الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنصتوا لأبنائكم حتى يحسنوا الإنصات إليكم

أنصتوا لأبنائكم حتى يحسنوا الإنصات إليكم
14 نوفمبر 2010 20:55
إن فن الاستماع بشكل عام ليس مهارة فحسب، بل هو فن أخلاقي وانساني من فنون التواصل التي يجب أن نتعلّمها ونجيدها، فنحن نستمع لغيرنا لا لمجرد الاستماع أو لأننا نريد مصلحة ما، وإنما لكي نبني علاقات وطيدة معهم. فالإنصات الفعّال غير الاستماع، إنّه يعني الاستماع باهتمام عن طريق ملامح الوجه، ولغة الجسد، والرسائل الإيجابية والإيماءات التي يبعثها المنصت الإيجابي للمتكلّم. والطفل أحق فرد بالاستماع اليه، والانتباه لكل ما يصدر عنه من كلام وأفعال. والإنصات الفعال يعني الاهتمام بما يريد الطفل التعبير عنه. ويعني اهتماماً إيجابياً بالرسائل الخفيّة التي تصدر عنه. وهو طريق لتجاوز الحالات المتوترة بين الوالدين والأبناء. وكلّما مورس الإنصات والتواصل الفعال كلّما عرفت العلاقات الأسرية انحساراً وتقلصاً للمشاكل والتشنجات الانفعالية بين أفرادها. ودائما ما ينصح الآباء والأمهات بأن يجيدون مهارة التواصل والاستماع، وذلك من خلال ربط علاقة التواصل بين عيني المتحدث وعيني الابن، وأن يتفاديا الابتعاد بوجههما عن الابن عند الحديث اليه، فإن ذلك يوحي بقلة الاهتمام بما يقولان، وتترجم قلة الاعتبار والاحترام لشخصه. كذلك الحرص على إنشاء علاقة اتصال واحتكاك جسدي مباشر من خلال لمسة الحنان وتشابك الأيدي والعناق، ووضع اليد على كتف الطفل، أو الربت على رأسه. فإنّ ذلك يوطد العلاقات المبنية على المحبة ويسهّل لغة التواصل العاطفي، وييسر التفاهم ويفتح لدى الطفل أجهزة الاستقبال للرسائل التربوية الصادرة من الوالدين. وعلى الأب مثلاً أن يعلّق على ما يقوله الابن وبشكل سريع دون أن يسحب الكلام منه، مبدياً تفهّمه لما يقوله من خلال حركة الرأس أو الوشوشة والإيماء بنعم أو ما شاء الله أو غير ذلك، مما يوحي للابن أن الأب أو الأم تتابعه باهتمام فتزيد طمأنينته. وعلى المتحدث أن يحافظ على الابتسامة باستمرار، وابداء ملامح الاطمئنان لما يقوله، والانشراح بالإنصات له، مع الحذر من إشعار الطفل أنك تتحمّل كلامه على مضض، أو أنه مضيع للوقت، وعلى المتكلم تجنب النظر إلى الساعة وكأنه يقول “له لا وقت لديّ لكلامك”، فالطفل حساس للغاية ويفهم مثل هذه الرسائل. ومتى وضحت الفكرة، وتفهم الأب الموقف عليه أن يعبِّر للابن عن هذا، وأن يعيد باختصار وبتعـبير أدق ما يودّ إيصاله حتى يتعلّم الطفل اختصار ما يريد قوله، وأن يكتسب في المقابل فنَّ التعبير عن مشاعره وأحاسيسه، والدقة في التعبير عنها أيضاً. كما أن الإنصات الإيجابي الفعال لا يكتمل إلا من خلال الاتصال غير اللفظي الذي يطمئن الابن ويعيد له توازنه النفسيّ، ويقضي بالتالي على مقاومة الطفل للرسائل التربوية الصادرة عن الآباء. ومن ثم ينصح الآباء والأمهات بألا يتركوا الطفل للمصادفات، وعليهم تخصّيص وقت للإنصات الفعّال. فالإنصات الفعّال خطوة ضرورية في التربية الإيجابية لا غنى للمربي عنها. فكما أنّنا نخصّص أوقاتاً لشراء ما يحتاجه أبناؤنا، وللاهتمام بصحة أبدانهم ونظافتهم، فكذلك نحتاج إلى تخصيص وقت للإنصات لهم مهما قلّ هذا الوقت. إنّ خمس دقائق ينصت فيها الأب لابنه قد جعله يتفادى تضييع ساعات طويلة في معالجة مشكلات ناجمة عن قلة التواصل أو مناقشة حالة توتر. فخمس دقائق لا أهمية لها عند عامة الناس وليس صعباً أن يخصصها الأب يومياً لابنه. خمس دقائق كل يوم تنمّي الحوافز الإيجابية لدى الابن، ويغرس لديه الدوافع التي تزود سلوك الإنسان بالعمل الصالح، وملء الوقت بما ينفعه. فتخصيص هذا الوقت للطفل تعني أنك تودُّ التواصل مع ابنك وتحاول فهمه وتفهم حاجاته ورغباته وأنك تشعر به. وقبل هذا وذاك تعني أن تتقن فن الأخذ والعطاء، وتمهّد قلوب الأبناء وبصيرتهم للإنصات الفعال. وبمعنى أوضح إنّك تقوّي (الذكاء الوجداني) لديهم، والمعروف لدينا بالبصيرة. وهناك حكمة تقول:”أنصت لأبنائك حتى يحسنوا الإنصات إليك”. ففي حياتنا، ومنذ صغرنا نتعلّم كيف نتصل مع الناس الآخرين بالوسائل المتعددة، من الحديث والكتابة والقراءة، ويتم التركيز على هذه المهارات في المناهج المدرسية بكثافة، لكن بقيت وسيلة اتصالية لم نعرها أي اهتمام، مع أنها من أهم الوسائل الاتصالية، ألا وهي الاستماع. ولا بد لكل إنسان أن يقضي معظم حياته في هذه الوسائل الاتصالية الأربع: الحديث، الكتابة، القراءة، والاستماع، لأنّ ظروف الحياة هي التي تفرض هذا الشيء عليه. حيث يعدّ الاستماع أهم وسيلة اتصاليّة، فحتى تفهم الناس من حولك لا بد أن تستمع لهم، وتستمع بكل صدق، لا يكفي فقط أن تستمع وأنت تجهّز الردّ عليهم أو تحاول إدارة دفة الحديث، فهذا لا يسمى استماعاً على الإطلاق. إن عدم معرفتنا بأهمية مهارة الاستماع يؤدّي بدوره لحدوث الكثير من سوء الفهم، الذي يؤدي بدوره إلى تضييع الأوقات والجهود والأموال والعلاقات التي كنّا نرجو ازدهارها. ولو لاحظت مثلاً المشكلات الزوجية، لرأيتَ أنّها عادة ما تنشأ عن قصور في مهارة الاستماع لا سيّما عند الزوج. وإذا كان هذا القصور مشتركاً بين الزوجين تتأزم العلاقة بينهما كثيراً. لأنهما لا يحسنان الاستماع لبعضهما، لا يستطيعان فهم بعضهما. الكلّ يريد الحديث لكي يفهم الطرف الآخر! لكن لا يريد أحدهم الاستماع!!
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©