السياسي، حركة أخافت مطالبُها الليبراليين. ذلك أن الطبقة الوسطى كانت ترغب في تحرير الاقتصاد في حين كان الكثير من العمال يطالبون بتغيير اقتصادي واجتماعي أكثر راديكالية. كما كان الليبراليون يفضلون انفتاحا محدودا للنظام السياسي، في حين كانت المنظمات العمالية ترغب في عملية ديمقراطية كاملة وفي السلطة التي ترافقها. والواقع أن هذا هو ما يحدث تقريبا في مصر اليوم. ذلك أن سنوات من الحكم السلطوي كانت تعني تعرض المؤسسات السياسية والاجتماعية التي تسمح بالتعبير السلمي عن المعارضة الشعبية للقمع على نحو ممنهج. كما كانت الدولة تعمل على تعميق الانقسامات الاجتماعية على نحو متعمد. وتبعا لذلك، فعندما جاءت العملية الديمقراطية، انفجرت مشاعر الارتياب والعداء وتحولت إلى خطاب متطرف واحتجاجات جماعية وأعمال عنف. وكلها أشياء تخيف الليبراليين دائما، الذين يفضلون النظام والاعتدال ويكرهون التجارب الاجتماعية الراديكالية. وقد حصل هذا في أوروبا في 1789 و1848، وينسحب على الليبراليين المصريين اليوم. ولكن المشكلة هي كيف يرد الليبراليون على مثل هذه المخاوف. فخلال عملية التحول إلى الديمقراطية التي وقعت أواخر القرن العشرين في جنوب وشرق أوروبا، لم يكن التطرف والدين عاملين رئيسيين. ولذلك، استطاعت مجموعات مختلفة الاتفاق حول قواعد اللعبة. كما أنها لم تكن أول محاولة لتبني الديمقراطية في معظم البلدان الأوروبية؛ والاتحاد الأوروبي كان موجودا لتقديم يد المساعدة. أما في مصر وأجزاء أخرى من العالم العربي، فإن تهديد التطرف يخيف الليبراليين. وبالنظر إلى سنوات من الحكم السلطوي، فإنه لا توجد ثقافة توافق، مثلما لا يوجد جار ديمقراطي قوي لتوجيهها وإرشادها. إن ليبراليي مصر اليوم يقومون بتكرار الأخطاء التي ارتُكبت في أوروبا بالأمس. ذلك أنهم، من جديد، ينظرون إلى خصومهم كمتعصبين مصممين على إلغاء كل ما يقدِّره الليبراليون ويثمنونه. ولكن تماما مثلما أنه لم يكن كل الاشتراكيين موالين لستالين، فإن ليس كل الإسلاميين يرغبون في إقامة نظام حكم ديني. بعد قرن من الزمن على 1848، قام الديمقراطيون الاجتماعيون، والليبراليون، وحتى المحافظون المعتدلون، أخيرا بخلق أنظمة ديمقراطية قوية ومتينة عبر أوروبا الغربية - وهي نتيجة كان يمكن وكان ينبغي أن تحدث قبل ذلك التاريخ وبعنف أقل. واليوم، يجدر بالليبراليين في الشرق الأوسط أن يتعلموا من تاريخ أوروبا المضطرب بدلا من تكراره على نحو أعمى. ‎شيري برمان أستاذة العلوم السياسية بجامعة كولومبيا الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©