الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البرازيل.. استجواب يقلق «روسيف»!

17 أغسطس 2015 21:57
إذا ما نطقت بكلمة «محاكمة» في البرازيل، فإن المؤكد هو أنك ستسمع الكثير من الكلام، وما يحدث هناك الآن هو أن أنصار الرئيسة «ديلما روسيف» المثقلة بالمشكلات والهموم، يدفعون بأن أي مسعى للإطاحة بالرئيسة، سيكون بمثابة انقلاب، كما يحذر الخبراء من سقوط تجربة ديمقراطية أميركية لاتينية غضة أخرى، في وهدة الفوضى. ومع الاحتجاجات المناوئة للحكومة التي انطلقت في 16 أغسطس، من المتوقع للنقاش العام حول هذه المسألة أن يغدو أكثر قبحاً، وهو ما لا يبشر بخير لعملية الوفاق السياسية التي تبنتها «روسيف»، وقد تحولت بين عشية وضحاها إلى رئيسة تصالحية من أجل إنقاذ خطتها الخاصة بالاستقرار الاقتصادي، وإنهاء الحرب الباردة المحتدمة بينها وبين الكونجرس. ولكن بقدر ما تنطوي عليه الدعوة لإقالة «روسيف» من عدم حكمة وخطورة، فإنه يمكن الزعم مع ذلك إن هناك حجة مقنعة لمحاكمتها، لا تتعدى على الدستور من ناحية، ولا تضعف المؤسسات الديمقراطية من ناحية أخرى. ففي بدايات الشهر المقبل، يتوقع أن تصدر «محكمة المراجعة الفيدرالية» في البرازيل، حكمها النهائي بشأن تقييمها لحسابات حكومات «روسيف» لعام 2014. ويشار إلى أن مراجعي المحكمة رصدوا في التقرير المقدم منها للبرلمان ما يزيد على 12 مخالفة مالية خطيرة، وأمهلوا قصر «بلانالتو» الرئاسي، شهراً، ثم 15 يوماً بعد ذلك، لتقديم تفسير لتلك المخالفات. وكانت أبرز تلك المخالفات تتعلق بعادة الحكومة الخاصة بتأجيل دفع فواتير شهر معين، إلى الشهر الذي يليه، لتحسين وضعها المالي في الدفاتر. وقد ردت السلطات الفيدرالية على تلك التقارير بأن الكثير من الحكومات السابقة كانت تتأخر في دفع المستحقات عليها، وأن ألد أعداء «روسيف» لم يثيروا ضجة حول هذا الأمر. ولكن المؤشرات التي رصدها المراجعون في المحكمة المشار إليها ليست بالتافهة أيضاً بأي حال، فالمرة الوحيدة التي رفضت فيها محكمة الحسابات من قبل حسابات الحكومة، كانت عام 1937 إبان حكم الرئيس الشعبوي المسرف «جيتوليو فارجاس» الذي رد على تقرير المحكمة آنذاك بإقالة رئيسها. ولحسن الحظ أن عهد الطغاة قد ولَّى وإن كانت «أساليب» الإبداع المحاسبي «ما فتئت تشهد ازدهاراً». من ضمن تلك الأساليب الإبداعية أن «اقتصاديي الحكومة قد أمروا البنوك المدارة من قبل الدولة مراراً بتحمل فاتورة منافع البطالة والتحويلات النقدية للفقراء، مع تقديم وعد لها بتسوية الأمر فيما بعد». واستنتج المراجعون من ذلك، أن الحكومة كانت تقوم في واقع الأمر بإقراض نفسها، وهو ما يعد مخالفة لقانون المسؤولية المالية 2000، الذي ينص في مواده على إقالة المسؤولين الرسميين الذين يقومون بمخالفة بنوده من مناصبهم. وفي هذا الصدد قال وزير المالية السابق «مايلسون نوبريجا» إن المحكمة ليس أمامها من خيار سوى توبيخ حكومة «روسيف» على مخالفاتها المحاسبية، وعلق قائلاً: «لقد لاحظ الجميع ما كانت تلك الحكومة تقوم به». بيد أن هذا لا يعني، بالضرورة، أن «روسيف» وحزب «العمال» الحاكم الذي يتولى السلطة منذ 12 عاماً قد باتا على الحافة. فـ«محكمة المراجعة» المحاسبية ليست لديها في الحقيقة سلطة المعاقبة، وكل ما يمكن أن تقوم به هو أن تخطر الكونجرس بالمخالفات التي ترصدها. وفي الكونجرس، توجد لجنة مشكلة من الحزبين هي التي يمكن أن تقرر ما إذا كانت ستقوم بتبرئة «روسيف» من ارتكاب أية مخالفات، أو إرسال الأمر برمته إلى قاعة مجلس النواب للمناقشة. والتصويت بعدم الثقة يمكن أن يحث الكونجرس على توجيه انتقاد، أو غرامة للحكومة، كما يمكن أيضاً أن يمهّد الطريق لتقديم الرئيسة للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ، وإن كانت المعارضة ستظل، مع ذلك، بحاجة إلى القيام بجهد شاق من أجل حشد ثلثي عدد الأصوات في غرفتي الكونجرس، كي تتمكن من إخراج الرئيسة من منصبها. وهذه العتبة العالية لتغيير النظام، تشهد لصالح الديمقراطية البرازيلية التي باتت أكثر صلابة، وحيث يقوم فيها حكم القانون، وبناء الإجماع بلعب دور الحراس القادرين على التصدي للانتهازية السياسية. والاحتمالات حتى الآن تصب في صالح «روسيف»، ومع ذلك فإن حدوث ركود اقتصادي أكثر حدة، وصدور حزمة إدانات أخرى بالفساد، أو خروج أعداد ضخمة من الجماهير خلال هذه الفترة، أو مزيجاً ما من كل هذه العوامل، يمكن أن يؤدي إلى إضعاف «روسيف» أكثر، والدفع بالرفاق، والقرص الصلب من مؤيدي الحكومة، إلى عسكر التمرد. وهو شيء لو حدث، فلن يكون بمقدور أحد، بمن في ذلك محاسبو برازيليا المبدعون، معالجته. ماك مارجوليس* *كاتب مقيم في ريو دي جانيرو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©