الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ميانمار.. وفصول الإبادة الجماعية

19 ديسمبر 2017 21:54
يبدو أن حجم القصص المروعة للغاية، والتي تأتي من ميانمار قد بات عارماً. فمنذ أواخر أغسطس الماضي، فرّ أكثر من 626 ألفاً من أفراد عرقية الروهينجا بعد حملة ممنهجة من الهجمات التي شنتها الميليشيات العسكرية والميليشيات المحلية البورمية في ولاية راخين، في نزوح هو الأسرع لمجتمع منذ الإبادة الجماعية في رواندا. ووفقاً لتقديرات إحدى جماعات المساعدات، فقد قتل نحو 9000 من أفراد الروهينجا، من بينهم 1000 طفل، خلال الفترة من أواخر أغسطس إلى أواخر سبتمبر. وأظهرت بيانات الأقمار الصناعية أن مئات القرى قد أحرقت وتمت تسويتها بالأرض، في حين أن كل من هرب إلى مخيمات اللاجئين الحقيرة في بنجلاديش لديه قصة رعب يحكيها. قالت سيدة تدعى «الماس خاتون» مؤخراً لصحيفة «سيدني مورنينج هيرالد»: «لقد أطلقوا النار على والدي المسن، حيث وضعوا جذع شجرة في فمه ثم شقوا حلقه». وأضافت: «إنني أفكر دائماً في أطفالي الذين لم أتمكن من إنقاذهم. لقد قتلوا سبعة من أبنائي وزوجي وأخويه». أما هي فقد تظاهرت بالموت. وتمكنت من الزحف فيما بعد إلى مكان آمن، بعيداً عن الحطام المحترق لقريتها وجثث العشرات من الأقارب القتلى. وفي الأسبوع الماضي، سجل تحقيق أعدته وكالة الأسوشيتيد برس ما يبدو أنه حملة للاغتصاب الجماعي شنتها قوات الأمن البورمية، استناداً إلى مقابلات أجرتها الوكالة مع 29 امرأة وفتاة تتراوح أعمارهن بين 13 – 35 عاماً، حيث ذكرن أن الجنود والمقاتلين المناهضين للروهينجا قد اشتركوا في عمليات سرقة وتعذيب، بما في ذلك إساءة معاملة النساء اللائي قبضوا عليهن. وكتبت وكالة الأسوشيتد برس أن (هذه الشهادات تعزز تأكيد الأمم المتحدة بأن القوات المسلحة في ميانمار تستخدم الاغتصاب بشكل ممنهج «كأداة محسوبة للإرهاب» وذلك بهدف إبادة شعب الروهينجا). وقص «نيكولاس كريستوف» في عموده يوم الجمعة بصحيفة نيويورك تايمز المحادثات التي أجراها مع نساء من عرقية الروهينجا تعرضن للاغتصاب وأجبرن على أن يشهدن ذبح أحبائهن. ودعا كريستوف «أونج سان سو كي»، أكبر زعيمة مدنية في ميانمار والحاصلة على جائزة نوبل، للاستماع إلى قصة «حسينة بيجوم»، 21 عاماً، والتي رأت رجالاً وفتياناً من قريتها، وهم يقتلون، وتلقى أجسادهن في كومة وتغمر بالبنزين وتضرم فيها النيران. وكان المقصود أن تتحمل النساء والفتيات مصيراً أكثر بشاعة. وقالت حسينة لكريستوف: «كنت أحاول إخفاء طفلتي تحت وشاحي، لكنهم رأوا ساقها، فأمسكوا بها من ساقها وألقوها في النار». وللقصة بقية: «قالت حسينة إنها انهارت على الأرض وهي تصرخ. وبعد ذلك بدأ الجنود الذين نفذ صبرهم في ضربها – وأظهرت لي الندوب التي خلفها الضرب - وسحبوها إلى كوخ مع شقيقة زوجها وتدعى اسما بيجوم. وقام الجنود بتجريد السيدتين من ملابسهما ومن ثم اغتصابهن، بحسب ما قالت، وفي النهاية أغلقوا الباب وأضرموا النيران في الكوخ». وتمكنت السيدتان العاريتان من الفرار من فتحة في الكوخ ومداواة جروحهما بالطين، ونظفتا ملابسهما وبدأتا في رحلة استمرت ثلاثة أيام إلى حدود بنجلاديش. تقول حسينة لكريستوف: «عندما أكون نائمة أبحث عن طفلتي فأستيقظ وأنا أصرخ». لقد أثار العنف الذي دفع هذه القصص المروعة قدراً كبيراً من الغضب الدولي. وأصدر المتحف التذكاري للهولوكوست، الذي حذر قبل عامين من أن الأوضاع في ميانمار، التي يطلق عليها أيضاً بورما، على وشك لأن تتحول إلى مذبحة جماعية، تقريراً في شهر نوفمبر جنباً إلى جنب مع جماعة حقوقية محلية، قائلاً إن هناك «أدلة متزايدة» على أن الجيش البورمي قد نفذ أعمالاً «تشكل إبادة جماعية لشعب الروهينجا». ووصف وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيلرسون» ما حل بالروهينجا بأنه «تطهير عرقي»، في الوقت الذي أدلى فيه العديد من كبار مسؤولي الأمم المتحدة بتصريحات مماثلة. ومع ذلك لم يكن هناك عمل حقيقي، ولا حتى من جانب الولايات المتحدة للوضع، وفي الهند، التي لديها نفوذ على ميانمار، كان التعاطف مع الروهينجا يعد أقل أهمية للسياسة الداخلية، حيث تتجه الحكومة القومية الهندوسية في البلاد لترحيل الآلاف من لاجئي الروهينجا في الدولة بسبب مخاوف من التطرف الإسلامي. أما الصين، التي تربطها علاقة وثيقة مع جنرالات ميانمار ومصالح اقتصادية عميقة في الدولة، فقد اقترحت خطة لإعادة اللاجئين، والتي من الممكن أن تحمي كبار القادة العسكريين في ميانمار من مزيد من التدقيق الدولي. ومن جانبه، أشار «نيكولاس بيكلين» من منظمة العفو الدولية في صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن «الروهينجا لا يشكلون أهمية تذكر بالنسبة لبكين». وأضاف: «لن يسمح للعائدين بالذهاب إلى قراهم الأصلية، التي تحولت إلى رماد، بل إلى معسكرات اعتقال قاتمة. وسيصبح نظام التفرقة والفصل الذي جعلهم ضعفاء للغاية في المقام الأول أكثر رسوخاً». ويبدو أن الحكومة البورمية لم تتأثر بالتأكيد. وتدعي «سو كي» أن شهادة الروهينجا لا يمكن تصديقها كما هي، وتلقي باللوم على «الإرهابيين» المحليين بين الروهينجا، كونهم السبب في إثارة العنف. ويقول المدافعون عنها إن عليها أن تؤدي دورها المعقد مع الجيش المتعجرف في البلاد، بيد أن مناورتها ما زالت تحجب الكارثة التي تشهدها ولاية راخين، التي لا تزال مغلقة تماماً أمام وسائل الإعلام المستقلة. وعندما سأل صحفيون مؤخراً مسؤولاً في ولاية راخين عن التقارير التي تسرد عمليات الاغتصاب، سخر قائلاً: «هؤلاء النساء يزعمن أنهن تعرضن للاغتصاب، ولكن انظروا إلى مظهرهن، هل تعتقدون أنهن يتمتعن بجاذبية لدرجة أن يغتصبن؟». وكشف مسؤول آخر في ولاية راخين لـ «هنا بيتش» من صحيفة «نيويورك تايمز» رفض الحكومة البورمية حتى الاعتقاد بوجود الروهينجا، وهي جماعة عرقية مسلمة عاشت لأجيال في ميانمار، ولكنها جردت من حقوق المواطنة في الثمانينيات من القرن الماضي من قبل مجلس عسكري. وقال: «لا يوجد شيء اسمه روهينجا». وأضاف مقلداً الرئيس دونالد ترامب: «إنها أخبار كاذبة». هذا الاستخدام لمصطلح «أخبار كاذبة» يثير نوعاً من الجدل، ما يؤكد مناشدة ترامب على نطاق واسع للرجال الأقوياء في الخارج واستجابته الصامتة لأزمة الروهينجا. ولكن، في هذا الحالة، لا يبدو أن ترامب وحده هو الذي في هذه الحالة من عدم المبالاة. وكتب «كريستوف» يقول: «إن الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية هي بمثابة اعتداء على الإنسانية بأسرها وتحتاج إلى استجابة منا جميعاً». ولكن في عام غارق للغاية في الدماء، لا يبدو أن هذه الاستجابة المشتركة تلوح في الأفق. *محرر الشؤون الخارجية في صحيفة واشنطن بوست ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©