14 نوفمبر 2010 21:00
احتفى مهرجان دمشق السينمائي بالمخرج الإماراتي سعيد سالمين المري، وخصص له مؤتمراً صحفياً يوم الجمعة الماضي في قاعة الغوطة بفندق الشام، تحدث فيه المري بحضور الفنانة الإماراتية الواعدة صوفيا جواد عن فيلمه الروائي الطويل الأول (ثوب الشمس) والذي شارك في المسابقة الرسمية للمهرجان، كما تحدث عن تجربته السينمائية الحديثة نسبياً وأفلامه القصيرة التي وصل عددها إلى تسعة.
قبل الخوض في تفاصيل المؤتمر الصحفي، لا بد من الإشارة إلى اللغة الرمزية العالية التي قدمها المري في (ثوب الشمس)، حيث يبدأ الفيلم بتصوير بيت من بيوت دمشق القديمة، تجلس في باحته امرأة تشرب القهوة وتنظر إلى رسم لصورة فتاة جميلة، بينما صوت العصافير يملأ الأرجاء. يخرج فتى في الخامسة عشرة من عمره وينظر إلى والدته ثم إلى الصورة ويغادر دون أن يتفوه بكلمة واحدة. يسير في الشوارع حتى يصل إلى مدرسته وفي قاعة الصف تأتيه صورة الفتاة، وحتى هذه اللحظة لا وجود لحوار في الفيلم، وإنما الصورة وحدها تتكلم.
أول عبارة في الفيلم تأتي على لسان الأم، عندما تسأل ابنها وهي تنظر إلى الصورة: هل أحببت حليمة يا راشد؟. فيجيبها: أنا لم أرها، فكيف أحبها؟. وترد الأم: أنا أيضاً لم أرها لكني أحببتها.
تعلن مدرسة راشد عن مسابقة للقصة القصيرة، فيبدأ خيال الفتى بنسج قصة حليمة، فتنتقل الكاميرا إلى الإمارات، حيث لم تكن النهضة الاقتصادية قد بدأت بعد، وهناك تجري القصة الحزينة لحليمة الفتاة الجميلة والمليئة بالحيوية. فالجميع يشهد بجمالها وأخلاقها، ولكن أحداً في القرية التي تعيش على تربية الحمام لا يقبل الزواج منها لأنها صماء وخرساء. لكن غريباً يدخل القرية فتقع عيناه على حليمة ويغرم بها، فتبادله هي مشاعر الحب، وقبل أن يقدم على خطبتها يكتشف أنها صماء وخرساء، فيسارع إلى الهروب، والعودة من حيث أتى، فينكسر قلب حليمة ويصيبها الأسى، وتدرك أن أحداً لن يتزوجها، وفي نهاية الفيلم تطلق حليمة الحمام من الأقفاص، كدلالة رمزية للتوق إلى الحرية ورفض للواقع الذي يكبلها بمفاهيمه وكانتقام أيضاً من المجتمع الذي يحاصرها، كما يمزق راشد في نهاية الفيلم القصة التي كتبها كتعبير عن رفضه للواقع الذي تعيشه حليمة وأمثالها.
خامس الأفلام الإماراتية
عن هذه الرمزية في الفيلم يقول المخرج المري إن السينما تتطلب العمق في الطرح واستخدام لغة سمعية بصرية عالية المستوى، فالسينما تختلف عن الدراما التلفزيونية التي يمكنها أن تتحمل الإطالة، ويضيف: هذه تجربتي الأولى في الأعمال الروائية الطويلة، بعد تسعة أفلام قصيرة، حصلت من خلالها على جوائز عربية ودولية عديدة، ولاسيما فيلم (بنت مريم) الذي حصد ثلاث عشرة جائزة.
واعتبر المري أن العمل على الأفلام القصيرة يختلف عن الطويلة، فالفيلم القصير صعب من ناحية التكثيف والاختزال، بينما الفيلم الطويل يحتاج إلى تركيز أكبر على كوادر العمل، لأنه يتضمن شخصيات كثيرة، وعن كتابته لسيناريو الفيلم يقول إنه أمضى وقتاً لا بأس به في الكتابة وبذل جهداً مضاعفاً، وهو يفضل التعامل مع كتاب سيناريو، لكنه لا يرى ضيراً في أن يكتب المخرج فكرته عندما يشعر أنها قد تبلورت ونضجت في ذهنه. أما عن سبب تركيزه على قضايا المرأة في أفلامه، فيقول إنه يعتبر هموم المرأة العربية موضوعاً أساسياً عنده، ويتابع: أنا أبحث دائماً عن الأفكار الجديدة وأحاول أن أدخل في العمق، ولا أطرح في أعمالي أفكاراً محلية تتعلق بالبيئة الإماراتية أو الخليجية فقط، و إنما أطرح أفكاراً تجد صداها عند المشاهد العربي عموماً، وأضع في اعتباري دائماً أنني أخاطب أيضاً المشاهد العالمي، لأنني أعد السينما رسالة، وعلى هذه الرسالة أن تكون مقنعة من خلال المعالجة لتعكس وجهة نظر إنسانية عامة.
وتحدث المري عن السينما الإماراتية والخليجية عموماً فرأى أنها سينما تتطور بسرعة، فهناك عدد لا بأس به من المخرجين المتميزين، وقد قدمت الإمارات حتى الآن أربعة أعمال روائية طويلة، ويعتبر فيلم (ثوب الشمس) خامسها، ووعد الصحفيين والنقاد بمفاجآت كثيرة ستقدمها السينما الإماراتية في مستقبل الأيام، وأضاف: كما أثبتنا وجودنا في الأفلام القصيرة وحصدنا الجوائز في المهرجانات، فإننا سنثبت وجودنا في الأفلام الروائية الطويلة أيضاً. وأشار المري إلى مهرجاني أبو ظبي ودبي السينمائيين، وقال إن لهما دوراً مهماً في دعم السينما الإماراتية، بعد أن بدأ القائمون على هذين المهرجانين يلتفتون إلى محاولات السينمائيين الإماراتيين، وتقديم الدعم لهم، ولفت إلى المساعدة التي حصل عليها من مهرجان أبو ظبي السينمائي لإكمال فيلمه، وأضاف: أما مهرجان دبي السينمائي فهو يتبنى حالياً أفكاراً مهمة في مجال صناعة الفيلم الإماراتي.
من جهتها، عبرت الفنانة الإماراتية الواعدة صوفيا جواد عن سعادتها بأداء دور حليمة الخرساء العاشقة في الفيلم، وقالت إن هذه المشاركة السينمائية الأولى لها، وهي مسرورة بالنتائج الطيبة التي تحققت، وأعربت عن اعتزازها بالعمل تحت إشراف المخرج المري وإلى جانب الفنانين حبيب غلوم ومرعي الحليان وأحمد عبد الله وحمد الحمادي ونيفين ماضي. وتحدثت صوفيا عن البروفات التي استمرت لأكثر من شهر مع المخرج، وعن روح الفريق التي سادت الأجواء خلال التصوير، وما تطلبه دورها من تعلم لغة الإشارة من قبل مدرس خاص، إلى جانب بعض الممثلين في الفيلم، الذين تربطها بهم الحبكة الدرامية.
لا أمثل نفسي!
وفي لقاء خاص مع (الاتحاد) قال المري إن المشاركات في المهرجانات العربية والدولية أمر في غاية الأهمية، لأنها تكسب المخرج خبرات جديدة من خلال اطلاعه على نتاجات السينمائيين في البلدان المختلفة، كما تمكنه من تلمس صدى فيلمه بين السينمائيين والنقاد والجمهور بشكل مباشر وتوفر له فرصة الاحتكاك معهم. وأضاف: عندما أشارك في مهرجان عربي أو دولي فأنا لا أمثل نفسي فقط، وإنما أمثل السينما الإماراتية، وهذا أمر مهم، فأنا لا أغرد وحدي خارج السرب وإنما أعبر عن هذا الحراك السينمائي الذي تشهده الإمارات، والذي يبشر بالخير، ومن المهم برأيي أن يكون الفيلم الإماراتي حاضراً في كل المهرجانات العربية والدولية، ليتعرف السينمائيون على بواكير السينما عندنا.
أما عن أسباب توجهه إلى طرح القضايا الإنسانية في أعماله فيقول: كثيرة هي الموضوعات التي تمس المشاهد الإماراتي وتمس المشاهد العربي والأجنبي في الوقت نفسه، وأنا أنحاز إلى تناول القضايا التي تمس الإنسان في العموم، لأنني أرغب في مخاطبة المشاهد أينما كان، ونحن كعرب علينا أن نطرح قضايانا ومشكلاتنا من وجهة نظر إنسانية عامة.
مفاجأة لن أبوح بها
ويعترف المري بأنه يقدم أعمالاً نخبوية، ويقول إن أرباح شباك التذاكر لا تهمه كثيراً!. فما يعنيه فقط هو أن تعرض أفلامه في صالات السينما للجمهور المهتم، لأنه لا ينوي تقليد سينما (الأكشن) التجارية، وإن كانت تلقى رواجاً وإقبالاً واسعاً، فهو يحرص على تقديم أعمال ذات قيمة، ويطرح قضايا تمس الناس، دون أن يبتعد عن عادات وتقاليد المجتمع العربي.
أما عن أعماله القادمة، فيقول المري إنه تم ترشيحه مؤخراً لإخراج فيلم ضخم، سيشكل مفاجأة للجمهور، ويتناول فيه قضية مهمة، لكنه لن يبوح بتفاصيله الآن، وكل ما يستطيع قوله إن كاتب السيناريو أوشك على الانتهاء منه، وهو يضم عدداً من النجوم العرب وتجري أحداثه في عدة بلدان عربية، وقد رصدت له الجهة المنتجة ميزانية ضخمة، أما تصويره فيبدأ خلال العام القادم.
المصدر: دمشق