الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قتيل في «غرفة العفاريت» ميزان العدالة

قتيل في «غرفة العفاريت» ميزان العدالة
4 سبتمبر 2014 21:05
عادت «سميحة» من بيت أبيها إلى بيت زوجها، فوجدت باب الغرفة الثانية مغلقاً، كانوا يطلقون عليها غرفة العفاريت، وقد جاء هذا المسمى بعد أن أخبرها زوجها بأن الغرفة «مسكونة» بالأزواج الشريرة، وقد جاء بشخص متخصص لاستخراجها، ولكن بعد ذلك كشفت السر وعرفت الحقيقة أن زوجها كان يبحث في الغرفة عن كنز وهمي، فهو مجنون بحب المال، ومن يومها وهذا هو مسمى تلك الغرفة، واليوم حذرها زوجها مرة أخرى من العفريت الذي عاد إليها حقيقة وليس مثل المرة الأولى، وإذا لم تصدق فعليها أن تدفع الثمن، وقد خافت بالفعل ولم تقترب من الغرفة، وزاد من مخاوفها أنها وجدت زوجها مرتبكاً وعلى غير عادته. سر كبير لم يستمر هذا الوضع كثيراً وكانت الساعات القليلة القادمة كفيلة بأن تكشف السر الكبير، فقد جاء رجال المباحث يقتحمون البيت ويفتشونه وكانت البداية من غرفة العفاريت، والمفاجأة أنهم عثروا على جثة زوج أختها، وبدأت الحقائق تتكشف فقد استغل زوجها وشقيقتها عدم وجودها هي والصغار حيث كانت في زيارة لأسرتها بترتيب منهما، واستدرجاه إلى هنا بحجة تصفية النفوس وإنهاء المشاكل التي بينهما، وقد قاما بإدخاله هذه الغرفة وذبحه ودفنه فيها، وحاولا إيهام «سميحة» بحكاية العفريت. لم تكن المعلومات الأولية واضحة ولا توجد دلائل على مرتكب الجريمة بالضبط، وألقي القبض على الشقيقتين وزوج الصغرى، هنا كانت المفاجأة الأكبر، كل منهم يتنصل من الجريمة ويتبرأ من دم القتيل ولا يعرف كيف جاء إلى هنا ولا كيف ولا من ارتكب الجريمة، كل منهم يقول نفسي نفسي، والحقيقة ضائعة، لكن التحقيقات وشهادات الشهود بعد أكثر من أربع وعشرين ساعة كشفت الملابسات وأكدت أن سميحة بريئة وأن زوجها وأختها «مديحة» وراء الحادث. الحكاية من أولها أن «مديحة» لا تنظر إلى المستقبل ولا تحسب حساباً لما هو آت، فقط تعيش اللحظة ولا تقرأ العواقب، تترك النتائج لحين وقتها وعندما تجيء يمكن التفكير فيها إذا جاءت على خلاف ما تطمح، فلم تفكر قليلاً عندما تقدم «جابر» لخطبتها، فهي ليست على القدر الكافي من الجمال بما يجعل الخطاب يطلبون يدها، ولأنها تعرف ذلك فقد كانت تخشى من العنوسة وفوات قطار الزواج رغم أنها لم تتخط الثانية والعشرين من عمرها، لكن مبعث القلق أن الفتيات في منطقتها تتزوجن من سن السادسة عشرة، بل إن أختها التي تصغرها بثلاثة أعوام تزوجت قبلها وهذا كله يجعل نار الغيرة تكاد تأكلها، تحاول أن تعوض نقص الجمال وقلة المال بخفة الظل التي كثيراً ما تكون مصطنعة أو مبالغاً فيها فتكون مرفوضة، وهي بهذه الطريقة استطاعت أن تلفت نظر جابر وتجذبه إليها فكان الشاب الوحيد الذي تقدم لخطبتها ولم يكن هناك أي نوع من التفكير. شرط الزواج العريس كان واضحاً من اللحظة الأولى ولم يخف عنها شيئاً أو يخدعها، وهي من جانبها تعرف عنه كل جوانب حياته، وكان شرطه الأول أن يكون الزواج بينهما «عُرفياً»، أي غير موثق في الجهات الحكومية وبلا أوراق رسمية، مجرد ورقة يوقع عليها شاهدان للإشهار، لكنها لا تضمن لها أي حقوق أمام المحاكم إذا وقع خلاف، هذا كله لا يهمها، فلن يصل الأمر إلى حد الخلافات والدخول إلى عالم القضاء والمحاكم، طالما أن الزواج حلال ومشروع فدعونا من التعقيدات والتوثيق، هكذا قالت لنفسها وزادت عليه أنه لم يكن في الزمان السابق شيء اسمه توثيق، بالإضافة إلى أنها واثقة من إمكاناتها في السيطرة عليه والتحكم فيه وتولي إدارة شؤون البيت الذي لا يعدو أن يكون غرفة وصالة صغيرة في جانبها ركن محدود تسميه مجازاً «المطبخ». جابر عامل في طائفة المعمار يعمل أجيراً يتحصل على رزقه يوماً بيوم، وينفق كل ما يقع بين يديه فيما هو مشروع وغير مشروع، فلا مانع بجانب التدخين أن يتعاطى أنواع المخدرات رخيصة الثمن التي تتناسب مع دخله، وهو في قرارة نفسه لا يتمنى أن يقلع بقدر ما يتمنى أن يكون معه المال الكثير ليتمكن من شراء الأصناف الجيدة ويقضي ليله كله مع الندماء، وسلوكه هذا ليس سراً قبل زواجهما فحتى هذا كانت تعرفه، شعارها «ظل رجل ولا ظل حائط» كما يقول المثل الشعبي، وهي لا تتمنى إلا أن تكون في بيت واستقرار مع زوج مثل كل الفتيات، ولا تقيم وزناً لأي اعتبارات أخرى، وكأنها فوجئت بالخلافات التي وقعت بينهما منذ الأيام الأولى، عندما لم تجد ما تشتري به طعاماً ليومها، فحثته على الخروج إلى العمل، لكنه من المتكاسلين فلم يعتد على العمل يومياً، ولا يخرج إلا إذا أنفق كل ما بين يديه. وقعت الفأس بالرأس كانت مديحة قوية الشخصية بحيث لا تدع له مجالاً للنقاش أو الجدال بالباطل معها، تفرض رأيها عليه وهي صاحبة الكلمة في البيت، فشعر الزوج كأنه بهذه الزيجة جلب لنفسه المتاعب ووضع قيوداً حول يديه بل في رقبته أيضاً، ضاق ذرعاً بالحياة معاً ولم يبق في الأشهر الأولى بينهما مودة ولا رحمة، حتى كره البيت بما فيه وأصبح يتغيب كثيراً ويتأخر في العودة ويقضي معظم وقته بعد العمل في المقهى مع زملائه ومن هم مثله، ولم يعجبها ذلك طبعاً فلا يسلم كل يوم من التقريع والتوبيخ، واضطر للرد عليها بالمثل ويصل الأمر إلى التشابك بالأيدي بعد تبادل السباب، وهو يضرب نفسه على هذا الاختيار، ويندم لكن لم يعد ينفع الندم بعدما وقعت الفأس في الرأس. لم يكن ما فكر فيه جابر للتخلص منها خافياً عنها، وعرفته من البداية، فقد قرر أن يتخلص من سيطرتها ومشاكلها ونكدها اليومي، والأمر غاية في البساطة، فكل ما بينه وبينها مجرد ورقة لا قيمة لها، وعندما سأل محاميا عن الوضع القانوني جاءت الاستشارة بالبشارة، فهذه الورقة غير معترف بها أمام القضاء إلا في حالة واحدة وهي إثبات النسب لو كان بينهما أطفال، وبما أنهما لم ينجبا بعد أن مر على زواجهما عام وبضعة أشهر، فهو في حل من أي حقوق لها نحوه، كل ما سيفعله أنه سيمزق الورقة ويلقي على مسامعها يمين الطلاق، وكأن شيئاً لم يكن، فلم يصدق نفسه بأن الخلاص بهذه السهولة واليسر، حتى أنه هو الذي أفصح عن مكنون نفسه ونيته عند أول شجار بينهما، وزاد عليه كي يضاعف غيظها فأخبرها بأنه سيتزوج من أخرى فوراً، سواء بقيت على ذمته أو فعل ما يريد. وهذا هو ما لم تحسب له مديحة حساباً، فلم تتوقع أبداً أن يصل الأمر إلى هذا الحد وتلك النهاية، وجدت نفسها في مهب الريح، فلو فعل ما يهدد به، لأصبحت معلقة لا هي متزوجة ولا مطلقة، لأن هذا الانفصال لن يمكنها من الحصول على ورقة تثبت طلاقها في حال إذا أرادت أن تتزوج مرة أخرى بعده، كان الضياع الكامل هو عنوان حياتها، وبدلاً من أن تهادنه وتحاول إصلاح العلاقة بينهما، واجهته بالعنف والتهديد أيضاً، وهذا ما جعله يصر على موقفه وربما يسرع الخطى للنجاة من بحرها الهائج بعد أن أدركه الغرق. مهمة إجرامية تأكدت الآن أنها ستخسر كل شيء، وهي بطبيعتها لا تقبل الهزيمة ولا الاستسلام، فقررت أن تنتقم لنفسها وأن «تتغدى به قبل أن يتعشى بها»، خرج كل ما بداخلها من عنف، لا بد أن تقتله ولا بديل عندها إلا ذلك، فهو يستحق والبادي أظلم، فلن تخسر وحدها، وفي الوقت نفسه تخطط أن تفعل فعلتها ولن يتم الوصول إليها لأنها كما توهمت مستحيل كشف سرها، خاصة بعد أن فكرت في من يقوم لها بهذه المهمة الإجرامية، إنه «فتحي» زوج شقيقتها الصغرى، تعرف أنه رجل مجنون بالمال ويبحث عنه بشتى السبل، يبيع نفسه من أجل القليل منه، وقصته في البحث عن الكنز الأثري معروفة، فقد جاء منذ أشهر عدة بأحد الدجالين لاستخراج هذا الكنز من بيته وقام بحفر حفرة كبيرة، كادت تهدم الجدران على رؤوس ساكنيه، إلى جانب ذلك، فهو كثير الشكوى من الفقر ولا يكف عن ذلك في كل وقت وحين، يعض شفته السفلى وهو يتحسر على حظه السيئ العاثر، يثرثر بأنه على استعداد لفعل أي شيء حتى يصير ثرياً. والتقطت تلك الاستعدادات بحنكتها، وانتحت به جانباً في لقاء ثنائي اقتصر عليهما بعيداً عن كل العيون التي تعرفهما، مستغلة تعطشه للمال، وبدأت حديثها معه بالإغراء حتى جعلت لعابه يسيل ويمني نفسه بمبلغ كبير من جراء المهمة التي ستكلفه بها، والغريب أنها عندما أخبرته أنها جريمة قتل كانت تتوقع تراجعاً في موقفه أو أن يبدي المخاوف، لكنه وافق بلا نقاش حتى بعد أن علم أنه سيقوم بقتل زوجها وبادر بسؤالها عن مقدم الأتعاب وخطة التنفيذ، فكانت جاهزة قبل أن يتراجع ودست في يده مبلغاً لا يكفي لجلسة مطولة على مقهى بلدي مع عدد من الأشخاص، ووعدته بأضعافه بعد التنفيذ. خسرت كل شيء، بعد أن تم كشف المستور وظهرت كل الحقائق، وتنتظر حكم الإعدام هي وزوج شقيقتها كما طالبت النيابة في قرار الاتهام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©