السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باكستان وإنجاح الاستراتيجية الأفغانية

باكستان وإنجاح الاستراتيجية الأفغانية
15 نوفمبر 2010 21:19
مثلت الزيارة التي أداها أوباما إلى الهند مؤخراً فرصة أمثل لتعميق النقاش حول أفغانستان، وهي فرصة ظلت غائبة عن أذهان السياسيين لفترة طويلة، وتتجسد في التساؤل حول الطريقة الأفضل لاستيعاب مصالح باكستان في أفغانستان وتفهم المخاوف التي تحرك سياستها تجاه جارتها، فما لم نجد وسيلة مناسبة لمعالجة الانشغالات الباكستانية ستبقى أطراف سياسية في إسلام آباد مصرة على دعم جماعة "طالبان" وباقي المتشددين في المنطقة الحدودية بين البلدين، ومن الطبيعي في هذه الحالة ألا يتيسر القضاء عليها وألا يبذل ما يكفي من جهد للحد من المد الإرهابي المتعاظم على جانبي الحدود بين البلدين. وفيما يتفق معظم المحللين والمراقبين للوضع في أفغانستان على أن التعاون الباكستاني ضروري لإنجاح الاستراتيجية الأميركية هناك يفشل بعض من يتبعون هذا المنطق في إكمال النقاش والذهاب به إلى نهاية الطريق، فما لم تقنع الولايات المتحدة حليفتها باكستان بأن قضاءها على المتشددين لن ينال من مصالحها عبر الحدود فلن يكتب للاستراتيجية الأميركية النجاح بأي شكل. لكن ما هي يا ترى هذه المصالح التي تدفع بعض الباكستانيين إلى التردد في قطع علاقتهم مع بعض المنظمات والعناصر المتطرفة في أفغانستان؟ أولاً وقبل كل شيء تسعى باكستان إلى الحد من تواجد ونفوذ خصمها التاريخي في أفغانستان، الهند، واللافت أنه على رغم أهمية هذه النقطة لما تنطوي عليه من حساسية بالنسبة لباكستان، فإنها ظلت حتى اليوم غائبة عن النقاش الأميركي حول أفغانستان ربما بسبب التركيز الضيق على الإرهاب والأصولية الذي يعمي السياسيين الأميركيين عن المخاوف الحقيقية لإسلام آباد في أفغانستان. وأكثر من ذلك أججت الولايات المتحدة بتجاهلها لقضية النفوذ الهندي في أفغانستان هواجس باكستان وغذت لديها الريبة والشك من النوايا الأميركية، لاسيما بعد التشجيع الذي قابلت به الولايات المتحدة المحاولات الهندية لتوطيد وجودها في أفغانستان، بحيث أصبحت نيودلهي لاعباً أساسيّاً في أفغانستان ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والاستثماري، بل أيضاً في مجال تدريب القوات الأفغانية، وهذا التمدد الهندي في أفغانستان يثير في التصور الباكستاني خطر الهيمنة الهندية على المنطقة على حساب المصالح الباكستانية لذا تلجأ إسلام آباد، وبخاصة في أطراف الطبقة العسكرية المتحكمة في زمام الأمور، إلى التمسك أكثر بـ"طالبان" وجماعة "حقاني"، فضلاً عن جماعات متمردة أخرى ترى باكستان أنها هي الضمان الحقيقي لمصالحها في وجه النفوذ الهندي، وهو ما يؤثر على الأهداف الأميركية الساعية إلى ضمان استقرار أفغانستان والحد من العمليات التي يقوم بها المتمردون لتسهيل سحب القوات الأميركية في الموعد الذي حدده أوباما. ومع أن الهند تبقى في النهاية قوة مهمة في المنطقة وشريكاً محوريّاً للولايات المتحدة في القضايا العالمية، إلا أنه لابد من التذكير بأن من مصلحة الهند نفسها تشجيع باكستان على كبح المتمردين والمساعدة على استقرار أفغانستان. ولعل من الفطنة والذكاء بالنسبة للهند تقليص دورها في أفغانستان، ولذا كان يتعين على أوباما خلال زيارته إلى الهند التعبير عن هذا المطلب باعتباره يخدم المصالح الهندية قبل الأميركية. أما المصلحة الأساسية الأخرى التي تسعى باكستان إلى تحقيقها في أفغانستان فتتجسد في وجود نظام صديق لها في كابول، وهو أمر في الحقيقة صعب بالنظر إلى اعتداد الأفغان بأنفسهم ونزعتهم الاستقلالية المتكرسة منذ مئات السنين. بل إن بعض الأفغان لم يتصالحوا بعد مع فكرة أن جزءاً من البشتون يخضعون للحكم الباكستاني في المناطق الحدودية وفقاً للحدود الدولية الممتدة على طول خط "دورناد" الذي رسمه البريطانيون في عام 1893. ولكن في الآونة الأخيرة وبعيداً عن أي تدخل أميركي تحركت الحكومتان الباكستانية والأفغانية لحل بعض المشاكل العالقة بينهما، وهو ما يفسر إقالة كرزاي لرئيس مديرية الأمن القومي، "أمر الله صالح"، الذي يقال إنه كان مناوئاً لباكستان. وفي المقابل ردت باكستان بالكف عن إعاقتها مرور الشاحنات الأفغانية عبر الأراضي الباكستانية وأيضاً التوقيع على اتفاقية تجارية تسمح للقوافل الأفغانية بالمرور إلى الهند عبر باكستان. ولتعزيز هذا التوجه نحو مزيد من التعاون يتعين على الولايات المتحدة البناء على العلاقات الباكستانية الأفغانية وتعميقها أكثر من خلال إشراك باكستان في النقاشات المتمحورة حول السياسة الأميركية في أفغانستان بدل تجاهل مصالحها ومبادرتها في هذا الاتجاه. كما يتعين علينا تطمين باكستان بأنه بمقدورها هي أيضاً الإشراف على تدريب القوات الأفغانية وعدم قصر ذلك على الهند وحدها، وفي الوقت نفسه يتعين على كابول إرسال إشارات إيجابية إلى إسلام آباد لبناء مزيد الثقة المتبادلة، لاسيما إطلاعها على المسؤولين الذين تعتزم تعيينهم في المناطق الحدودية المتاخمة لباكستان، دون أن ننسى أيضاً تطمين كابول بأن الولايات المتحدة تعترف بالحدود الدولية وبخط "دورناد" الذي يفصلها عن باكستان. إن كل هذه الخطوات من شأنها إقناع الأطراف المعنية في باكستان بالتعاون مع المساعي الأميركية والكف عن لعب لعبتها المزدوجة ودعم بعض الجماعات المتمردة للحفاظ على مصالحها، وفيما لا نستطيع إرغام إسلام آباد على التخلي عن مصالحها في أفغانستان إلا أننا نستطيع في المقابل إقناعها بطرق جديدة للحفاظ على تلك المصالح، وخلافاً للفكرة السائدة فإنه من شأن إشراك باكستان في اجتراح حلول مفيدة لأفغانستان أن يخدم مصلحة الهند على المدى البعيد. ديفيد بولوك زميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©