الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوريون يواجهون البرودة بحرق مخلفات عصر الزيتون

سوريون يواجهون البرودة بحرق مخلفات عصر الزيتون
9 فبراير 2010 20:12
في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كانت مدفأة الحطب هي وسيلة التدفئة، وكان عدد مدافئ المازوت أو الكهرباء أو الغاز قليلاً جداً، وكانت محال بيع الحطب تنتشر في عدة أماكن من مدينة دمشق، وتسمى “المناشر”، ومنها كان يتزود أهل الشام بالحطب على شكل قطع محددة القياسات، كما أن عدداً من الباعة المتجولين كانوا يبيعون الحطب الذي يحملونه على ظهورهم أو ينقلونه على العربات (الطنابر)، كما أن الأفران والحمامات العامة كانت تستخدم عيدان القنب للوقود، ولاسيما منها فرن “التنور”. إلى ذلك، يقول أبو دياب (75 سنة):”كنا نشعر بمتعة الدفء مع رائحة الحطب المشتعل، لكن الزمن تطور، ودخل المازوت إلى البيوت برائحته غير المحببة”. ويذكر أنه قبيل موسم الشتاء كان يجول في حارات دمشق حطابون مهمتهم تقطيع الأخشاب والأغصان الجافة إلى قطع صغيرة لاستخدامها كوقود للمدفئة لقاء أجر زهيد، لكن هؤلاء لم يعودوا موجودين الآن. لقد تلاشوا وانتفت الحاجة لهم، كما غابت (المناشر) وباعة الحطب المتجولون، وأصبحت محطة الوقود أو سيارات توزيع المازوت هي البديل عنهم جميعاً. وعلى الرغم من معاناته من التغيير المفاجئ، فإن أبو دياب يبدو سعيداً بعودته لاستخدام الحطب كوقود للتدفئة، ويقول:”الماضي أجمل، وبالنسبة لي الحطب أفضل من المازوت، كما أنه أرخص لكن الدنيا تغيرت. لقد كان بيتنا العربي القديم واسعاً، وكنا نخزن الحطب في مكان محدد، أما الآن فأين نضع الحطب في هذه الشقة محدودة المساحة. العودة إلى الماضي جميلة، لكن الظروف تغيرت، ولا أعرف كيف سندبر أمورنا، ومن أين سنحصل على الحطب في مدينة دمشق”. في الريف أجمل في قرية (معربا) القريبة من دمشق، تبدو الأمور أسهل كثيراً، فالفلاحون استعادوا مدافئ الحطب القديمة التي ما زالوا يحتفظون بها، كما أن الحصول على الحطب أكثر سهولة، من خلال تقليم الأشجار، وتقطيع الأشجار اليابسة من الحقول، كما أن البيوت العربية القديمة فيها متسع لتخزين الحطب وتجفيفه. يقول أبو محمود (66 سنة):”رب ضارة نافعة، أنا أظن أننا كنا مخطئين باستخدام المازوت للتدفئة، لقد ركضنا وراء (الموضة) ونسينا أنفسنا، والآن مع ارتفاع أسعار المازوت وضيق ذات اليد، فإننا نعود إلى ما كنا وكان آباؤنا عليه، وهو أجمل. وهذه السنة فوجئنا بالتغيير، لكننا سنستعد للسنة القادمة”. وفي محافظات إدلب واللاذقية ودير الزور ودرعا والسويداء وطرطوس وحلب وأريافها لا يختلف الأمر كثيراً عن ريف دمشق، فقد عاد الناس إلى مدفأة الحطب، وإن كانت لم تغب تماماً عن هذه الأرياف، لكنها الآن تحضر بقوة، وقد استجابت ورش الصناعة لهذا المتغير، فطرحت في الأسواق مدافئ الحطب من جديد، وبحسب بعض الإحصائيات فإن مبيعات مدافئ الحطب ارتفعت بنسبة 50%، بينما تراجعت مبيعات مدافئ المازوت إلى حدود تقترب من الصفر! وقد فوجئ المواطنون بنماذج جديدة وعصرية لمدفئة الحطب. ومن البديهي أن حطب الوقود في الأرياف متوافر ومتنوع أيضاً، فحصيلة تقليم الأشجار توفر كمية لا بأس بها، كما أن دوائر الحراج تبيع سنوياً ما يتوفر لديها من ناتج عمليات التقليم وقلع الأشجار اليابسة أو المزاحمة أو التي يكون نموها ضعيفاً في المحميات، ثم تقوم بتجميعها وطرحها للبيع للمواطنين بسعر (1300) ل.س للطن الواحد. لكن الحاجة إلى الحطب في مختلف أنحاء سوريا رفعت أسعاره، حيث يتراوح سعر الطن الواحد ما بين (4500) و(7000) ليرة سورية، ومع ذلك يظل أقل كلفة من استخدام المازوت. وهذا الوضع الجديد دفع ببعض السوريين في مناطق الأرياف إلى الاعتداء على الغابات والمحميات، والاحتطاب منها، على الرغم من أن القانون السوري صارم بهذه المسألة، فهو يعاقب بالسجن لمدة ثلاثة أشهر مع الغرامة المالية، لكل من يقطع شجرة. بدائل مبتكرة أثبت السوريون أنهم سريعو التكيف مع المستجدات، كما أثبتوا قدرتهم على ابتكار الحلول البديلة والناجعة لوقود التدفئة، فقد لجؤوا إلى مخلفات الزيتون كبديل، ولاسيما أن هذه المخلفات سريعة الاشتعال وآمنة، وتؤمن ديمومة اشتعال أطول في مدافئ الحطب، ويطلق على هذه المخلفات أسماء عديدة بحسب المناطق، ففي طرطوس واللاذقية تسمى “التمز” وفي إدلب يسمونها “الجفت” وفي مناطق أخرى “العرجوم”. أما المختصون العلميون فيسمونها “التفل”. ويقدر مركز البحوث العلمية الزراعية أن كميات “التفل” لعام 2010 ستصل إلى حدود (500) ألف طن، وكانت هذه الكمية الكبيرة تقلق الحكومة لأنها تسبب تلوثاً للبيئة والأراضي الزراعية. فجاء ابتكار مواطنين ليجعل من هذه المادة وقوداً للمدافئ، وليخلص الحكومة السورية من قلقها جراء تلوث البيئة سابقاً بهذه المادة، فقد أقام أحد المواطنين في محافظة إدلب معملاً لصناعة وإنتاج “الجفت” بأحجام وأوزان متساوية، وجلب لهذا المعمل المعدات من تركيا التي سبقت في استخدام هذه المادة كوقود للتدفئة وأغراض صناعية أخرى. ووفر هذا المصنع حاجة الناس من هذه المادة، بل إنه يسوق كميات من إنتاجه للمحافظات السورية الأخرى، كما يصدر كميات إلى لبنان وتركيا. ويعتبر “الجفت” بديلاً رخيصاً للمواطن السوري، حيث أصبح حوالي ثلث المواطنين في إدلب وريفها يعتمدون عليه في التدفئة عبر مدافئ الحطب، ولاسيما أنه يتم تجهيزه في قطع طول الواحدة 30 سم وعرضها 10سم، ما يجعله سهل الاستخدام. ويقول أحد العاملين في مركز البحوث الزراعية العلمية إن “الجفت” يعتبر من أجود أنواع الوقود، لأنه قليل الدخان وعديم الرائحة. وهكذا فقد أوجد المواطن السوري الحلول لحكومته التي كانت تشكو من أن نصف ميزانيتها السنوية كان يذهب لدعم أسعار المازوت، وأنها تخسر يومياً 750 مليون ليرة سورية (حوالي 17 مليون دولار) جراء هذا الدعم.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©