السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النفس اللوامة وقاية للمسلم من الانحراف والمعاصي

النفس اللوامة وقاية للمسلم من الانحراف والمعاصي
20 أغسطس 2011 22:28
النفس اللوامة التي تلوم عند التقصير وتحاسب عند الإخلال بالتكاليف والواجبات الشرعية أو عند الوقوع في الأخطاء والمعاصي، وهي من أفضل الأنفس عند الله لأنها تعمل كرقيب على الإنسان حتى لا يقع في المعاصي وتلوم صاحبها وتشعره بالذنب عندما يخرج عن دائرة الصواب إلى دائرة الانحراف وتعتبر بمثابة الناهي عن الخطأ والمرشد إلى الصواب، وهي التي أقسم بها الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى في سورة القيامة (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة) «الآيتان 1 - 2»، وتعتبر النفس اللوامة درجة وسطى بين النفس المطمئنة والنفس الأمارة بالسوء والرقي من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة يحتاج إلى الاعتراف بالذنب وغسل الذنب بالدموع والعودة إلى الله والتوبة النصوح، (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى). ويقول الدكتور محمد عبد الغني شامة أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر: جاء في تفسير هاتين الآيتين أن المقسم به هنا البعث بعد الموت وقيام الناس من قبورهم ووقوفهم بين يد الله عز وجل ينتظرون ما يحكم به ربهم وجميع النفوس الخيرة والفاجرة سميت لوامة لكثرة ترددها وتلومها وعدم ثبوتها على حالة من الأحوال وعند الموت تلوم صاحبها في الدنيا على ما حصل منه من تفريط أو تقصير في حق من الحقوق أو غفلة، فجمع الله تعالى في الآيتين بين الإقسام بالجزاء وعلى الجزاء ومستحق الجزاء، ثم أخبر الله سبحانه وتعالى أن بعض المعاندين يكذبون بيوم القيامة، فقال تعالى بعد هاتين الآيتين: (أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه) أي بعد الموت. سورة القيامة وتتحدث سورة القيامة عن هؤلاء الذين لا يخافون الآخرة لأنهم لا يؤمنون أو لا يريدون أن يؤمنوا بها. وقد ورد في سبب نزول هذه السورة أن واحداً من هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة واسمه عدي بن ربيعة وكان جارا للنبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه فقال له: متى يكون يوم القيامة وما أمره؟ فأخبره به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الرجل: يا محمد لو عاينت ذلك اليوم ما صدقتك ولم أؤمن بك أو يجمع الله هذه العظام وأشار إلى عظام كانت أمامه فأنزل الله تعالى هذه الآيات. لقد أقسم الله بيوم القيامة على أنه حقيقة ثم أقسم بالنفس اللوامة فقال: «ولا أقسم بالنفس اللوامة» أقسم الله بيوم القيامة وهو يوم غائب سيأتي ولا شك. ثم أقسم بالنفس اللوامة التي بين جنبي الإنسان، ولكنه لا يعلم حقيقتها. والله تعالى يقسم بيوم القيامة على أنه حق ولا يقسم بالنفس اللوامة على أنه أمر معروف لديه. والإنسان لا يعرف النفس اللوامة، كما يعرفها الله لذا يقسم بها الله تعالى على أساس علمه بها لأن الله تعالى يقسم بالحق ومعرفة الإنسان لم تصل إلى القطع الذي لا يحتمل أدنى شك فمعرفة الإنسان نسبية وأما معرفة الله عز وجل فهي قطعية. واختلف في تحليل النفس اللوامة كثير من أهل العلم فقال بعضهم: هي لا تثبت على حال واحدة، تتلون وتتقلب وتذكر الله كثيراً، وتغفل عنه قليلاً وترضى وتعرض وتتلطف وتنيب وتحب وتبغض وتفرح وتحزن وتسر وتغضب وتطيع وتتقي وتفجر. وقالت طائفة من الأئمة: إن النفس اللوامة هي نفس المؤمن وأن هذا اللوم إنما من صفاته المجردة، ويقول الإمام الحسن البصري في أدب الدنيا والدين: إن المؤمن لا تراه إلا ويلوم نفسه دائماً. ويرى بعض الصوفية أن النفس اللوامة هي نفس المؤمن التي توقعه في الذنب وهي التي تلومه على ما اقترف من ذنوب، ويعتبر اللوم هنا نوعاً من الإيمان لأن الشقي لا يلوم نفسه على ذنب وإنما يلوم نفسه على ضياع المعصية والذنب إذا ضاع منه. وقالت طائفة أخرى إن اللوم يأتي من نفس الفاجر والمؤمن والسعيد هو الذي يلوم نفسه على ارتكاب المعاصي وترك الطاعات والشقي هو الذي لا يلوم نفسه إلا على فوات حظها وهواها. وذهبت فرقة أخرى إلى أن هذا اللوم إنما يقع يوم القيامة، كما جاء في السورة الكريمة لأن كل إنسان في هذا اليوم يلوم نفسه على ما اقترفه من ذنوب في حياته. وأفضل النفوس التي لامت نفسها في طاعة الله وصبرت على لوم اللائمين في سبيل الله ومرضاته النفس التي لا تأخذها في الحق لومة لائم. أما التي رضيت عن أعمالها ولم تلم نفسها فهي التي يلومها الله عز وجل لأنها نفس لوامة ملومة جاهلة ظالمة وفي هذا يقول ابن عباس: ما من نفس إلا وتلوم نفسها يوم القيامة. فإن كانت طائعة فإنها تلوم نفسها على قلة الطاعة وإن كانت عاصية فإنها تلوم نفسها على المعصية. ويقول الحسن البصري - رحمه الله - لا يزال المؤمن بخير ما دام له واعظ من قلبه. والمؤمن ما زال بخير ما دام هناك واعظ في قلبه يعظه إذا كان فعل طاعة واستقصر فيها وذكر التفريط فيها وإن فعل معصية حدثته هذه النفس أنه أذنب وينبغي عليه أن يتوب إلى الله رب العالمين. مهاوي الهلاك والنفس الإنسانية تستطيع أن تلقي الإنسان في مهاوي الهلاك إذا استجاب لغرائزها وانطلق وراء شهواتها واستمع لوسوستها، كما فعل السامري حين زين لبني إسرائيل في غيبة نبي الله موسى وهو ينادي ربه على جبل الطور أن يعبدوا العجل وأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار فقال هذا إلهكم وإله موسى وظلوا عليه عاكفين حتى جاء موسى وقاوم هذه الفتنة وقال له السامري فعلت كذا»، وكذلك سولت لي نفسي»، ولابد من جهاد هذه النفس والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «المجاهد من جاهد هواه» والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله ومن جاهد نفسه حاسبها وحاكمها وعمل لما بعد الموت والإنسان المؤمن لابد أن يجاهد هواه ونفسه حتى تنتقل من نفس أمارة بالسوء إلى نفس لوامة تكثر اللوم لصاحبها إذا قصر في فعل واجب أو وقع في فعل شر تلومه وتؤنبه وتقول له لماذا فعلت كذا ولماذا لم تفعل كذا؟ كأنها تحاسبه والتأنيب الداخلي والمحاسبة واللوم الذي يسمونه الآن الضمير الحي هو النفس اللوامة. النفس الإنسانية واحدة الإيمان بالله وبالدار الآخرة وبالحساب والثواب والعقاب ينقذ النفس اللوامة من العذاب، ويحيي هذا الضمير، وينجي هذه النفس اللوامة التي تلوم صاحبها دائماً ولا تتركه يهنأ بعيش أو ينعم بنوم لأنه قصر في حق من حقوق الله. والنفس الإنسانية واحدة ليست نفوساً ثلاثة، ولكن لكل واحدة من هذه الأنفس مرتبة ترقى إليها بالمجاهدة، كما قال تعالى: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين»، وجهاد النفس ليس بالأمر السهل ولا بالشيء الهين لأنه يحتاج إلى يقظة وعمل مستمر ورقابة داخلية للإنسان، حيث يراقب أعماله من دون أن تكون عليه رقابة خارجية وهذا الذي يرقى بالنفس.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©