الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المستحيلات ممكنة في المنمنمات الإسلامية

المستحيلات ممكنة في المنمنمات الإسلامية
5 سبتمبر 2014 20:27
الخل الوفي هو ثالث المستحيلات في أقوال العرب من بعد الغول والعنقاء أشهر الحيوانات الخرافية وأبعدها صيتاً في أساطير الشرق، ولكن المنمنمات الإسلامية حفلت بعدد أكبر من تلك الكائنات الأسطورية التي تم تصويرها وتجسيدها لتوضيح القصص والروايات والأشعار التي تحدثت عنها. والكائنات الخرافية هي في حقيقتها كائنات ملفقة تضم جزءاً من كائنات حية كالبدن أو الرأس، ثم تضيف إليها الروايات الأسطورية المنقولة عبر الأزمان أجزاء أخرى، ليست لها في الواقع أو تمنحها قوى خاصة أو ألواناً خيالية، وقد وردت حكايات شتى عن مثل تلك الكائنات في مختلف الحضارات القديمة، لا سيما حضارة الإغريق وحضارات الشرق الآسيوي قاطبة. العنقاء ويعتبر طائر السيمرغ الذي نعرفه في العربية باسم العنقاء هو الأكثر حضوراً من بين الكائنات الخرافية في المنمنمات الإسلامية، وقد ظهر أولاً في نسخ من المخطوطات التي تتناول الفريد من المخلوقات، حيث نرى أقدم صورة تمثل هذا الطائر الخرافي في مخطوط من كتاب منافع الحيوان لابن بختيشوع نسخت عام 1291م وهو محفوظ في مكتبة مورجان بنيويورك، وقد حاول الرسام أن يعبر في تصويره للسيمرغ عن الصفات كافة التي أسبغتها الروايات الأسطورية عن العنقاء الطائر القوي الضخم الذي يستطيع حمل إنسان والطيران به لأعالي الجبال، بالغاً عنان السماء الذي يتمتع بألوان تسع زاهية ولا مثيل لها في بقية الطيور. ألوان زاهية فنرى في تلك الصورة طائر السيمرغ قائماً على أرجله القوية وقد حفل ذيله المتموج وأجنحته الضخمة، وكذلك الريش حول عنقه بألوان زاهية كالأحمر والأزرق بدرجاتهما المختلفة، وقد جعل المصور منقاره مشابهاً لمنقار النسر ربما في محاولة للتأكيد على قوته وشراسته. وفي تصويرة من الشاهنامة نسخت في تبريز عام 1370 م وهي محفوظة بمتحف طوبقابو سراي نجد رسماً لطائر السيمرغ، وهو يحمل الطفل «زال» إلى وكره في أعلى جبال البرز بالهند وقد رسمه الفنان أيضاً على هيئة طائر ضخم بأجنحة ملونة وريش يتطاير منه بألوان زاهية، ومن المعروف أن الأسطورة الفارسية تتحدث عن الطفل زال الذي ولد وقد اشتعل رأسه شيباً فتطيّر منه أبوه وأمر بإبعاده إلى جبال البرز وهناك تعهده طائر السيمرغ بعنايته. والحقيقة أن مكانة طائر السيمرغ توطدت بصورة كبيرة في المنمنمات الإسلامية بعد أن قام الشاعر الفارسي الصوفي فريد الدين العطار بتأليف منظومته منطق الطير، إذ تحول هذا الطائر إلى رمز صوفي، ومن ثم اكتسب تصويره مغزى دينياً إسلامياً أبعد أثراً من الروايات الأسطورية للشاهنامة. السيمرغ وكما جاء في منطق الطير كان الاعتقاد السائد أن هذا الطائر الذي لم يره أحد يتخذ له وكراً على الشجرة التي تتجمع عندها كل البذور التي أنتجتها الأشجار في العام، وذلك على مقربة من شجرة الخلد أو الحياة الأبدية فإذا ما طار انتثرت الحبوب وأنبتت ألف شجرة، واعتبر العطار أن السيمرغ هو إله الطيور التي تسعى إليه بأعداد كبيرة في رحلة محفوفة بالمخاطر والشهوات، فلا يصل إليه في النهاية إلا ثلاثون طائراً، وذلك في إشارة رمزية لسعي المتصوفة للتجرد من الذنوب والشهوات. ومن الكائنات الخرافية التي ذاعت رسومها في صور المخطوطات التنين وهو يظهر بشكل خاص في الصور التي توضح قيام البطل بهرام جور بقتل التنين مثلما نرى على سبيل المثال في إحدى صور نسخة من الشاهنامة نسخت في شيراز عام 1370م، وقد رسمه المصور على هيئة ثعبان ضخم له زوجان من الأرجل، بينما تنطلق ألسنة اللهب من فمه وهو يزمجر غضباً أمام سهام بهرام جور. التنين ومن المعروف أن التنين حيوان خرافي تردد ذكره في أساطير عدد من الأمم، منها الصين واليونان والهند وإيران مع اختلافات يسيرة في أوصافه، وإن كان الأكثر شيوعاً منها تصويره على هيئة ثعبان ضخم قد يمشي على زوج أو زوجين من الأرجل، ويكاد الاتفاق أن يكون تاماً على أنه يحدث أصواتاً مرعبة عندما يهاجم، وأنه ينفث الدخان واللهب من فمه، وقد تبنى الفنانون المسلمون في رؤيتهم للتنين رؤية الحضارات اليونانية والهندية والإيرانية نفسها التي تتحدث عنه كرمز للشر، وذلك على النقيض من المفاهيم الصينية التي ترى في التنين قوة خيرة مسالمة تعمل لصالح الإنسان، ولذا فهو حاضر دائماً في صورة دمى وألبسة في الاحتفالات الصينية. ولم تخل المنمنمات الإسلامية أيضاً من صور العفاريت، خاصة في حال صراعها مع الأبطال الأسطوريين من أمثال رستم الذي قاتل بحسب الشاهنامة العفريت الأبيض سبهذ، وكذلك العفريت الأحمر وقتلهما عند مداخل الكهوف التي كانت تقوم بحراستها. ولا جدال في أن الإشارات المتكررة للجن في القرآن الكريم قد ساعدت على استخدام تصاوير العفاريت التي تعتبر الفئة الأخطر من الجن دون أن تكون هناك محاذير دينية تجاه تصويرها، ومن الملاحظ أن الصور النمطية للجن والعفاريت حسبما تواتر ذكرها في الأساطير الآسيوية قد تكررت في المنمنمات الإسلامية، فالعفريت دائماً له أرجل ذات مخالب وله رأس حيوان به عيون حمراء، وقد يرسم برأس آدمي وبرقبته طوق وبوسط الرأس خصلة واحدة من الشعر، كما أن له ذيلاً طويلاً وملتفاً لأعلى على الرغم من أنه يمشي على قدمين كالإنسان، وهو ما نراه في صورة لرست موعو يقتل العفريت الأبيض من مخطوط الشاهنامة الذي نسخ للأمير التيموري بايسنقر بهراة في عام 1407م. ويعتقد أن الوصف الذي أورده دانتي للشياطين في الكوميديا الإلهية إنما استمده من تصاوير المخطوطات الإسلامية التي كانت تحفل بها المكتبات الأوروبية. صور حوريات البحر ترتبط بتلصص الإسكندر المقدوني وردت في بعض المخطوطات من كتاب الشاهنامه صور لحوريات البحر وهي ترتبط بقصة مشاهدة الإسكندر المقدوني لها خلسة، وهي تستحم وقد رسمت في إحدى منمنمات مخطوط من الأشعار الفارسية محفوظ بمكتبة جلبنكيان بلشبونة في صورة آدمية مع وجود أجنحة مما يقربها من صورة الحوريات ويباعد بينها وبين عروسة البحر التي تحكي الأساطير اليونانية عنها باعتبارها كائناً نصفه الأعلى بشري ونصفه الأسفل عبارة عن ذيل سمكة. وهناك أيضاً صور توضح مشاهدة الإسكندر الأكبر لقوم يأجوج ومأجوج بملابسهم وهيئاتهم الغريبة وقد صورهم الفنان على هيئة آدمية طبقاً لخياله وقيام الإسكندر بقتل الكركدن وقد رسم في إحدى صور الشاهنامة بهيئة قريبة من حيوان وحيد القرن الذي يعرف أيضاً باسم الكركدن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©