السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إفرازات لُعابية وعوامل وراثية وراء اختلاف خيارات الناس الذوقية

إفرازات لُعابية وعوامل وراثية وراء اختلاف خيارات الناس الذوقية
15 نوفمبر 2010 20:32
حاسة الذوق هي إحدى حواس الإنسان المسؤولة عن تمييز خصائص الأطعمة التي يتناولها. وأقرب حاسة إلى الذوق وأكثرها ارتباطاً بها هي حاسة الشم، إذتساعد كلتاهما على التمييز بين المذاقات المختلفة للمأكولات والمشروبات. وتنتشر على اللسان حُليْمات تذوق تختلف عن بعضها البعض شكلاً وحجماً وتحتوى على خلايا حسية تميز بين الحلو والحامض والمالح والمر، تنقلها النبضات العصبية على شكل رسائل إلى القشرة المخية. كل هذه الأمور أصبحت من البدهيات المُسلم بها لدى عُلماء التغذية، غير أن الأمر الذي كان وما زال مُحيراً لهم هو سبب تفضيل الناس لأطعمة دون أخرى واختيارهم مأكولات بعينها وكرههم غيرها. دراسة أميركية جديدة يقول القائمون عليها إنها شارفت على كشف المستور في سر تفضيل كل مأكول أو مشروب. يعود سبب تفضيل الناس بعض أنواع الأطعمة على أخرى بالأساس إلى مذاق الطعام وتجانس مكوناته. وبينما يعرف الجميع الحواس المسؤولة عن الذوق، بدأ العلماء فك رموز سر سحر بعض الأطعمة. وقد وجد باحثون من “مركز مونيل للحواس الكيميائية” في فيلاديلفيا مؤخراً أن أنزيم “أميليز” الموجود في اللُعاب والذي يُحول المواد النشوية إلى سوائل، يمكن أن يلعب دوراً رئيساً في تحديد سحر بعض المأكولات ولذتها. وأظهرت دراسة جينية جديدة أن الغدد اللُعابية لكل شخص تُفرز كميات مختلفة ومتباينة من أنزيم أميليز، وكلما زادت كمية أميليز في الفم، زادت قدرة الشخص على تسييل المواد النشوية للأطعمة التي يتناولها. أنزيم الأميليز يعتقد علماء التغذية أن اكتشاف هذا الأمر قد يُساعد على تفسير سبب اختلاف حاسة ذوق كل شخص عن الآخر من حيث تحديد ما إذا كان الطعام مقشداً أو لزقاً أو مُميهاً، وأن عملية تصنيف الطعام بشكل تلقائي التي يقوم بها الدماغ قد تؤثر على اختيارنا وتفضيلنا لطعام ما على الآخر. وهو ما يُفسر تذوُق الناس للمأكولات بطرق مختلفة، إذ قد يتذوق الناس بعض الأطعمة التي تتوافر على النشويات، مثل حلوى ما بعد الطعام التي تُقدم كوجبة تحلية والصلصة والمرق وشراب الاسفندان، بشكل مختلف. وقد يتذوق الناس الطعام ذاته، لكن يصنفونه بطرق مختلفة بسبب اختلاف الكميات التي تُفرزها غُددهم اللعابية من أنزيم الأميليز. الغَلَبَة للمألوف لا تُعد عملية التفكيك السريع للنشويات، التي تُعتبر نوعاً من الكربوهيدرات، إلا أحد جوانب اللغز الذي قد يُوجه اختيارات الناس لما يأكلون ويُحدد أطعمتهم المُفضلة. ويحكُم خيارات تذوق الطعام تفاعلات بالغة التعقيد والتركيب ما بين حُليمات براعم الذوق الموجودة في الغشاء المُخاطي للسان ومُستقبلات أخرى في الفم والأنف من جهة، وبين الرسائل التي تبعثها إلى الدماغ من جهة أخرى. ويقول ريك ماتيس، أستاذ تغذية بجامعة بيرديو في ويست لافاييت بولاية إنديانا الأميركية، إن الثقافة تلعب دوراً كبيراً في هذا الصدد، إذ يميل غالبية الناس إلى تفضيل الأطعمة والمأكولات المألوفة لديهم. ولذلك فإن الغَلَبَة تكون في أحايين كثيرة للمعتاد والمألوف. فالعديد من الأشخاص لا يحبون أكل المحار مثلاً بسبب رخاوته، لكنهم سُرعان ما يضمونه إلى قائمة مأكولاتهم المُفضلة بعد تجريب أكله مرةً بعد أخرى. ويقول بول بريسلين، باحث من مركز مونيل وأستاذ بجامعة راتجيرز في ولاية نيوجيرسي، “مُعظم الناس يُصدقون أحكام الآخرين على نوع معين من الأطعمة والتعبير عن عدم تفضيله بوصفه لزجاً أو زلقاً أو مُرملاً أو مُعجناً أو مائعاً، ولذلك فإن غالبية المُستهلكين يُخيرون في طريقة إعداد طعامهم المرغوب أو وجبتهم المُفضلة. ويضيف “بل إنك إذا طلبت مشروب عصير تُفاح أو إجاص طري، قد تُسأل إذا ما كُنت تفضله بقشور أو بدون قشور!”. بوظة وشوكولاته يقول علماء تغذية من مركز مونيل “إن 60% من الأطعمة التي نتناولها تحتوي على النشا، ولذلك فإن تحديد طريقة هضم هذا النشا يُعد مفتاحاً لمعرفة تفضيل كل شخص لطعام دون آخر”. ويقول الدكتور بريسلين إن بحثاً آخر أظهر أن شريحة كبيرة من الناس تُفضل مذاق القشدة في الأطعمة والمأكولات الصلبة التي تذوب بسرعة في الفم مثل البوظة (الآيس كريم) والشوكولاته. ويُوضح في هذا السياق أن الأميليز قد يُساعد أيضاً على تفسير سبب اختلاف الذائقات الفردية واختياراتهم لماركات وأنواع مختلفة من منتجات البوظة والزبادي، على سبيل المثال، حسب كمية النشا المُضافة إلى كل نوع منها. وفي أحدث دراسة لهم، طلب باحثون من مركز مونيل من 73 شخصاً وضع محاليل تحتوي على نشويات مختلفة التركيز وتكاد تخلو من مذاق محدد، ثم قاموا بقياس مُعدل الميوعة في فم كل واحد منهم خلال 60 ثانية، فلاحظوا أن سرعة تحوُل نشا هذه المحاليل إلى الحالة السائلة كانت مرتبطة بكمية أنزيم الأميليز التي يُفرزها كل شخص. إذ يذوب النشا بشكل أسرع كلما كثُرت كمية الأميليز في الفم. عوامل وراثية قام الباحثون كذلك بأخذ عينات من الحمض النووي للمشاركين في هذا البحث وحللوها لمعرفة العلاقة بين أعداد نُسخ الجين الذي يتحول عند إفراز أنزيم الأميليز ومدى سُرعة تحول المحلول في الفم إلى سائل مائع. فتوصلوا إلى أن عدد نُسخ الجين الذي يُطلق عليه “أميي 1” اختلفت بشكل كبير ما بين المُشاركين. إذ إن تحول النشا إلى الحالة السائلة تم بوتيرة أسرع لدى الأشخاص الذين كان لديهم نُسخ جينية أكثر. ويعكف باحثون من مركز مونيل حالياً على إجراء المزيد من البحوث للتحقق من وجود رابط بين أعداد نُسخ جين “أميي 1” ونتوءات جليكوز الدم بعد الأكل. وهم يخططون أيضاً لدراسة مدى وجود علاقة بين كمية إنتاج أنزيم الأميليز لدى الشخص وخياراته الغذائية، مع افتراض أن الأشخاص الذين تُفرز غُددهم اللعابية كميات أكثر من الأميليز يفضلون المنتجات الغذائية الغنية بالنشويات بسبب سُرعة تحول الجليكوز في الدم. النشا وسُكر الدم يمكن معرفة حالة السكر في الدم ومخاطر الإصابة بمرض السكُري من خلال معرفة كمية إفرازات أنزيم الأميليز ومعدل تسييل النشا في الفم. فالأشخاص الذين يهضمون النشا بشكل أسرع تكون في مستويات سكر دمهم نتوءات مسمارية أكبر، وهو ما يعني حاجة الجسم إلى إفراز كمية أكبر من الإنسولين. ويقول الدكتور أبيجيل مانديل من مركز مونيل إن الحاجة المستمرة لأجسام هؤلاء إلى الإنسولين قد تجعل منهم مقاومين للإنسولين، كما قد تتسبب لديهم في الإصابة بمرض السُكري إذا تعطلت وظيفة الجسم الخاصة بإنتاج الإنسولين. ويقول الدكتور بريسلين إن الأميليز وأنزيمات أخرى في اللُعاب قد تُساعد أيضاً على تفسير سبب اختلاف الذائقات التي تُحدد خياراتهم الغذائية والتي تتغير حسب العمر. فالعديد من الأطفال يكرهون، على سبيل المثال، بعض الفواكه بسبب لزوجتها أو زلق النوى الموجودة في قلبها. غير أن معدل تدفق لُعاب كل شخص يتباطأ مع التقدم في العمر، وهو ما من شأنه التأثير على قدرته في تسييل النشا في الفم وتقليل نسبة الإحساس بالميوعة. تعويد غذائي قام فريق الدكتورة دوفي في دراسة تمهيدية بإضافة مذاقات حلوة إلى بعض الخضراوات- أقل من ملعقة شاي واحدة في كل كوب من البروكلي أو الهليون أثناء الطهي- قبل تقديمها إلى أطفال ما قبل الروضة فوجدوا أن هؤلاء الأطفال أبدوا تقبُلًا أكثر لهذه الخضراوات. وعندما قُدمت لهم هذه الخضراوات مرةً أخرى بدون إضافة السُكر، لاحظ فريق البحث أنهم أحبوا تناوُل نفس الخضراوات أكثر من السابق نظراً للرابط الإيجابي الذي نشأ لديهم وترسخ لديهم عندما أكلوا بروكلي مُحلى دون أن يعرفوا. وتعليقاً على نتائج هذه الدراسة، تقول الدكتورة دوفي “هذه النتائج تدُل على أنه ينبغي على الناس أن يُركزوا على ما يرغبون في أكله، ثم يُعودوا أنفسهم على تناوُله. فإذا فعلوا ذلك فإنهم حتماً سينجحون”. عن “وول ستريت جورنال” بروكلي وسبانخ يلعب العامل الوراثي دوراً في تحديد اختيارات الناس الغذائية. إذ تختلف قدرة الناس وسُرعتهم في اكتشاف المذاقات المختلفة مثل الحلو والمر والدهني. وكشفت الدكتورة فاليري دوفي من جامعة كونيكتيكوت عبر آخر دراسة أنجزتها أن الأشخاص البالغين الذين لديهم جين استشعار المذاقات المرة أكثر يميلون إلى استهلاك كميات أقل من الخضراوات التي تحتوي على عناصر ذات مذاق مر إلى حد ما مثل البروكلي والسبانخ. وأضافت دوفي أن الاختيار الغذائي المبني على عوامل وراثية يمكن تغييره من خلال تعويد الشخص على تناول أطعمة ذات مذاقات مُرة نسبياً منذ سن مبكرة، سواءً كان ذلك بطريقة مباشرة أو بتخفيف مذاق المرارة من خلال التفنن في طريقة إعداد هذا الطعام وتقديمه.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©