سعيد ياسين (القاهرة)
«تذكر، صوتك يناديني، تذكر الحلم الصغير، وجدار من طين وحرير، وقمرا ورا الليل الضرير، على الغدير».. مقدمة واحدة من أنجح وأفضل ما قدم محمد عبده من الأغاني الخليجية، ويصنفها البعض على أنها من أفضل الأغنيات التي قدمت على المستوى العربي، وتمثل امتداداً للأغاني الخالدة، وتعد من أجمل ألحان محمد عبده لنفسه، وهي من كلمات الأمير بدر بن عبد المحسن الذي ساهمت كلماته في إيجاد الصيغة اللحنية المناسبة للانطلاق عبر الصور الشعرية الجمالية، مما أشعل في دواخل محمد عبده الرؤية والخطوط الرئيسة لمزيد من التوغل داخل الذكريات المسكونة في القلوب، والتي تفترش الحصير في ليل ضرير، وتحت سقف طيني، لتتكسر النسمات على عتبات التذكر والفراق، ولوعة الزمن.
وقال المؤرخ والناقد الموسيقي عبد الرحمن الناصر: «إن «صوتك يناديني» قدمت سابقاً ولم تحظ باهتمام يعكس قدرها، وطواها النسيان لدى البعض، ولكن متذوقي الفن الأصيل استمروا بسماعها، وعاد محمد عبده وقدمها في حفلاته لاسيما أنها معاصرة، ويحمد له إعادة مثل تلك الأعمال لجعل التوازن السماعي الطربي يبقى في مكانه.
وحملت الجمل اللحنية التي تضمنتها الأغنية في طياتها الكثير من الإبداع والرؤى الجمالية التي زينت الكلمات الرائعة، ولا غرو أن تمنى الموسيقار محمد عبد الوهاب أن يكون هو الذي لحنها، وهي من ضمن القطع الغنائية الشرقية الطربية، وتعتمد على إحدى الحالتين أما بالشعر الزجلي أو الفصيح، كما تعزف المقدمة الموسيقية التي تمهد لغناء المذهب، ثم بقية المقاطع والتي تسمى كوبليه، كما يعاد المذهب بعد كل كوبليه، ويختلف لحن الكوبليه عن الكوبليه الأخير في بعض القطع أحياناً وعلى حسب سير اللحن، واستخدم المطرب الأسلوب الأمثل والمتعارف عليه في «الصولفيج الغنائي» وبدقة متناهية.
وفرض أسلوبه وخبرته على الحروف المتناثرة في اللحن والعدد منها في المقامات الموجودة، وتفاعل مع روح اللحن وسيطر عليه كاملاً، وان كان تكرر معه مراراً وعلى حسب تقديم الأغنية في زمن مضى، واستخدم الإيقاعات المتوازنة منها الوحدة المتوسطة والرومبا والمقسوم والوحدة الصغيرة، ومنها توازن الحروف اللحنية المتوازية»، وقال الكاتب نضال قحطان: «إن الموسيقار محمد عبد الوهاب انبهر بلحن الأغنية، وهو ما جعله يسأل قائد الفرقة الماسية الراحل أحمد فؤاد حسن الذي قام بتوزيع أغنيات محمد عبده موسيقياً، عن ملحنها وتقديمه الموسيقي الذي يصل إلى حد الإبهار والعمق في التناول، ومن ثم الولوج إلى لب العمل بأسلوب رشيق».
عدد اليوم
