السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المؤثرات السمعية والبصرية للتليفزيون تهيمن على أوليات البناء المعرفي للطفل

المؤثرات السمعية والبصرية للتليفزيون تهيمن على أوليات البناء المعرفي للطفل
7 سبتمبر 2014 12:51
أدرك الباحثون في العلوم الاجتماعية والطبية النفسية أن لوسائل الإعلام من تلفزيون وإنترنت بالذات تأثيراً كبيراً على الإنسان عامة وعلى الأطفال على وجه الخصوص، لذلك أخذوا دراسة الآثار التي يمكن لوسائل الإعلام أن تتركها على عقول الناشئة والأطفال وحياتهم الاجتماعية مأخذ الجد والقضية الملحة. وخرجوا على العالم بنظريات إعلامية متعددة أخذ بعضها يتبلور بجدية عالية. . وسائل الإعلام قادرة على لعب أدوار ووظائف متنوعة، وهي صاحبة الدور الكبير والخطير في تصنيع الرأي العام، وتشكيل العقول وتوجهات التفكير والعقائد. وسائل الإعلام التي لاشك في قدرتها حتى على دعم الأنظمة السياسية والاقتصادية أو العمل على انهيارها، فكيف إذاً بقدرتها على تشكيل الوعي الجمعي عند الكبار، وقدرتها على التدخل في نمو العقول وتوجهات السلوك الإنساني عند الكبار والصغار على السواء؟ بسبب سحر عوالم التليفزيون والانترنت وقدرته على أسر الانتباه، فلا غرابة أن يتوق الأطفال والشباب إلى معايشة تلك العوالم. لكن تأثيراتها السلبية القوية عليهم تثير أنساقاً جديدة من المعضلات لا يمكن التصدي لها بتدابير تقليدية. ولموضوع الانتباه مكانة بارزة في دراسة الأداء والسلوك الإنساني، فهو الأساس لكل منظومة الشخصية وشرط تكاملها النفسي، فالنفس تبلغ السيطرة على نفسها إذا بلغت الانتباه. فهو مفتاح معرفة الإنسان ووعيه لكل ما يحيط به، وشرط أساسي لنجاح جميع الأعمال التي يقوم بها الإنسان. وهو نشاط يظهر في كل فعل إنساني وبدونه تصبح حياة الإنسان مشابهة لحياة الكائنات الدنيا. البناء المعرفي كما يعد الانتباه حجر الزاوية في البناء المعرفي. فهو استعداد معرفي عام وتهيؤ شامل للشخصية إذ إنه يلازم كل عملية معرفية لا بل يسبقها ويمهد لها فهو يدخل في جميع العمليات العقلية «التعرف، التمييز، التفكير، الذاكرة . . . . الخ» وعليه يتوقف أداؤها بشكل مثمر وفعال، وبالمقابل فإن البناء المعرفي للفرد ومحتواه كماً وكيفاً وحسن تنظيمه يؤثر على زيادة فعالية الانتباه وسعته ومداه. إذ إن اختيار الأفراد للمثيرات المناسبة يقوم على العمليات العقلية التي تقع بين المثير والاستجابة والتي يعطي الأفراد بواسطتها معنى للمثيرات المختارة كما وتحدد خصائص الانتباه لهذه المثيرات من حيث «المدى، والتركيز، . . . . الخ». فتأثير التليفزيون على الأطفال وإن كان إيجابياً في بعض الجوانب، إلا أنه –بالتفاعل مع عوامل أخرى– يمكن أن يحدث تأثيراً سلبياً على سلوك الأطفال وشخصياتهم، ولا يقتصر تأثير التليفزيون على الأفعال الظاهرة للأطفال، ولكن يمتد أيضاً نحو اللغة والتفكير والإدراك والانفعالات. لقد بينت نتائج معظم الدراسات التي أجراها علماء النفس أن الانتباه يدخل في كل مرحلة من مراحل عملية الإدراك عند استقبال المعلومات من العضو الحسي وعند تخزين هذه المعلومات، ومن ثم عند تفسير المعطيات الحسية حيث يقرر ما إذا كان سيتم الاستجابة لها أم لا، كما بينت أن دور الانتباه يظهر بشكل أكبر في عملية الإدراك الخاصة بالموضوعات الجديدة التي تحتاج إلى تركيز يختلف عما هي عليه الحال بالنسبة للمواضيع المألوفة. التأثير السلبي يبرز الجانب السلبي في المعرفة التي يقدمها التليفزيون، في أن الطفل يتابع مشاهدة برامج الكبار، وبالتالي فإن استمرار الطفل في مشاهدة هذه البرامج يؤدي كما يقول جويف كلابير «إلى إحداث انطباعات عميقة لحياة الكبار على تفكير الطفل، وبالتالي فإن ذلك يؤدي إلى نضج مبكر سابق لأوانه عند الطفل». وفي هذا الخصوص يقول جان كرم «إن أية معرفة يتلقاها الطفل وهو غير مهيأ لها يمكن أن ينعكس سلبا على حياته النفسية والروحية» ويظهر التأثير السلبي للتليفزيون على الجانب المعرفي عند الطفل جلياً في ذلك التناقض الذي يلاحظ بين القيم التي يكرسها الأهل، وهذه التي ينشرها التليفزيون، وذلك من شأنه أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية معرفية عند الأطفال. وإذا كان التليفزيون يضع في متناول الأطفال كماً متدفقاً من المعلومات والمعارف التي تسهم في تنمية الجوانب المعرفية، فإن هناك تحفظات عديدة واعتراضات متنوعة تقوم على أسس أبحاث ميدانية ومن هذه الاعتراضات «أن المعرفة التليفزيونية ذات صبغة شمولية مركزة وغير دقيقة أو غير متناسقة مع القدرة المنطقية عند الأطفال والطفل لا يستطيع أن ينسق بين هذه المعارف أو أن يكامل بينها، ومن شأن ذلك أن ينعكس سلبا عند الأطفال، وبالتالي فإن الأهل لا يستطيعون التحكم في صيغة هذه البرامج التي تعرض وغالبا ما ينفلت الأطفال من قيد رقابتهم لمشاهدة أغلب البرامج التي تعرضها الشاشة الصغيرة. ويلاحظ الباحثون أن الطفل يمتص المعرفة التليفزيونية دون محاكمات عقلية، وذلك يعني غياب التغذية الراجعة في عملية النمو الفكري والمعرفي عند الطفل، وبالتالي فإن المعرفة التي يكتسبها من خلال الشاشة معرفة هشة لا تتميز بالأصالة، وهي تتوجه إلى ذاكرة الطفل أكثر من توجهها إلى قدرات الطفل في مجال المحاكمة الفعلية الإبداعية. مرآة يقول «زهير مناصفي»: «إن جهاز التليفزيون يسحر الطفل ويسيطر على حواسه. ويكوّن لدى الطفل فكرا ومعرفة مناقضة تماما لأبجديته. فإن إدراكات الطفل المحدودة تجعله يتصور أن الحياة هي كما هي عليه في الشاشة الصغيرة، فالتليفزيون هو مرآة المجتمع وهكذا يجب أن يكون، ولكنه وما يؤسف له أنه يمثل المرآة المقعرة التي تعكس الواقع بشكل مشوه. فالطفل يدرك ويفهم مضمون ما يراه على الشاشة بناء على إدراكه وخبراته الخاصة، وليس بناء على الإدراك الموضوعي. نلاحظ وجود علاقة بين متابعة وسائل الاعلام وتركيز الانتباه لدى الأطفال، وكان الارتباط ارتباطا عكسيا أي كلما ارتفع معدل متابعة وسائل الاعلام قل معدل تركيز الانتباه لدى الأطفال والعكس صحيح. فتأثيرات التلفاز على نمو دماغ الطفل كثيرة وأولها تخفيف حفز نصف الدماغ الأيسر المسؤول عن نظام اللغة والقراءة والتفكير التحليلي وثانيها تقليل الأهلية الذهنية وقوة الانتباه عبر خفض مستوى التواصل بين نصفي الدماغ وثالثها اعاقة نمو النظام الضابط للانتباه والتنظيم والدوافع السلوكية. إن الأطفال من الجنسين باتوا يشاهدون هذه الوسائل من منطلق أن البرامج التي يشاهدها لا تراعي طبيعة جمهور الأطفال وخصائصهم العمرية والجنسية واللغوية والثقافية والمعرفية وان تراعي ما بينهم من فروق في الذكاء والقدرات والمتغيرات البيئية. ويشتكي الأهل من العواقب المترتبة على تلك الأثار من انخفاض معدل التحصيل الدراسي، وزيادة النشاط والعدوان لدى أطفالهم. ويضاف إلى ذلك كله أن سحر الشاشة الصغيرة يلتمس بعض قوته، من عناصر الجاذبية والتأثير، والتي تلبي عند الأطفال احتياجات ملحة: معرفية، ونفسية، واجتماعية. فالتليفزيون يستطيع أن ينقل الطفل من عالم إلى آخر، وأن يحيطه بعالم أسطوري، أحيانا، وواقعي أحيانا أخرى، وكلاهما ينطوي على فتنة وسحر، وأية فتنة وأي سحر! تلك هي خصائص التليفزيون المعرفية والفنية والمكانية والزمانية التي تجعل منه حقا، ودون مبالغة، معبودا حقيقيا للأطفال لا يعادله في ذلك شيء آخر. اضطراب الانتباه يقول الدكتور ديمتري كريستاكيس، أخصائي طب الأطفال بكلية طب بجامعة واشنطن، الذي يدرس العلاقة بين الأطفال والإعلام، إن الحوافز التي تقدمها ألعاب الفيديو تتعلق بالسرعة، ومدى سرعة تغيرات الشاشة في الدقيقة، فإذا ما اعتاد مخ الطفل على هذه السرعة واليقظة الشديدة التي يحتاجها للاستجابة والفوز، فإن الطفل ربما يجد في النهاية حقائق العالم مخيبة لآماله وعديمة الجدوى. وسيشعر بالملل من العالم الواقعي حوله. ويرى الخبراء أن ذلك ربما يكون فجوة في القدرة على إدامة الذات، فالأطفال الذين يعانون من مشكلات في مهاراتهم الاجتماعية ربما يلجأون إلى الشاشات للصحبة الإلكترونية. إن الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الكومبيوتر والتليفزيون يرتبط ارتباطاً وثيقاً ببعض المشاكل النفسية لديهم. أوضحت الدراسات أن الأطفال الذين يقضون معظم أوقاتهم أمام شاشات الكومبيوتر والتليفزيون أكثر عرضة للمشاكل النفسية. وقد أعلن العلماء من زمن طويل أن قضاء أكثر من ساعتين يوميا أمام شاشة الكومبيوتر والتليفزيون يرتبط بارتفاع نسبة الخطر بالتعرض للأمراض النفسية. وأوجدت الدراسات أن الأولاد، مثلاً، بعمر الحادية عشرة الذين يقضون عدة ساعات كل يوم مسمرين أمام الشاشات حصلوا على أدنى الدرجات في استبيان صمم لقياس الصحة النفسية. وتثير الدراسات قلقاً جدياً من أن مشاهدة التليفزيون يمكن أن تؤثر على سلوك الأطفال في الحياة المستقبلية. فالتليفزيون والانترنت ليسا شراً بحد ذاتهم، لكن طريقة استخدامه هي التي تحدد تأثيره علينا. ويشتد الأمر خطورة عند وجود جهاز تليفزيون أو كومبيوتر أو آي باد مع الطفل في غرفة نومه. وذهب بعض العلماء إلى ربط ليس فقط مستوى التحصيل المدرسي الضعيف، بل ومشاكل السمنة عند الأطفال بطريقة وساعات الجلوس أمام شاشة التليفزيون أو ألعاب الكمبيوتر. سمر حمود الشيشكلي(أبوظبي) الانتباه أهم شروط الذاكرة ترتبط القدرة على تذكر المعلومات بعملية الانتباه ارتباطاً وثيقاً إذ يعتبر الانتباه شرطاً ضرورياً من شروط التذكر، فالفرد لا يتذكر الخبرة ما لم يكن قد انتبه إليها وأدركها. كما يرتبط الانتباه بالقدرة على الاحتفاظ بالمعلومات واسترجاعها، فالعجز عن استرجاع خبرة ما يكون راجعاً إلى القصور في القدرة على الانتباه في مرحلة من مراحل اختزان الخبرة. فانتباه الطفل يكون في أول الأمر انتباهاً حسياً ومتعلقاً بالواقع وأشكاله الحسية لا يستطيع أن يعلو عنه، ولكن لا يلبث أن تتسع أفق شخصيته وتصبح لديه القدرة على التفكير المجرد والحصول على المفاهيم العقلية بدلاً من المحسوسات فيرتفع عن الواقع ويصل إلى الانتباه العقلي التأملي. وإذا فشل الطفل في تعلم التركيز، فسينعكس ذلك بدوره على تعلمه المعرفي «فالطفل الذي يكون مدى الانتباه لديه قصيراً لن يستطيع متابعة الدرس بكامله وتكون نتائجه في التذكر فقيرة كما أن من الممكن أن يصبح الطفل القليل التركيز أداة لتشتيت انتباه الأطفال الآخرين في موقف التعلم الجماعي». ... وتغير كيماوية الدماغ اكتشف الدكتور ايريك سيجمان، وهو طبيب نفسي بريطاني، أن مشاهدة التلفزيون تغير كيماوية الدماغ بالإضافة إلى تسببها بالتغييرات النفسية الأخرى، ولايختلف الأمر باختلاف نوعية البرامج، إذ لاعلاقة للتأثير بمضمون المشاهدة بقدر ماله بفعل التحديق في التلفاز بحد ذاته، وكلما أزدادت ساعات مشاهدتك للتلفاز أو الإنترنت كلما أصبحت مجرد متلق أكثر سلبية. حتى أن عملية الاستقلاب تتأثر وتزداد بطأً، وبالنسبة للأطفال تسبب حداً من نمو الدماغ، واضطراباً هرمونياً بعض الأحيان. من بعض مؤشرات الخلل النفسي الحاصل عند الطفل التي يمكن أن نرصد فيها تضرر قدرته على الانتباه، أنه يصبح غير قادر على التركيز لفترة طويلة، ومن السهولة تشتيت انتباهه بأي شيء، أنه يصعب عليه اللعب مع أصدقائه بهدوء و يتحرك بدون هدف محدد،, وهو لا ينتبه لما يفقد منه. لذلك ينبغي على الأهل أن ينتبهوا لهذا الخطر المؤكد، وأن يضعوا قيودا حازمة على الوقت الذي يقضيه الأولاد أمام الشاشات وعلى نوعية المشاهدات، والأهم هو البحث عن سبل أخرى لإدارة علاقات الأسرة، والبدء بممارسة النشاطات العائلية المشتركة مع الأولاد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©