الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شيخة سعيد: الرجال يسافرون لجلب احتياجات العيد والنسوة يخطن ويطرزن ملابسهن

شيخة سعيد: الرجال يسافرون لجلب احتياجات العيد والنسوة يخطن ويطرزن ملابسهن
16 نوفمبر 2010 20:07
لا يزال معظم الأجداد يعيشون في الماضي بأرواحهم وذاكرتهم وتعلقهم بالمكان والزمان حين كانت الأرض صحراء والطبيعة قاسية، لكنهم يجدون لذة في تذكر لحظاتهم السعيدة لأن ما كان يضفي على حياتهم ألق الحبور هو الروابط التي لا تزال بقاياها حتى اليوم في بعض مناطق الدولة. وكان لعيد الأضحى روحانيات وقدسية في قلوب أبناء الإمارات تسترجعها ذاكرة الجدة شيخة سعيد من رأس الخيمة. على ناصية الطريق أمام باب بيت جارتها كانت شيخة سعيد تفترش مع الصديقات والقريبات حصيرة، وتلك الجلسة هي عادة لا تزال تمارس حتى اليوم في المناطق التي لا يجرؤ غريب على المرور في طرقاتها إلا بالخطأ أو عابر سبيل مسرع لأن غالب الجنسيات هناك يعرفون من خلال رجال تلك القرى أن من يتجول بلا حاجة أمام البيوت خاصة في وجود النساء فإنه سيساق بسرعة إلى أقرب مخفر أو مركز للشرطة فلا وجود للمتطفلين. تقارب وتواصل تقول شيخة، التي تجاوزت السبعين من عمرها، إنها تشعر بالحنين إلى العيد في قديم الزمان، حيث كان ما يجعل تلك الأعياد أجمل هو التقارب والتواصل بشكل يومي، ولذلك كان الإنسان عندما يحتفل بالعيد يشعر أن هناك أسرة كبيرة ستشاركه الفرحة لأن الأقارب والجيران كانوا هم الأسرة، والأطفال يخرجون ويدخلون في كل البيوت قبل أيام العيد بشكل ينم عن شوق كبير للعيد لأن البيوت كانت كلها تترك مفتوحة ولم يكن هناك خوف على أي طفل من الخروج والدخول حتى لو كان في الثانية من العمر مع بقية أخوته وأخواته”. وتضيف أن الرجال يرحلون قبل العيد بعدة أشهر وربما كان الخروج في شهر رجب إلى إمارة الشارقة وإمارة دبي وإلى الفجيرة للبحث عن كل ما تحتاج الأسرة للعيد، لأن الطريق بعيدة والقوافل تخرج على الإبل عبر طرق وعرة، ولذلك يتم شراء احتياجات رمضان والعيدين لأن الكسوة كانت عبارة عن قطع من الأقمشة ولذلك تكون بحاجة لتفصيل وخياطة والبعض منها بحاجة للتطريز يدوي”. وتوضح “النسوة يجتمعن في جلسة مشتركة لتناول وجبة خفيفة في وقت الضحى قبل العيد، وفي ذات الوقت تشتغل كل من تعرف الخياطة والتطريز في الكسوة لتحيك لنفسها ولكامل أسرتها، ومن لا تستطيع لأي سبب فإن المجموعة تتشارك من باب العون والتطوع لتجهيز كسوة أسرة صديقة، وأيضا تكون هناك أعمال أخرى يجب إنجازها مثل جمع الحطب لطهي اللحم للعيد وصنع القهوة والخبز، وذلك أيضا عمل مشترك ربما يكون شاقا ولكن النساء يتغلبن على قسوة العمل بالضحك والثرثرة ومحاولة توقع ما سيحدث في العيد”. عودة الغائبين تقول شيخة “عندما يعود الرجال محملين باحتياجات العيدين بعد فترة طويلة من الغياب، يأتون معهم بالقهوة الخضراء في صرة من القماش، وأيضا بالسكر وحبوب القمح. ويتم تحميص القهوة بمقدار الحاجة لأيام معدودة كي تبقى طازجة، كما تقوم النسوة بطحن الحبوب ومنها القمح بالرحى لصنع الهريس، أو لسحق الأرز لصنع العصيدة الخاصة بأهل الجبل، وهي عبارة عن أرز مطحون يتم تحميصه على وعاء بدون أي زيوت، ثم يسكب في قدر ويحرق شيء من السكر حتى يصبح ذهبيا ويضاف إلى الأرز ثم يضاف الهيل والزعفران والسمن المحلي وذلك جزء من الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى”. وكان الناس يقضون، وفقها، الأيام العشرة من ذي الحجة في صوم واستغفار ويرددون التكبيرات تعظيما لله، ومنهم من يذرف الدمع لأنه لم يكن مع الحجيج في بيت الله في موسم الحج، والبعض يبقى يكرر الدعاء أن يمن الله عليه بالحج في العام التالي، والأطفال يراقبون كل تلك الطقوس وربما تلجأ بعض العائلات لتعليم أبنائها الكبار كيف يقلدونهم ويخبرونهم لماذا يفعلون ذلك حتى ينشأ الصغار على تعظيم الأيام العشر من ذي الحجة. وتوضح شيخة أن الناس كانوا يعتقدون أن من ينوي الأضحية عليه أن يكون مثل المحرم من أول يوم في العشرة من ذي الحجة، حيث لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يتحلل بذبح الأضحية بعد صلاة العيد، ولكن مع الوقت عرف الناس عن طريق المشايخ أن كل ما عليهم أن يفعلوا ذلك من لحظة النية بتقديم أضحية، ولو قبل يومين من الوقوف بعرفة ثم يتحلل ويقص أظفاره ويأخذ من شعر لحيته إن كان رجلا أو أن يحلق بعد الانتهاء من ذبح الأضحية. صعود عرفة تبين شيخة أن الأيام التي تسبق العيد كانت تمر بوقار يتناسب مع لحظات انتظار صعود الحجيج إلى عرفة، والكل يدعو لهم وعندما يصبح يوم العيد يكون كل شخص مستعد لاستقبال العيد، فيقوم الأهالي لصلاة الفجر مثل عادتهم في كل يوم إلا أنهم في هذا اليوم يستعدون للخروج لصلاة وخطبة العيد في المصلى. يتناولون التمر والقهوة لكسر صيام يوم عرفة لأنهم أصبحوا في يوم عيد، ويخرجون في جماعات على الأقدام إلى المصلى، وتكون الطرقات عامرة بالأطفال وهم بملابسهم المزينة بالتطريز اليدوي. أما النساء فإنهن يختمرن بالسواد خاصة الشابات منهن وتحت العباءة والشيلة يلبسن البراقع الجديدة، وترى الرجال في كناديرهم الجديدة، والثوب المورس وهو الذي ينقع في أعشاب الورس لتمنحه اللون والرائحة، وهناك الثوب المغسول بالنيل كي يصبح مائلا إلى الزرقة الفاتحة كبديل عن لونه الأصلي وهو الأبيض. حركة نشطة وبعد صلاة العيد، تقول شيخة، يصافح الجميع بعضهم ويهنئون بعضهم ليس بالعيد فقط ولكن لأن الله منحهم عمرا كي يعود عليهم العيد، ولذلك يقولون “عساكم من العايدين السالمين” أي أيضا يدعون لبعضهم أن يعيشوا ليشهدوا العيد المقبل، وبعد الخروج من باب المصلى يحلف الرجال على بعضهم البعض للمرور لتناول فوالة العيد، وقد كانوا يجمعون ما تم طهيه وصنعه على سفرة قريبة من المسج، ثم يقومون بزيارة إلى بيت الأمير أو والي المنطقة، ويعايد كل فرد من أفراد الأسرة على بعضهم، وبعد ذلك تخرج النساء في مجموعات من بيت إلى آخر للسلام على كبار السن وللجلوس قليلا لتناول فوالة العيد، وتقام بعض الأنشطة الفلكلورية من أهازيج وقول الشعر. تكون طرقات المناطق، وفقها، نشطة بالحركة والأطفال يمرون في جماعات على البيوت من أجل العيدية ولتناول الحلويات، ولا يكون هناك أي متخاصمين قبل أن يصبح الناس في صباح يوم العيد، فالجميع قد تراضوا ويصطحبون بعضهم في مجموعات للجلوس في مكان ما للتحدث، وفي غالب الأمر يقرر الرجال من أعيان المنطقة أو القرية الخروج للسلام على الحاكم، ويكون ذلك بالخروج على الدواب مثل الإبل والبغال، ولكن بعضهم كان يقطع الطريق من منطقة إلى أخرى سيرا على الأقدام. وكل من لهم أهل في مناطق أخرى يخصصون لهم يوما من أيام العيد ويخرجون لزيارتهم، وهم يحملون معهم ما تم إنتاجه يدويا من سمن وإقط وربما بعض الدواجن، والبعض يحمل بعض الرؤوس من الماعز إن كان مقتدرا. وتكون غالب أيام العيد هي أوقات الأعمال فيها جماعية، سواء لتناول الطعام أو الجلوس للتحادث والتسامر، وإن كان بين الأهالي من هو في حال من الحاجة للمال فالعيد فرصة لمنحه ما يحتاج دون أن يشعر أن تلك العطايا من باب العطف، وبالعكس فهم يشعرونه أنها جزء من أقل ما يمكن أن يهدى فيقولون “العيد ما به كرم” أي أن كل شيء متوافر أصلا بسبب العيد وليس كرما من الشخص، مثل شيء من اللحم وإرسال بعض إطباق الطعام والحلوى.
المصدر: رأس الخيمة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©