السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العقل دعامة للوسطية في الفكر الإسلامي

18 أغسطس 2011 22:14
إن الوسطية باعتبارها مطلباً فطرياً يرجع إلى طبيعة الإنسان التي خلقها الله وأحسن تصويرها كما قال سبحانه في كتابه العزيز:(الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)"الانفطار". وللعقل دور بارز في بناء ركائز الوسطية، فأين يتجلى هذا الدور؟ فهي إلى جانب ذلك سمة العقلاء وموضوع فكرهم وتفلسفهم، لأنها فضيلة، والفضائل من الأمور البديهية عندهم، يسلم بها كل ذي عقل راجح حصيف، فهم يقرون بالاعتدال كمبدأ خلقي واجتماعي في تحقيق المطالب وفي إعطاء كل ذي حق حقه، لأن التوسط حالة محمودة تقوم في العقل الإنساني السليم بالفطرة، وتعصمه من الميل إلى جانبي الإفراط والتفريط، لذلك كان معيار الاعتدال العقل والشرع. فالفكر الإسلامي يعتبر العقل دعامة منطقية لمبدأ الوسطية؛ لأن العقل الراشد يميل إلى كل ما هو حسن بالقوة، وهي عين الحكمة التي يعرفها التفتزاني بقوله: معرفة الحقائق على ما هي عليه بقدر الاستطاعة، وهي العلم النافع المعبر عنه بمعرفة النفس ما لها وما عليها المشار إليه بقوله تعالى: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)، وإفراطها الجربزة، وهي استعمال الفكر فيما لا ينبغي كالمتشابهات وعلى وجه لا ينبغي كمخالفة الشرائع، وتفريطها الغباوة التي هي تعطيل القوة الفكرية بالإرادة والوقوف عن اكتساب العلوم النافعة (التلويح بحاشية التوضيح: 2/105). جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: مَا اكْتَسَبَ رَجُلٌ مَا اكْتَسَبَ مِثْلَ فَضْلِ عَقْلٍ يَهْدِي صَاحِبَهُ إِلَى هُدًى وَيَرُدُّهُ عَنْ ردى وَمَا تَمَّ إِيمَانُ عَبْدٍ، وَلاَ اسْتَقَامَ دِينُهُ حَتَّى يَكْمُلَ عَقْلُهُ (مسند الحارث)، وقال أيضاً: لِكُلِّ شَيْءٍ دِعَامَةٌ وَدِعَامَةُ الْمُؤْمِنِ عَقْلُهُ فَبِقَدْرِ عَقْلِهِ تَكُونُ عُبَادَةُ رَبِّهِ أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ الْفَاجِرِ عِنْدَ نَدَامَتِهِ: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (بغية الباحث). إذا كانت الوسطية تتأسس أركانها على الدين والعقل والفطرة، فهل لها من ضوابط تتقيد بها؟ إن الشائع عند بعض الدعاة إلى الوسطية أو الرافضين لها، أن هذه القيمة مدخل إلى التحلل من كل ضابط خلقي أو حكم شرعي، والواقع أن الأمر على خلاف ذلك، لأن للوسطية ضوابط يجب مراعاته في الأخذ بها. لذلك يراعى في العمل بقاعدة الوسطية الضوابط التالية: الضابط الأول: أن يكون المرء عالماً بطبيعة الوسط حتى يمكنه أن يرد الطرفين إليه، مثال الربح والخسارة، فإنهما في باب المعاملات طرفان أحدهما زيادة والآخر نقصان، فإذا أخذ أقل مما يجب صار إلى جانب النقصان، وإن أخذ أكثر مما يجب كان خارجا إلى جانب الزيادة. (تهذيب الأخلاق: 43). الضابط الثاني: أن يكون الأمر المتوسط فيه غير منصوص عليه بالمنقول الصحيح أو بالعقل الصريح، لأن الشرع يقضي بالاحتكام بالنص بلا التفات إلى قضية التوسط، كالأحكام المتعلقة بالأعداد، بحيث لا تقبل الزيادة ولا النقصان مثل إثبات الزنا بأربعة شهود عدول، والكفارات، ومقادير الزكاة، وعدد الصلوات وركعاتها. الضابط الثالث: ألا يعارض ما علم من الدين بالضرورة وقيمه الثابتة، وأن لا يصدم مع أصل من أصول الدين أو كلي من كلياته، بحيث لا يدخل تعديلا عليه أو يجر مفسدة عظيمة درأها الشارع الحكيم، ولا يناقض روح الإسلام ومبادئه العامة بشكل من الأشكال. المستثنيات: يجوز في معالجة بعض الحالات المصلحية الميل إلى جانب الإفراط والتفريط وحمل الناس على الأشد: - تغليب الإفراط تحقيقاً لمصلحة مقصودة شرعاً: فالتوسط في الدين هو الأصل، والميل إلى أحد جانبي الزيادة أو النقص في حكم تشريعي إن وجد فهو حالة استثنائية اقتضتها الضرورة أو الحاجة، لها أسبابها وتزول بزوال تلك الأسباب. - تغليب الإفراط على التوسط سداً للذريعة: ربما عدل الشارع عن جانب التوسط أحياناً إلى شيء من الإفراط لمداواة شيء من التفريط، أو إلى شيء من التفريط لمداواة شيء من الإفراط، ليس اندفاعاً وراء الهوى والتشهي وإنما عن حكمة بالغة (الموافقات: 3/167). وهذه حالات خاصة في الشريعة لا ينبغي أن نجعل منها أصولاً كما فهم بعض الناس الذين حملوا النفس على الأشد، ولا أن نجعل منه مبدأ عاماً، بل هو محض استثناء من التوسط، مثلما جاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من مانعي الزكاة نصف ماله، وبمثله قضى عمر في الطلاق الثلاث المقترن باللفظ الواحد طلقة واحدة. فإذا أصيب الإنسان بشيء من الانحراف قابله الشرع في معالجته على مقتضى انحرافه في الجانب الآخر ليرجع إلى الاعتدال وهو المزاج الأصلي، وهو غاية الرفق والإحسان والإنعام، وبهذا المنهج التربوي عالج به القرآن الكريم سلوك المنحرفين. د. سالم بن نصيرة تكريم النفس الدين الإسلامي يتميز بتكريمه للنفس البشرية العاقلة، وذلك باعترافه بالعقل وتقديسه له، والعقل المقصود هنا هو عقل الإنسان بطبعه الحالي، ومن هنا كان الإسلام معظماً للعقل حافظاً له قدره باعتباره منفذاً للإرادة الإلهية محققاً لقصد الله من تشريعه.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©