الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

رسائل النبي·· ورد هرقل وكسرى والمقوقس

26 أكتوبر 2006 00:20
القاهرة -الاتحاد ( خاص): عندما تم صلح الحديبية وهدأت الأحوال، وجدت الدعوة الإسلامية متنفساً ومجالاً للتقدم، فكتب رسول الله كتاباً إلى ملوك العالم وأمراء العرب، يدعوهم فيها إلى الإسلام وإلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، واختار لكل واحد منهم رسولاً يليق به ويعرف لغته وبلاده، وقيل له إنهم لا يقبلون كتاباً إلا بخاتم فصاغ رسول الله خاتماً حلقته فضة ونقش فيه ''محمد رسول الله''· وكتب الرسول الكريم إلى ملك الروم هرقل يقول: ''بسم الله الرحمن الرحيم '' من محمد بن عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (أي الرعايا من الفلاحين والزراع)، يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون· واختار الرسول لحمل هذا الكتاب دحية بن خليفة الكلبي، وفي تلك الآونة كان أبو سفيان بن حرب على رأس تجارة لقريش بالشام، في المدة التي كان رسول الله قد سالم فيها أبا سفيان وكفار قريش بعد صلح الحديبية، فأرسل إليهم هرقل فأتوه وهم بيت المقدس فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم· فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟· فقال أبوسفيان: أنا أقربهم نسباً، فقال: إدن مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه· أتباع الرّسل ثم قال أبو سفيان: أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ فقلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، قلت: لا، قال: فهل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة (أي هدنة) لا ندري ما هو فاعل فيها، قال أبو سفيان: ولم تمكنني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم· قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه، قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة، فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب من قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله، فذكرت أن لا، قلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يتأسى بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا، فقلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون ؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك بماذا يأمر؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين· ثم قال هرقل بعد أن قرأ الكتاب لجمع من عظمائه وحاشيته: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت لكم ملككم وتتبعون ما قال عيسى بن مريم، قالت الروم: وما ذاك أيها الملك؟ قال: تتبعون هذا النبي العربي، فحاصوا حيصة حمر الوحش (أي فروا وهربوا من هذا الرأي) وتناجزوا ورفعوا الصليب· فلما رأى هرقل ذلك منهم يئس من إسلامهم وخاف على نفسه وملكه، فسكتهم ثم قال: إنما قلت لكم ما قلت لأختبركم لأنظر كيف صلابتكم في دينكم، فقد رأيت منكم الذي أحب، فسجدوا له· وصفت بعض الروايات حال هرقل وما كان يساوره من الأفكار في ذلك الوقت والمخاوف التي كانت تجول بخاطره فترغبه في اعتناق الاسلام، وانه كان لا يريد الدخول في حرب مع عدو جديد بعد ان فرغ من حروبه مع الدولة الفارسية، إذ كان يتوقع خطراً جديداً سوف يدهمه من ناحية هذه الدولة العربية الناشئة· ومما يدل على ان هرقل كان يصدر في ذلك الأمر عن بواعث سياسية أكثر منها دينية، انه جمع الجيوش الجرارة لمحاربة المسلمين في الشام وفلسطين ومصر، وغضب على المقوقس واستدعاه الى القسطنطينية حين علم انه دخل في صلح مع المسلمين، ثم نفاه وأرسل الى قواد الروم بمصر يوبخهم ويحثهم على مواصلة قتال العرب، وظل كذلك الى أن مات والعرب يحاصرون حصن بابليون· رسالته الى كسرى جهـز عبدالله بن حذافة راحلته ومضى إلى غايته حتى بلغ ديار فارس، فاستأذن بالدخول على ملكها، وأخطر الحاشية بالرسالة التي يحملها له من الرسول الكريم، فأمر كسرى بإيوانه فزين، ودعا عظماء فارس لحضور مجلسه فحضروا، ثم أذن لابن حذافة بالدخول على ملك فارس· فما إن رآه كسرى مقبلاً، حتى أومأ إلى أحد رجاله أن يأخذ الكتاب من يده، فقال عبد الله بن حذافة: لا ، إنما أمرني رسول الله أن أدفعه إليك يداً بيد، وأنا لا أخالف أمره· فقال كسرى لرجاله: اتركوه يدنو مني، فدنا من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده، ثم دعا كسرى كاتباً عربياً مِن أهل الحيرة، وأمره أن يفض الكتاب بين يديه، وأن يقرأه عليه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم·· من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام الله على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك· وعندما سمع كسرى هذه الرسالة (كما ورد فى دراسة منير عرفة: كيف أسلم باذان) اشتعلت نار الغضب في صدره، فاحمر وجهه، وانتفخت أوداجه، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام، بدأ بنفسه، وبدأه بقوله : من محمد رسول الله إلى كسرى، فكان تفكير كسرى تفكيراً شكلياً، ولم يفهم المضمون، ولم يهتم له، فغضب للشكل، مع أن النبى خاطبه بالعظمة فقال ( إلى عظيم الفرس)، وكان الرسول دقيقاً فى ألفاظه فلم يقل (سلام عليك) بل قال (سلام على من اتبع الهدى)، أي إن اتبعت الهدى فسلام عليك، وإن لم تتبع الهدى، فالسلام ليس عليك· وسمع أهل اليمن عن رجل يدعى النبوة من أهل مكة وسمعوا أنه خرج طريداً إلى يثرب وأقام بها قرابة عشرين· لكن ''باذان'' ما إن وصلته رسالة سيده كسرى حتى انتدب رجلين من خيرة رجاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملهما رسالة له، يأمره فيها بأن ينصرف معهما إلى لقاء كِسرى، دون إبطاء، وطلب إلى الرجلين أن يقفا على خبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يستقصيا أمره، وأن يأتياه بما يقفان عليه من معلومات· فخرج الرجلان الى غايتهما شطر المدينة، حتى إذا بلغاها علما مما رأيا من تعظيم أهل المدينة للنبي وحبهم له مدى خطورة المهمة التى أقبلا من أجلها، حيث إنهما لا يستطيعان أن يأتيا بمحمد إلا إذا أتيا بأهل المدينة أجمعين، نظرا للمحبة والفداء التي يكنها أهل المدينة للرسول· ولما دخلا عليه وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما، وأظهر ذلك لهما وقد أشاح بوجهه الى الجانب الآخر حتى لا ينظر إليهما وقال: ويلكما من أمركما بهذا؟· قالا أمرنا ربنا يعنيان كسرى فقال رسول الله ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي، ودفع الرجلان إلى النبى رسالة باذان، وقالا له: إن ملك الملوك كسرى كتب إلى ملكنا باذان ، أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد أتيناك لتنطلق معنا إليه فإن أجبتنا، كلمنا كسرى بما ينفعك ، ويكف أذاه عنك، وإن أبيت فهو من قد علمت سطوته وبطشه وقدرته على إهلاكك وإهلاك قومك· تبسم وقال لهما: ارجعا إلى رحالكما اليوم، وأتيا غداً، فلما جاؤوا الى النبي في اليوم التالي، قالا له: هل أعددت نفسك للمضِي معنا إلى لقاء كسرى ؟· فقال لهما النبي: إن ربي قتل ربكما الليلة· ولن تلقيا كسرى بعد اليوم، فلقد قتله الله، حيث سلط عليه ابنه شيرويه في ليلة كذا من شهر كذا وقتله·· لقد قتله الله، لأنه مزق الكتاب، فحدقا في وجه النبي، وبدت الدهشة على وجهيهما، وقالا: أتدري ما تقول، أنكتب بذلك لباذان؟ قال: نعم، وقولا له: إن ديني سيبلغ ما وصل إليه ملك كسرى، وإنك إن أسلمت، أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك· رسالته الى عظيم القبط قدم حاطب بن أبى بلتعة على المقوقس عظيم القبط في مصر، فقال له: ''إنه قد كان رجل قبلك يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فانتقم به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر بك غيرك، قال: هات، قال: إن ذلك دين لن تدعه إلا لما هو خير منه وهو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه، إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له يهود وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، وكل نبي أدرك قوماً فهم من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدركه هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكن نأمرك به· ''قال المقوقس: '' إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى إلا عن مرغوب عنه ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكاذب ووجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى· وجاء فى رسالة النبي: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبدالله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط· سلام على من اتبع الهدى، أما بعد· فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين· فإن توليت، فعليك إثم القبط· يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون · ورد المقوقس رداً جميلاً على كتاب النبي وأحسن وفادة رسوله حاطب بن أبي بلتعة الذي سأله: ''ما منعه إن كان نبياً أن يدعو على من خالفه وأخرجه من بلده؟ فقال حاطب: ما منع عيسى ـ وقد أخذه قومه ليقتلوه ـ أن يدعو الله عليهم فيهلكهم''؟ فقال المقوقس:''أحسنت أنت حكيم، جاء من عند حكيم''· أوشك المقوقس حاكم مصر من قبل الروم أن يسلم ولكنه لم يفعل خشية أن يسلبه الروم ملك مصر، ويمثل الرد على هدية المقوقس قمة التعامل الإنساني الذي يجسد عظمة المبادئ الإسلامية في الحياة الدنيوية· ولم يتعامل الرسول محمد مع مارية القبطية، معاملة متعة، أو (هدية)· بل أدخلها إلى نسبه، وأعطاها اسمه الكريم حين جعلها زوجة له، كذلك فعل حسان بن ثابت مع الجارية الثانية شيرين، وجاءت مارية إلى الرسول من عند سيدها جارية، فأصبحت زوجة لأعظم الخلق، وهل من نعمة للجارية أفضل من أن تدخل النظام الاجتماعي باعتبارها زوجة لها زوج يعيلها ويحميها وتشترك معه في الحياة الدنيا، تصونه وترعاه وتحمل اسمه وتنجب له الأبناء· تنشر بترتيب خاص مع وكالة الأهرام للصحافة
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©