الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بدوية شاهين أقامت سبيل رقية دودو ترحماً على ابنتها

بدوية شاهين أقامت سبيل رقية دودو ترحماً على ابنتها
18 أغسطس 2011 22:19
يقع هذا الأثر في شارع سوق السلاح على مقربة من ميدان القلعة بالقاهرة، وكما دار الزمان دورته بالشارع، وبات مهملاً خرباً، بعدما كان متجر أسلحة المماليك ومقصد الأمراء والجند للسكنى في بيوته، تبدلت أيضاً حالة سبيل وكُتاب “رقية دودو” فأصبح طللاً تحاصره أسوار من الحديد والأسلاك الشائكة، وهو الذي كان حتى نهاية القرن التاسع عشر مقصداً للرحالة والمصورين الذين تغنوا بجمال واجهته. رقية دودو حسبما تسجل كتابات هذا السبيل هي بنت “بدوية شاهين” وقد شيد ترحماً على روحها وهو ما يعني أن رقية لم تقم بالبناء أو تأمر به، واللافت أن كتابات السبيل، على كثرتها، لم تشر من قريب أو بعيد لاسم والد “رقية” التي نسبت لأمها “بدوية شاهين” التي كانت فيما يبدو علماً في وقت إنشاء السبيل عام 1174هـ، ولكن “برايس دافن” يذكر في كتابه عن الفن الإسلامي أنها بنت الأمير “رضوان” من بدوية شاهين، ولعل ذلك يفسر جزئياً سبب إغفال اسم والدها ذلك أن رضوان كتخدا الجلفي الأمير الشهير كان قد قتل في عام 1169هـ على يد خصومه من أمراء الجراكسة، وكانوا وقت البناء يتحكمون في القاهرة ولذا كان مجرد نقش اسمه في واجهة السبيل كفيلاً بإغضاب السلطات ووقف البناء. ويغلب على الظن أن “بدوية شاهين” أرملة رضوان كتخدا، وهي مملوكية أيضاً هي التي شيدت السبيل ترحماً على روح ابنتها واستجلاباً لدعاء المستفيدين. ومن الكتابات المسجلة في بلاطة رخامية مربعة أعلى الشباك الأوسط للسبيل سبعة أسطر نقرأ منها “بسم الله الرحمن الرحيم، اسأل الله الكريم ينصر السلطان، ويرحم رقية دودو بنت بدوية شاهين”. وهناك كتابة أيضاً في التغشية النحاسية بأعلى نفس الشباك وبها “دودو رقية قد توفيت وانقضت. إلى رحمة المولى الكريم القادر. نور بإشراق السبيل مؤرخ. جنات عدن في نعيم القادر سنة 1174”. ماء زلال وفي كتابة على العمود الأيمن للشباك الأوسط “أيها الوارد إلى هذا السبيل اشرب ماء زلالا به يشفى العليلا. الله تعالى يرحم من كان على اسمها هذا السبيلا”. ويقابلها كتابة على العمود الأيسر لذات الشباك ونقرأ فيها “سبيل لله يا عطشان الله يرحم الواقفة. وينصر السلطان ويجزيها ثواباً وإحسان”. أما الباب العمومي للسبيل فقد سجل فوقه “بسم الله الرحمن الرحيم اسأل الله الكريم ينصر السلطان ويرحم من كان على اسمها الكتاب والسبيل رقية دودو بنت بدوية شاهين بسم الله ما شاء الله ما شاء الله سنة 1174”. ويعتبر هذا المبنى ثالث سبيل يشيد في العصر العثماني لامرأة وهو من النماذج المبكرة لطراز الأسبلة التركية العثمانية ذات الواجهة المستديرة أو المقوسة، وقد شيدت جدرانه ملتصقة بالجيران من ثلاث جهات بينما يطل على شارع سوق السلاح بالضلع الغربي للبناء وقد فتحت به ثلاثة شبابيك لتسبيل أو توزيع مياه الشرب على المارة. ويتألف السبيل من حجرة مستطيلة ثلاثة من أضلاعها مستقيمة بينما يأخذ الضلع الرابع الهيئة المقوسة حيث فتحت به ثلاث دخلات معقودة استغلت كشبابيك للتسبيل وإلى يمين الحجرة مدخل معقود يؤدي للسبيل والكتاب وإلى اليسار دخلتان مستطيلتان بكل واحدة منهما فتحة مأخذ تعرف في مصطلح الوثائق العثمانية باسم “حجر مصاصة”، ومنهما كان يتاح لسكان الحي من الفقراء الذين لا يطيقون أجرة السقاء التزود بمياه الشرب على مدار الساعة. مكونات السبيل ويتكون السبيل من حجرة تحت الأرض تعرف باسم الصهريج وهي المعدة لتخزين المياه التي كانت تحمل من النيل أيام الفيضان وفوقها حجرة تسبيل الماء ذات الشبابيك الثلاثة ويتقدمها من الخارج قطعة رخام تدور مع انحناءات قوس الواجهة وكانت توضع بها الكيزان المخصصة للشرب، ويتميز سبيل رقية دودو بوجود مصطبة دائرية تتقدم الواجهة وهي مخصصة لصعود المارة للشرب، حيث كانت أرضية السبيل وقت البناء ترتفع بشكل ملحوظ عن مستوى الطريق العام. ومن المميزات في مبنى السبيل والكتاب أن هناك أكثر من رفرف خشبي يتوج واجهة كل من السبيل والكتاب لتوفير الظل لمستخدمي السبيل أو لأطفال الكتاب ولعل المعماري لجأ هنا إلى استخدام أكثر من رفرف بسبب مواجهة هذا الجانب من المبنى للغرب حيث تبقى الشمس مسلطة عليه من بعد وقت العصر. وقد جاء سقف السبيل من الخشب حافلا بالزخارف الهندسية والنباتية العثمانية ورغم الحالة السيئة التي هو عليها الآن فإن بقايا الزخارف تفصح عن روح فنية تميزت بالثراء وهو ما جذب على الدوام انتباه الرحالة الأجانب الذين سموه “سبيل بدوية”، ولعلهم في ذلك نقلوا ما سمعوه من أفواه السكان الذين نسبوا السبيل لمشيدته الفعلية “بدوية شاهين”. ويتفرد سبيل وكُتاب رقية دودو أيضاً بعدد من المميزات المعمارية التي تفرقه عن الأسبلة المعاصرة ومنها ما يوجد بحجرة التسبيل من الداخل حيث دخلة مستطيلة بالضلع الجنوبي وبالتحديد في الركن الجنوبي الشرقي وقد اتخذت هيئة الحنية المعقودة بعقد مدبب وهو ما يرجح أن تلك الحنية استخدمت كمحراب للصلاة خاصة وأن موضعها يوافق اتجاه القبلة. ومن المعروف أن الهيئة الوظيفية للسبيل والكتاب كانت تضم أكثر من شخص سواء لتسبيل الماء وإعادة تعبئة الكيزان أو لتنظيف الأحواض وتفقد الصهريج وتبخيره أو لتعليم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة والقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ومن ثم كان من المناسب توفير مكان داخل حجرة السبيل لأداء الصلوات لكل أفراد الهيئة الوظيفية. أما من الخارج فتوجد حوائط جانبية ذات زوايا قائمة على الواجهة كما تصل الواجهة بالشارع فضلاً عن وجود دخلتين متجاورتين في الجهة اليسرى من واجهة السبيل وخصص لها مساحة تتقدمها منفصلة عن الشارع، وذلك بواسطة الحائط الجانبي الذي يفصل واجهة السبيل عن المباني المجاورة والغرض الوظيفي المقصود هنا هو توفير حرية الحركة للنساء اللاتي يحملن جرار الماء بعيداً عن المارة الذين يقصدون شبابيك السبيل. ومن الناحية الزخرفية يمتاز السبيل بالثراء في زخرفة واجهته والحوائط الجانبية خاصة بصفوف من المقرنصات والعناصر النباتية ذات الطابع العثماني بالإضافة إلى زخرفة بدن الأعمدة بأشرطة كتابية إلى جانب الكثير من العناصر الزخرفية المحزوزة في الرخام. المرأة ومعاني العطاء يلفت النظر في زخارف سبيل رقية دودو إضافة لمحة تعبر عن المرأة ومعاني العطاء بذات الوقت فنقش بقمة التغشية النحاسية لشبابيك التسبيل شكل ثديي امرأة على جانبي مزهرية من النحاس المصبوب تخرج منهما فروع نباتية تكون أشكالاً دائرية تحصر بداخلها شكل الثدي. وقد كانت شبابيك السبيل هدفاً لبعض لصوص الآثار قبل عامين تقريباً حيث أمسك الأهالي ببعضهم وهو يحمل شباكاً نحاسياً انتزع من مكانه وهو ما دفع المجلس الأعلى المصري للآثار إلى سد الشبابيك بالبناء وبناء سور حديدي حول الأثر بل ووضع الأسلاك الشائكة من فوقه وهو ما شوه البقية الباقية من جماليات سبيل رقية دودو بنت بدوية شاهين.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©