الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العمارة الفرنسية تصمد أمام الهزات الأرضية بالجزائر

العمارة الفرنسية تصمد أمام الهزات الأرضية بالجزائر
18 أغسطس 2013 21:46
شهدت بعض المدن الجزائرية مؤخراً زلازلَ تراوحت درجاتها بين 3.8 و4.5 درجة على مقياس ريختر، ورغم أن هذه الهزات الأرضية لم تكن مدمِّرة، إلا أنها أحدثت هلعاً كبيراً في أوساط السكان الذين خرجوا إلى الساحات المجاورة ورفضوا العودة إلى بيوتهم خوفاً من الهزات الارتدادية لاسيما وأن هناك بنايات عديدة تشققت، وإزاء حديث «المركز الجزائري للفيزياء والجيوفيزياء وعلم الفلك» عن وقوع نحو 100 هزة شهرياً، أغلبها خفيفة ولا يشعر بها السكان، ازدادت المخاوف من احتمال وقوع زلازل مدمِّرة توقع الكثير من الضحايا. حسين محمد (الجزائر) - جاء هلع سكان ثلاث مدن وهي الجلفة والمدية وبجاية على وقع الهزات الأرضية بعد أن عادت إلى أذهانهم صورُ زلزال «بومرداس»، 25 كلم شرق الجزائر العاصمة، الذي وقع في 21 مايو 2003، وأدى إلى مقتل نحو 2600 شخص وجرح 11 ألفاً وتدمير 115 ألف مسكن، كما أدى إلى شل الحركة الصناعية بالمنطقة وخسائر مادية فاقت 5 مليار دولار، والملاحظ أن قوة الزلزال لم تتجاوز 6.8 درجة على سلمّ ريختر، ما دفع ملايين الجزائريين إلى التساؤل عما كان سيحدث لو وقع زلزالٌ عنيف تفوق شدتُه 8 أو 9 درجات. جاء هذا التساؤل في ضوء تسجيل انهيار الكثير من البنايات الجديدة، من عمارات وفيلات، في بومرداس والجزائر العاصمة، بينما صمدت الأحياء السكنية التي شيّدها الاستعمارُ الفرنسي منذ عقود طويلة بالجزائر العاصمة، ولم تُسجَّل بها سوى أضرار طفيفة. أولوية قصوى يفسر البروفيسور عبد الكريم شلغوم، رئيس «نادي رصد الأخطار الكبرى» هذه المفارقة بأن الفرنسيين شيَّدوا السكنات على أرضيةٍ صلبة، وبعد دراسات معمَّقة للتربة، وهو العامل الذي لم تُمنح له أولوية قصوى أثناء تشييد الأحياء السكنية الجديدة منذ الاستقلال في صيف 1962 إلى الآن. ويؤكد الباحث أن الأرضية الصلبة بإمكانها امتصاص 50 بالمائة من قوة الزلزال، فتحجِّم خسائره، بينما توقعُ زلازل متوسطة الشدة خسائرَ غير منتظرة بالأحياء السكنية والمنشآت المبنية على أرضية هشة، ويُضاف إلى ذلك عاملُ الغشّ في بناء السكنات الجديدة، وهو ما قاد الكثيرَ من المقاولين ومديري مؤسسات البناء إلى العدالة بعد وقوع زلزال بومرداس، ليُحكم على الكثير منهم بالسجن لفترات متفاوتة. ورغم الخسائر الجسيمة لزلزال بومرداس، إلا أن السلطات، بنظر شلغوم، لم تستخلص منه دروساً وعِبراً كافية، ولم تتقدم كثيراً على صعيد تصحيح أخطاء الماضي والتركيز على مسألة اختيار التربة المناسبة للبناء «هناك أحياء سكنية عديدة، وكذا مبان عمومية من وزارات وجامعات، مشيّدة على تربة هشة في مناطق عديدة بالجزائر العاصمة، ومنها الحميز وحيدرة وشوفالي». ويضيف «السلطات تعتقد بأن إدخال تقنية البناءات المضادة للزلازل كاف وحده، وهذا خطأ؛ فاختيار الأرضية الصلبة شرط رئيس لصمود أي بناء أمام الزلازل». ويضيف البورفيسور متحسِّراً «الوضعية تراوح مكانها منذ 2003 إلى الآن، لقد حذرنا مراراً وتكراراً من البناء على أرضيات هشة، ولكن لا حياة لمن تنادي، الدول المتقدمة تنشئ هيئاتٍ مستقلة للأخطار الكبرى ولا تشرع بإنجاز أي مشروع دون موافقتها، بينما تدير السلطات الجزائرية ظهورها لنا ولا تكترث بتحذيراتنا، ما ينذر بالأسوأ». ويؤكد شلغوم أن شمال الجزائر أصبح «منطقة زلزالية نشطة» بحكم اقتراب الطبقات التكتونية للقارة الإفريقية من القارة الآسيوية بفعل زلازل سابقة، ما يعرّض البلد لزلازل عنيفة مستقبلاً، إلا أن السلطات لم تحضّر نفسها جيداً إلى مثل هذه الأخطار، فحتى توعية الناس بكيفية التصرف السليم أثناء وقوع الهزات الأرضية، غائبة تماماً. إدارة الكوارث من جانبه، يوافق الدكتور لوط بوناطيرو، باحث في علم الفلك والجيوفيزياء، هذا الرأيَ، ويؤكد أنه بالرغم من أن النشاط الزلزالي بالجزائر مصنف من 6 إلى 7 درجات، وليس 8 درجات وأكثر كما يحدث في أندونيسيا مثلاً، إلا أن عدم تحقيق تقدّم كبير على مستوى تشييد البناءات المضادَّة للزلازل، وغياب ثقافة إدارة الكوارث الطبيعية باحترافية ونُضج، يجعل الهلع يدبّ في قلوب السكان لدى وقوع أبسط هزة أرضية، وهو ما حدث في مايو الماضي في زلازل الجلفة والمدية وبجاية رغم أن قوتها تتراوح بين 3.8 و4.5 درجة فقط. ويوضح «البلد المتقدِّم هو الذي يعرف كيف يدير الكوارث المختلفة ويعدّ العدة الضرورية لمواجهتها وتخفيف أضرارها كما يحدث في اليابان مثلاً، يجب الاهتمامُ بهذه الأمور ولاسيما تهيئة الجماهير على التعامل الإيجابي مع الزلازل بدل الوقوع فريسة الهلع والارتباك والتخبُّط، ويمكن استغلال الساحات العمومية لتدريب الناس على ذلك من خلال افتعال ما يشبه الزلازل الاصطناعية وتعليمهم كيفية التعامل السليم معها». ويعتقد بوناطيرو أن التغيّر المناخي الكبير بالبلد يسهم في زيادة وتيرة النشاط الزلزالي، فحينما تنتقل درجات الحرارة من ناقص 5 في الشتاء إلى 25 درجة في شهر مايو، فإن تحرّك الطبقات الأرضية بفعل التمدُّد الناجم عن الانتقال من البرودة إلى الحرارة، يدفع الطاقة المخزنة في القشرة الأرضية إلى الخروج فيحدث الزلزال. إلا أنه يعتقد أن وقوع زلازل عنيفة كزلزال بومرداس 2003 «لا يحدث بشكل منتظم إلا بعد سنوات طويلة، وتحدث حينما يكون هناك فائض قوي في الطاقة المخزنة بالقشرة الأرضية». بناياتٌ تناظرية دفع تكرار الزلازل بالمدن الساحلية، بعض سكانها إلى التفكير بالعودة إلى مدنهم الداخلية، باعتبار أن النشاط الزلزالي يقلّ هناك، بينما يقترح شلغوم إنشاء ناد مستقل لرصد الكوارث والأخطار الكبرى ومنحه صلاحية الموافقة على أي مشروع أو الاعتراض عليه بناءً على وضعية الأرضية التي تريد السلطات البناء عليها، وأن تكون قراراته مُلزمة، وهذا للحدّ من الخسائر الناجمة عن مختلف الكوارث الطبيعية وفي مقدمتها الزلازل والفيضانات التي أصبح تكرارُها وشدَّتها يُقلق الجزائريين في الفترة الأخيرة. أما بوناطيرو فيقترح على السلطات حلا آخر تماماً، وهو إقامة بنايات وأحياء دائرية الشكل أسماها «البنايات التناظرية» وقد قدّم تصوراً لها، وهو يؤكد أنها ستكون الحل العملي لمختلف الكوارث الطبيعية باعتبارها بنايات مضادة لها، ويؤكد أن اعتماد مشروعه سيمكّن البلد من تفادي، أو على الأقل تحجيم، الخسائر الجسيمة الناجمة عن مختلف الكوارث الطبيعية المدمّّرة وفي مقدِّمتها الفيضانات والزلازل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©