الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الشربات» يقصي المشروبات الغازية عن موائد الجزائريين

20 أغسطس 2011 22:41
مع حلول شهر رمضان من كل سنة، يكفّ أغلب الجزائريين عن تناول المشروبات الغازية التي تعوّدوا على استهلاكها طيلة 11 شهراً ليتجهوا إلى اقتناء مشروب آخر محلي يطلق عليه اسم «الشَّربات» أو «الشاربات»، حيث يقبل عليه المستهلكون بشكل شبه كلي طيلة رمضان، ما يجعل ماركات المشروبات الغازية العالمية والمحلية تصاب في مقتل خلال هذا الشهر ولا تستعيد جمهورها إلا بعد انقضائه، حيث تختفي «الشربات» من المحلات والأسواق وتترك لها المجال مجدداً. ظهر «الشربات» منذ سنوات عديدة في منطقة بوفاريك (35 كلم غرب الجزائر)، حيث بدأ أصحاب حقول الليمون الشهيرة هناك، ينتجون منها عصيراً مميزاً يختلف في نكهته عن عصير الليمون المعروف، إذ يضيفون إليه مواد أخرى تعطيه نكهة غير مألوفة وجذابة. سرية المكونات على غرار «الزلابية» حرص أهل بوفاريك على إبقاء مكوِّنات هذا المشروب أيضاً في طي الكتمان لاحتكار إنتاجه وتسويقه، إلا أنهم لم ينجحوا في ذلك سوى لبضع سنوات، ثم تسربت «وصفة» المشروب إلى مناطق أخرى بالوطن، وأصبح الكثير من التجار ينتجونه في شهر رمضان. ولم يعودوا مضطرين إلى السفر إلى بوفاريك كل يوم لاقتناء كميات كبيرة منه وتسويقها في مختلف المدن المجاورة، حتى وإن تظاهر بعض منتجيه في وُرش داخل بيوتهم أو محالهم، بجلبه من بوفاريك، بغرض تسويقه. وإزاء الأرباح الكبيرة التي تدرّها المتاجرة بـ»الشَّربات» تزايد منتجوها بشكل لافت في السنوات الأخيرة، فلا يكاد يحل شهر رمضان من كل سنة حتى يقوم أصحاب العديد من المقاهي والمطاعم والمحال المختلفة بتغيير نشاطهم لإنتاج هذا المشروب الذي يقبل عليه الجزائريون بكثرة في هذا الشهر تحديداً، ومن ثمة بدأ المشروب يفقد نكهته وجاذبيته، يقول عثمان بلحواس، منتج «شَربات» بالجزائر العاصمة «الكثيرُ من التجار لا يحترمون شروط ومعايير إنتاجه، فقد لاحظوا مدى الإقبال الشعبي عليه والأرباح التي يدرّها فأصبحوا ينتجونه كيفما اتفق طمعاً في تحقيق أرباح كبيرة قبل انقضاء الشهر الكريم، ما يؤثر سلباً في شعبية المشروب وقد يفضي إلى عزوف الناس عنه تدريجياً». ويضيف «يجب أن نعترف بأن «شَرْبات» السنوات الماضية أفضل بكثير من التي تُنتج حالياً في مختلف الورش، ليس لكثرة الدخلاء على المهنة فحسب، بل أيضاً لأن المشروب أصبح يُحضّر اصطناعياً ولم يعد الليمون يدخل في تركيبه لغلاء أسعاره في رمضان». بدائل صناعية كان سعر الليمون يتراوح بين 20 و30 ديناراً فقط قبل رمضان، ثم تصاعدت أسعاره كالصاروخ في الشهر الفضيل وتضاعفت بنسبة ألف في المائة في بعض الأحيان، وأصبح سعر الكيلوجرام منه يساوي سعر كيلوجرام من الدجاج، وهذا بسبب كثرة استعماله في مختلف الأطباق الرمضانية بالجزائر، ما دفع منتجي «الشَّربات» إلى التخلي عنه في تحضيرها وتعويضه بحمض السيتريك والسكر ومواد اصطناعية أخرى، ما يعطيه في النهاية نفس مذاق «الشَّربات» الطبيعية، يقول السعيد بوعتورة، منتج «شَربات» ببلوزداد بالجزائر: «هناك 11 مادة مختلفة تدخل في إنتاج الشَّربات، ولا يوجد أحدٌ الآن ينتجه بالليمون الذي أصبح حتى النوع الرديء منه يباع بمائة دينار، ولو أنتجناه بالليمون لتحتّم علينا بيع الكيس الواحد بسعر غال وحينها لن نجد من يشتريه منا». تفضيل ويباع الكيس الواحد من «الشَّربات» ذو سعة واحد لتر بـ35 ديناراً جزائرياً (نحو نصف دولار)، والكيس ذو اللترين بـ70 ديناراً (دولار واحد)، ولا تختلف هذه الأسعار عن أسعار المشروبات الغازية العالمية التي تنتج برخصة في الجزائر، أو أسعار المشروبات المحلية، إلا أن الجزائريين يفضلون «الشربات» تحديداً في رمضان، وهناك من يقتنيها كل يوم ولا يقبل أن تخلو منها مائدته طيلة هذا الشهر، يقول علي حمزاوي، طاه بمطعم جامعي «أقتني الشربات يومياً وأفضلها على المشروبات الغازية لأني أعاني مشكلة في القولون وهو لا يسبب لي غازات أو انتفاخاً عكس المشروبات الغازية، أعتقد أنه صحي بالرغم من كل ما يروج عن إمكانية تسببه بأضرار صحية». شروط الحفظ وفي الأسواق يلاحظ أن هناك شباناً وحتى أطفالاً أحياناً، يبيعون أكياس «الشَّربات» الشفافة على طاولات في الهواء الطلق، تحت درجة حرارة لا تقل عن الثلاثين هذه الأيام بالجزائر، وبعيداً عن شروط الحفظ والتبريد، ويكتفي بعضُهم بغمس الأكياس داخل إناء مليء بالمياه لحفظه من الشمس، ومع ذلك لا يتعرّض أعوانُ الرقابة وقمع الغش لهؤلاء ولا يصادرون سلعتهم التي يمكن أن تتسبب بأضرار صحية للمستهلكين. في هذا الإطار، يقول الدكتور رشيد حميدي، طبيب عام، إن تعرُّض المشروب لأشعة الشمس يعرِّض محتوياته الكيماوية إلى التأكسد حيث تتحول إلى مركّبات سامة تفضي إلى مضاعفات صحية للمستهلك، خاصة إذا بقيت هذه الأكياس مدة طويلة دون أن تباع، ما يعرض المستهلكين إلى تسممات غذائية. من جهتهم، ينفي التجار تهم الإهمال والتسيب ومخالفة قواعد الحفظ والتبريد، يقول أمْحمّد مرّادي، منتج «شَربات» بمنطقة الرويبة (25 كلم شرق الجزائر)، وهو يفتح ثلاجة كبيرة بمحله «أنظروا، الثلاجة مليئة بأكياس الشَّربات، ونحن لا نعرض سوى عدد محدود منها فوق الطاولة في مدخل المحل للبيع، وبعد أن تنفد بسرعة، نُخرج أعدادا محدودة أخرى لتحل محلها، ليس هناك أكياس تتجاوز الساعة وهي فوق الطاولة». ويضيف مرّادي «ربما كان هناك تجار شبان يخالفون قواعد الحفظ والتسويق ويعرضونها تحت درجة حرارة عالية في الأسواق الفوضوية، لكن أصحاب المحال يحترمون هذه الشروط للحفاظ على زبائنهم الدائمين أولاً، ولتجنب حدوث تسممات غذائية ينجم عنها إغلاق محالهم ثانياً، لا أحد يريد تعريض تجارته ومصدر رزقه للخطر، والحمد لله أنه لا أحد من الزبائن اشتكى من أي تسمم بعد مرور نصف رمضان». وبرغم كل التحفظات، يزداد الطلب على «الشربات» كل مساء، ويبلغ الذروة قبل الإفطار بنحو ساعة، حيث يكون العطش قد بلغ مبلغاً كبيراً بعدد غير قليل من الصائمين في هذا الحرّ الشديد، فلا يجدون مناصاً من اقتناص عدة أكياس من «الشربات» لإرواء ظمئهم مع آذان الإفطار.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©