الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غمرة الظاهر

24 أكتوبر 2006 00:50
للمرة الأولى، سأتخلى في كلامي عن منطقة الريح، وأجلس مع نفسي على حجارة العقل وحدها رغم أن البحر على بعد خطوات· أيتها النفس، أنني دوماً أستقطب همومك وانفعالاتك وأتحسس بها كما تشم الخيول رائحة المطر قبل نزوله، تجربتي ليست بالصغيرة ولا الكبيرة، هي في ذات الوقت تجربة العالم كله، حين أتحدث عن حب العالم كله وحين أتحدث عن حزني إنما أتحدث عن حزن النفس وحدها·· تخطئين يا نفسي حين تظنين أن تجربتي تجيئ من برزخ آخر، فأنا جزء من أرض ومجتمع وتاريخ وموروثات نفسية وعضوية وكل كلمة أضعها على الورقة تحمل في ثناياها الإنسانية كلها والتجربة الذاتية التي يظنها الكثيرون صغيرة، تأخذ في أغلب الأحيان حجم الكون، فخصوصياتي بمجرد اصطدامها بالورق تتعدى ذاتها لتصبح فضيحة يقرؤها العالم، فأنا في عشقي الكوني أشعر أنني أكثر كونية وأشعر أن المرأة التي أحبها هي كل النساء· يا نفسي، أنا لا أتلذذ باصطدام حروفي بعيون القراء وليست كلماتي زهرة من حجر ولا هي مجرد أطراف تجارب ولا سمكة ميتة·· انها الحب· يا نفسي إن مملكة الحب أسعد الممالك وثقي بي انه كان بإمكاني أن أحتفظ بسلطتي على مملكة حبي زمناً طويلاً وما زال لدي كل الإمكانيات على الصمود والدفاع عن عرشي ودنيتي ومملكتي، لكنها هزة داخلية·· كسرت كل ألواح الزجاج في نفسي دفعة واحدة ومن نثارات الزجاج التي خلفها عدوان حبي على أرض حواسي·· صرخت بصوت آخر ورحلت الى وطن آخر· حبي أيتها النفس، لم يكن حباً حددته جغرافية الجسد فمن أحب قارة من القارات التي سافرت إليها ولكنها ليست العالم كله، إن حبي يعانق الوجود كله موجود في التراب والماء والليل والنهار وفي عيوني·· حبي لم يكن موقفاً في رحلة طويلة أو ميناء·· لكن أسوأ ما في تاريخ البحار والرسو في ميناء واحد·· لكنني يا نفس غدوت بحاراً أعشق البحر ولا أرتاد إلا سفـــــــــــينة واحدة· يا نفس ما زالت عروة ثوبي، خاتماً في إصبعي، هماً جميلاً ينام على وسادتي لكنه تحول الى سيف يذبحني·· لماذا يا نفسي اعتبروه عنقاء، فالكائنات كلها تلعب لعبة الحب بمنتهى الطهارة، الأسماك - الأزاهير - العصافير - وشرانق الحرير والأمواج والغيوم·· كلها تمارس طقوس الحب بعفوية وشفافية، إلا أنا اعتبروا حبي طفلاً غير شرعي وطردوه من المدينة وجردوه من حقوقه المدنية·· أنا يا نفسي أرض أن ألعب لعبة الحب خلف الكواليس، فنقلت سريري الى الهواء الطلق وكتبت كلماتي على أشجار الحدائق، أردت أن أعيد لحبي شرعيته· فالمرأة التي أحببت، قصيدة مكتوبة عندي، هي امرأة جاءت ولم تحضر بعد·· فهي لم تزل في غمرة الظاهر· أحمد وحيد حجازي - ألمانيا
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©