الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نساء عاملات.. «حاير طاير» بين مهام الوظيفة ومتطلبات الأمومة

نساء عاملات.. «حاير طاير» بين مهام الوظيفة ومتطلبات الأمومة
18 أغسطس 2013 23:57
تبدأ نهارها قبل الجميع، وتنام بعد أن ترتاح جفون الكل، تتحمل مشاق يوم كامل، ويمتد عملها إلى جوف الليل، تنام ساعات، لتسترسل في مهامها من جديد، اهتماماتها متفرقة تنسيها العناية بنفسها، ما يعرضها للانتقاد من طرف زوجها، إنها المرأة العاملة التي تعتبر امرأتين في امرأة، وقد يطلق عليها أحيانا «المرأة الخارقة»، خاصة تلك التي لا تحظى بمساعدة في البيت أو تملك خادمة تقوم ببعض الأعمال التي تساند السيدات العاملات، وتوفر لهن الجهد والوقت. تسهر ليلاً مع رضيعتها، وتصحو باكراً لاستقبال يوم حافل بالمهام، يبدأ منذ بزوغ خيوط الشمس الأولى، تتشابك خطواتها، تجهز صغيرتها وتجمع كل متطلباتها، ثم ترضعها وتغير حفاضاتها وملابسها، لتأخذها لحضانة قريبة من عملها، تضعها في عربتها الصغيرة لتتفرغ لنفسها، ترتدي ملابسها، وتضع القليل من المساحيق لتخفي تعب السهر ومضاعفاته، أما وجبتها الصباحية فباتت تؤجلها إلى ساعة متأخرة، تحمل صغيرتها وكل متطلباتهما، ثم تقصد السيارة، تثبت كرسي الصغيرة وتحمل عربتها، ثم تتوجه للحضانة، وبعدها لعملها الذي يتطلب جهدا وتركيزا. وبعد نهاية الدوام تكمل مشوارها بين الحضانة والبيت الذي تدخله على الساعة الخامسة ليبدأ عمل جديد، إرضاع الطفلة وتغيير ملابسها، طبخ، نظف، غسيل الأواني، ترتيب الملابس، وحتى استقبال الضيوف أحيانا، ويمتد عملها إلى الساعة الأولى من صباح اليوم التالي، يقطع صوت بكاء ابنتها أكثر من مرة نومها، لتدور في هذه الدائرة طوال أيام الأسبوع، هكذا تعيش علا عبدالله إحدى الأمهات الجديدات العاملات، التي تصف الأم العاملة بـ«الخارقة»، مؤكدة أن جهدها وطاقتها تستنفد في اليوم، بين العمل ومتطلبات البيت ومتطلبات الزوج، والطفلة التي تلزمها عناية كبيرة. أكثر من الصبر تقول كريمة علي أم لأربعة أطفال إنها تهمل حياتها الشخصية والاجتماعية، مقابل العناية بأولادها وبيتها، وأوضحت أن اهتمامها بزوجها قل منذ ولادتها الثانية، مؤكدة أنه دائم الشكوى من ذلك، وتشير إلى أنها لو توافرت لها كل متطلبات الحياة لما استمرت في عملها وأوكلت نفسها لبيتها وأولادها والعناية بزوجها، وتضيف «لكل إنسان طاقة محدودة، وما أقوم به يفوق التصور، حيث أتابع تنظيف البيت وترتيبه، كما أهتم بالأولاد على الرغم من اعترافي بالتقصير الكبير تجاههم، وفي نظري فإنه لا يمكن توزيع المهام بطريقة صحيحة ومتوازنة، ولابد من تغليب جانب على آخر، لهذا فإنني اضطر لأستوفي عملي حقه، بينما أهمل جوانب كثيرة في بيتي، كما أن الجانب الاجتماعي والشخصي في حياتي ليس له متسع من الوقت ولا الجهد». وتشير كريمة إلى أن صعوبة حياتها زادت عندما استغنت عن الخادمة، موضحة أن أشغال البيت باتت تتراكم، ما خلق لديها توتراً في البيت، وتضيف «نظراً لمشكلات الخدم، فإنني قررت التخلص منه بتركه، بحيث قررت أن أخلق جواً تعاونياً في البيت، بحيث نعتمد على توزيع الأدوار، كان الجميع متحمسا في البداية، لكن وجدت فعلا صعوبة كبيرة في جعل البيت نظيفا ومرتبا وخالياً من التوتر، لأن الأولاد ما زالوا صغارا، ويصعب عليهم تحمل المسؤولية كاملة». دور الأب مهما ساعد الأب في أشغال البيت وترتيبه والعناية بالأطفال فإنه لن يصل إلى تعب المرأة ومستوى الجهد المضاعف الذي تبذله، وفق بعض السيدات، إلى ذلك، تقول مديحة السيد موظفة إن المرأة، مطالبة بأن تكون سيدة بيت قبل كل شيء، والرجل العربي لا يتسامح أبداً في الإخلال في حق من حقوقه، لذا لو رغبت الزوجة في الخروج للعمل عليها تحمل المسؤولية كاملة في منظور الرجل، لأن هذا في نظره اختيارها، وهي من يجب أن تتحمل النتائج، على الرغم من مساهماتها الفعالة في مصروف البيت، بل تحملها العبء الأكبر من ذلك، خاصة أن المرأة لها نظرة مستقبلية بعيدة المدى، فهي تحب أن توفر وتبني مستقبل أولادها. وتضيف «سواء اختارت المرأة العمل أو لم تختره فهي من تتحمل أعباء العمل والبيت والأولاد والزوج وتبقى مطالبة بعدم التقصير في شيء، خاصة من الناحية الجمالية ومظهرها الخارجي، ويمثل ذلك معادلة صعبة، وفي حال وقوع أي مشكلات بالبيت أو أي تقصير بالنسبة للأطفال، هي من تنعت بالتقصير، لكن تبقى المرأة ذات الإرادة القوية تجابه كل الصعاب، وفي نظري فإن المرأة يمكن أن تعوض غيابها عن البيت، وعدم قدرتها بالتكفل بكل مطالبه، بجلب خادمة تقوم مقامها بجانب أعمال البيت من نظافة وترتيب، بينما يظل بعض الرجال مطلبين، ويرغبون في طبخ زوجاتهن، وهذا يتطلب جهدا أيضا، وهناك من الرجال من لا يقدر خروج زوجته للعمل، بل يؤنبها في كل حين ويصفها بالمقصرة أو بالعاجزة عن التكفل بأولادها وبيتها والتوفيق بين عملها والجانب الشخصي». نظام العمل تقول سامية عيسى إن المرأة بخروجها للعمل تساهم في رفاهية البيت وزيادة دخله، لكنها تقصر في شؤون البيت وتربية أولادها، ما يؤثر على الترابط الأسري. وقد يؤثر على الأطفال الذين يفسح لهم المجال ليرتبطوا بالخادمة، وهناك من الأمهات العاملات من يسمحن بنوم الأبناء في حضن الخادمة، وهذا تترتب عليه الكثير من المشكلات الاجتماعية، مؤكدة أن للعمل إيجابيات كثيرة، لكن له من السلبيات ما يجب الوقوف عندها، وتقول أولاً يجب الحديث عن ساعات الدوام الطويلة بالنسبة للقطاع الخاص، والورديات التي تستمر لساعات متـأخرة، بالإضافة إلى شغل البيت، والاهتمام بالأسرة، فكل هذه الأمور تجعل المرأة لا تعلو الابتسامة محياها، زد على ذلك أن راتبها محل نقاش ونزاع في آخر كل شهر، بالإضافة إلى كل هذه المعطيات، فالمرأة مطالبة بابتسامة وأناقة ترضي زوجها. وتضيف «المرأة العاملة، خاصة التي لا يعينها زوجها، ولها أطفال، وليست لها خادمة، مهما كانت مقصرة يجب أن يطلق عليها المرأة الحديدية، أو المرأة الخارقة للعادة، لأنها تقوم بأكثر من دور في آن واحد، وتحمل هم كل كبيرة وصغيرة في الوقت نفسه، ومطالبة بإرضاء الزوج، واستقبال ضيوفه، لأن الرجل بشكل عام يحب الراحة النفسية، ولا يرغب في المشكلات ، ولا يتحمل أبداً عدم ترتيب البيت أو إهمال نظافة الأولاد والعناية بهم». مسح اجتماعي يقول الدكتور موسى شلال، قسم الاجتماع، جامعة الإمارات: «يعتبر المجتمع الإماراتي من المجتمعات الرائدة التي نادت وشجعت المرأة على العمل خارج المنزل، وقد قمنا قبل أكثر من ست سنوات بمسح اجتماعي عن المرأة الإماراتية العاملة في كل الإمارات في محاولة لمعرفة بعض خصائصها العامة، وهل هي أسعد حالاً من رفيقتها التي فضلت الجلوس في المنزل أم لا؟ وكانت نتيجة البحث، والتي شملت 1300 مبحوثة، أن الغالبية العظمى منهن سعيدات وراضيات بعملهن خارج المنزل على الرغم من أن ثلاثة أرباع هؤلاء النسوة يشكين من أن العمل خارج المنزل يزيد من تعبهن وتوترهن، وتوجد نحو 40% يفضلن الجلوس في المنزل، وذلك لاعتقادهن بأن الخروج من العمل يتسبب في عدم الاهتمام الكامل بالأسرة، بالنسبة للنساء المتزوجات، وبالتالي تصعب الموازنة بين البيت والعمل، ولذلك تعتبر نسبة كبيرة منهن تصل إلى 80% أن على المرأة أن تعمل، ولكن عليهن أن يتوقفن عن العمل في فترة ما من حياتهن من أجل الأسرة، وقد نتج عن البحث أيضاً أن العمل بالنسبة للمرأة الإماراتية لا يعني العائد المادي فقط، فهو ثراء روحي ووجداني تحس به المرأة العاملة استشعاراً منها أنها تشارك في بناء ونهضة وطنها. كما أكدت نتائج البحث أن عمل المرأة خارج المنزل زاد في ثقتها في نفسها ومنحها حرية اقتصادية واجتماعية أكبر مما كانت عليه وجعلها أكثر تفهماً لقضايا واحتياجات أمتها أكثر من زميلتها التي آثرت الجلوس في المنزل. وقد أعطى هذا الشعور المفعم المرأة العاملة القدرة على مواجهة مشكلاتها الخاصة ومشكلات الأسرة المعقدة والمشاركة في حلها، وأكثر من ذلك قد زاد هذا الدور الجديد في الاهتمام أكثر بأسرتها. غياب الابتسامة لعمل المرأة جوانب إيجابية وجوانب سلبية كثيرة، منها إهمال الجانب الشخصي والاجتماعي، وإهمال الأطفال والزوج، إلى ذلك، تقول شيخة السويدي إنها تعمل معلمة، ودوامها يوافق إلى حد كبير إجازات أولادها ودوامهم، ولكن مع ذلك تجد صعوبة في رسم ابتسامة على وجهها واستقبال زوجها بوجه بشوش كلما رجع من عمله بعد يوم طويل، ولها مبرراتها الخاصة ودفوعاتها، بحيث تؤكد أنها تبذل جهداً أكبر من جهده بكثير، لافتة أنها تستيقظ باكراً، تجهز الفطور لأولادها، وتحرص على تحضير الأكل بنفسها، ثم تتوجه لعملها، وبعد ذلك تبدأ عملها، وعند نهاية دوامها يبدأ يوم جديد لديها في تدريس الأولاد والجلوس معهم، وتجاذب أطراف الحديث، مؤكدة أنها تشعر بالذنب، لأنها لا تقوى على إيلاء عناية بأولادها بالشكل المطلوب. وتضيف «العمل يستنفد كل طاقتي، حيث أرجع إلى البيت والابتسامة غائبة عن وجهي، كما إنني لا أتحمل إزعاج أولادي، ولا أجيب على أسئلتهم، بينما زوجي لا يبالي بتعبي، ويرغب في ظهوري بمظهر حسن، والاعتناء به كما كنت في السابق، لكن من الصعب التوفيق بين كل هذه المتطلبات، مما يشعرني بالذنب في أحيان كثيرة». توتر وقلق وسمنة أشار مسح علمي أجري في الولايات المتحدة الأميركية مؤخرا إلى أن الأمهات العاملات أكثر عرضة للإصابة بالتوتر ومضاعفاته الصحية، مقارنة مع غيرهن من السيدات. وأظهر المسح، الذي أجراه مستشفى ويليام بيومونت، بالتعاون مع نظام أوكوود للعناية الصحية، أن 61 في المائة من السيدات العاملات يجدن صعوبة في التوفيق بين العمل ومتطلبات الأسرة والاحتفاظ بصحة جيدة، محذراً من أن انشغال المرأة بعائلتها وعملها وحياتها الخاصة يبعدها تماماً عن الاهتمام بصحتها، ووجد الباحثون أن الأمهات العاملات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 30 - 50 عاما، هن أكثر الفئات عرضة للمخاطر الصحية الناجمة عن إهمال الصحة، وأكثر إصابة بالبدانة وإفراط الوزن.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©