الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هجمات «داعش».. آثار عكسية

16 أغسطس 2015 22:24
تمثل الضربات الجوية التي شنتها تركيا ضد تنظيم «داعش»، وقرارها بالسماح للطائرات الأميركية الحربية بالعمل من قواعدها الجوية، رد فعل مباشرا على الهجمات الإرهابية التي وقعت في مدينة «سوروج» التركية مؤخراً. والعلاقة بين السبب والنتيجة، تلقي الضوء على شيء، يتجه لأن يكون معضلة استراتيجية مركزية لـ«داعش». أيديولوجياً، يعتنق التنظيم الأساليب الجهادية التي طورتها «القاعدة» والقائمة على الهجمات الإرهابية ضد المدنيين التابعين لأنظمة يعتبرها التنظيم معادية. أما سياسياً، فإن أفضل فرصة متاحة للتنظيم للبقاء ككيان شبه مستقل، هي ترك جيرانه السنيين لحالهم، على أمل ألا يقوموا بتوفير القوات البرية، التي ستكون لازمة لهزيمته. والتناقض القائم بين الأيديولوجيا والسياسة، يوفر بصيصاً من الأمل للولايات المتحدة، التي تدرك أن هزيمة «داعش» ليست ممكنة ما لم تقم الدول السنية بالتفرغ لقتاله. ربما يصبح «داعش» غبياً للدرجة التي تجعله يستثير نفس الاستجابة التي ظلت الولايات المتحدة غير قادرة على توليدها، من خلال استخدام المنطق في إقناع جيرانه. والهجوم على المدينة التركية المذكورة هو المثال الأخير على هذه الديناميكية. وبالطبع كانت هناك أمثلة أخرى، منها الجريمة المروعة التي قام بها التنظيم عندما أحرق الطيار الأردني «معاذ الكساسبة» حياً، والتي استدعت رد فعل غاضباً من قبل العاهل الأردني. وبعد ذلك جاءت عملية قتل عشرات السياح معظمهم من البريطانيين في منتجع سياحي تونسي في نفس اليوم الذي شهد تفجير الكويت. بريطانيا من جانبها عدو لدود للتنظيم، وقد استغل رئيس وزرائها ديفيد كاميرون الهجمات المروعة الأخيرة، لتأكيد دعم بلاده لشن عمليات ضد «داعش»، وإن كان ليس من المتوقع أن تكون بريطانيا جزءاً من أي عمليات برية ضد التنظيم في المستقبل القريب، بسبب الإخفاقات في أفغانستان والعراق. وحسبما هو ظاهر أمامنا، فالاحتمال الأرجح هو أن يُمنى «داعش» بالخسارة نتيجة إقدامه على استفزاز تركيا، والأردن، والكويت، بل وحتى تونس. وهنا يكون السؤال: لماذا تحدث تلك الهجمات إذن؟ الإجابة الأكثر بديهية في هذا السياق هي أن «داعش» لم يرفض أبداً استراتيجية «القاعدة» القائمة على الهجمات الانتحارية. صحيح أنه يركز على غزو الأراضي والتمسك بها، في تناقض ظاهر مع استراتيجية «القاعدة» القائمة على مواجهة العدو وجهاً لوجه عند أقوى نقاطه. لكن هذا التناقض جعل التنظيم يبدو أكثر بشاعةً مقارنة بـ«القاعدة». وينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن العديد من مقاتلي «داعش» كانوا من قبل أعضاء في «القاعدة»، وأنه ليس هناك في واقع الأمر خط تقسيم عقائدي بين المنظمتين، وأن الفارق بينهما يكمن، فحسب، في الاستراتيجية المتبعة. هناك احتمال آخر ذو صلة، وهو أن القيادة المركزية للتنظيم، إذا ما كانت هناك مثل هذه القيادة على أرض الواقع، لا تستطيع توجيه جهود المهاجمين الانتحاريين الذين يعملون باسم التنظيم، أو حتى الحيلولة دونهم وشن مثل تلك الهجمات إذا ما أرادت. وهناك تفسير ثالث وأخير، هو أن التنظيم مواجه بحتمية استراتيجية قوية تدفعه للبقاء متحدياً على الصفحات الرئيسية للصحف العالمية، وخبراً رئيسياً على شاشات التلفاز، لذلك يلجأ إلى مثل تلك العمليات الانتحارية لتحقيق ذلك. هناك بصيص أمل ضئيل جداً يلوح في الأفق المعتم لاحتمالات هزيمة «داعش»، وهو أن هذا التنظيم يمكن هزيمته في نهاية المطاف، من خلال مزيج من الإسناد الجوي من قبل الولايات المتحدة، وقوات برية محلية راغبة في هزيمة التنظيم تعمل على الأرض. ورغم أن المليشيات الشيعية في العراق، وأحياناً قوات «البيشمركة» الكردية، هي القوات البرية الوحيدة التي أمكن حشدها ضد التنظيم حتى الآن، فإن الولايات المتحدة تحتاج بصورة ماسة إلى قوة عربية سنية على الأرض لكسب المعركة ضد «داعش». من الواضح أن الولايات المتحدة تفتقر للقدرة على إقناع جيران «داعش» بتوفير مثل تلك القوة، وبالتالي فإن الأمل المتبقي يتمثل في أن يتولى التنظيم عملية الإقناع هذه من تلقاء نفسه. فبهذه الطريقة، سيمكننا القول، على أقل تقدير، إن دماء بعض ضحايا التفجيرات الإرهابية، التي شنها التنظيم في الآونة الأخيرة، وما قبلها، لم تذهب هدراً. نوح فيلدمان* * أستاذ القانون الدولي بجامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©