الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منير الشعراني: الخط العربي فن تشكيلي قائم بذاته

منير الشعراني: الخط العربي فن تشكيلي قائم بذاته
21 أغسطس 2011 22:55
فنان الخط العربي منير الشعراني على قناعة تامة، بأن الخط العربي فن تشكيلي قائم بذاته ضمن منظومة الفنون التشكيلية، انطلاقاً من خصوصيات أسسه الجمالية التي تتزاوج مع الأسس الجامعة للفنون التشكيلية. وقال إن فترة تتلمذه على كبير خطاطي الشام بدوي الديراني، كانت فترة التأسيس، ليس على مستوى تعلم الخطوط التقليدية فحسب، بل على مستوى إدراك أن إتقانها ليس غرضاً في حد ذاته، بل هو أيضاً خطوة ضرورية تؤهل المبدع لتجاوزها والإضافة إليها، وأن الدأب والإصرار والبحث والإخلاص أمور ضرورية ليصبح خطاطاً فناناً. ويقول: إذا كان للخط منذ وجوده قواعد محددة ثابتة لا تقبل التطوير، لكنا اليوم نكتبه بشكله الأول، وما تطور وتعددت أنواعه على امتداد عدة قرون قبل أن نستسلم للجمود والجهل اللذين وقفا سداً منيعاً أمام تطورنا و”القواعد المحددة”، كما تسمى ليست مُنزلة، بل وضعها أناس مثلنا، كان لكل منهم دور في الارتقاء بهذا الفن، والتاريخ شاهد على أن التطور الإبداعي للخط العربي لم يعرف قيودا قبل العصر العثماني، لذلك تعددت أنواعه وأشكاله وتجلياته على امتداد البلدان التي استظلت بمظلة الحضارة العربية الإسلامية، انطلاقاً من هيكله وسماته الأساسية، أما القواعد فقد وضعها خطاطون مبدعون لبعض الأنواع لم يقدسها من تلاهم فطوروها، والخطوط الأخرى التي لها سمات جامعة، ولكل منها سماته الخاصة كالخطوط التي اصطلح على تسميتها الكوفية، حبست مع التوليد والاشتقاق والابتكار في محبس التخلف والجهل والتقليدية والسلفية العمياء، ولا يمكن للخط العربي أن يتطور إلا بجهود المبدعين العاملين على تحريره من هذه المحابس، ومن الابتذال الاستشراقي الاستهلاكي تحت دعوى الحداثة والتطوير. ويضيف إن الخط العربي فن، لكن ليس كل من يمارسه فنان والرسم فن، لكن ليس كل من أتقن الرسم وعمل به فنانا، والفنان ليس من يعرف ويتقن ما سبق، بل هو من يضيف إلى ذلك مطوراً ومجدداً ومبدعاً، فهو من له بصمة خاصة تميز عطاؤه في نوعه الفني، لذلك لا يعتبر المجود في تقليد خطوط سابقيه والنسج على منوالهم فناناً، بل هو حرفي مهما كان بارعاً. دور الخط وأكد الشعراني أن العودة إلى نظرتنا وفهمنا لدور الخط ووظيفته الجمالية في حياتنا مرتبط بأمور كثيرة، وهالة التقديس التي وُضع فيها ليست ناتجة عن النص القرآني، بل عن الجمود والجهل والسلفية والكسل العقلي، ولا بد في سبيل ذلك من إزالة هذه الأسباب، ويجب أن يدرك الموهوبون من الخطاطين ذواتهم وخصوصياتهم وحاضرهم ليتحرروا ويحرروا الخط العربي، وأن يعلموا أن الخط العربي - مثل اللغة - ليس مقدساً، فلقد استخدم في أوج العطاء الحضاري العربي الإسلامي لأغراض عديدة نفعية وجمالية ولم يقتصر على النص القرآني والأغراض الدينية؛ لأن الإسلام دين ودنيا، وعليهم أن يواجهوا المؤسسة السلفية الخطية التي تعمل على تكريس المدرسة العثمانية، وتنصب نفسها قيما على الخط والخطاطين. وقال إنه بدأ ذلك بنفسه، ويعتقد أنه حقق نجاحاً في إقناع بعض الخطاطين والمتلقين والمهتمين والنقاد بصحة ما طرحه من خلال كتاباته وأعماله التي عرضها ونشرها، الأمر الذي يجعله متفائلاً بمستقبل هذا الفن. وأشار إلى أن الخط العربي يعتمد فنياً على أسس جمالية تنطلق من العلاقات بين الخط والدائرة والنقطة، ويتعامل الخطاط في إنجاز عمله تشكيلياً مع العناصر نفسها التي يتعامل معها الفنان في أي من الفنون الأخرى، كالخط والكتلة والملمس ليس بمعناها المادي بل بمعناها البصري الذي ينتج حركة ذاتية، فيتجلى برونق جمالي مستقل عن مضامينه ومرتبط معها في الوقت نفسه، ويمكن للفنان خلق نوع من الإيقاع الناتج عن التضاد بين الأجزاء والألوان، وتحقيق إحساس بصري بالنعومة والخشونة، والتكامل والوحدة في البناء التشكيلي، وان التجريدية المميزة للخط العربي تمنح الفنان الحرية في التشكيل، الأمر الذي يشترك فيه فرعا الخط العربي المرن والهندسي واللذان ينفرد كل منهما بخصائص جمالية. وأضاف أن تسمية الخط الكوفي، اصطلاحية، وتشمل كل الأنواع المتفرعة والمشتقة والمطورة عن “البسط”، بغض النظر عن الزمان أو المكان، وقد جاوزت أساليبه الـ70 لكل منها خصائصه التي مكنته من لعب دور بارز في سجل الفن العربي الإسلامي ونرى أمثلة لا حصر لها في متاحف العالم، وفي المنشآت المعمارية الدينية والدنيوية الباقية، قبل أن يوضع في محبس النسيان حتى وقت قريب، الأمر الذي يوجب علينا الإسهام في جهود إحيائه وتطويره، لإنتاج أعمال أصيلة وعصرية، تنتزع مكانتها اللائقة بين الأعمال التشكيلية الأخرى. فن قومي ولا يعتقد الشعراني في وجود فن قومي ناتج عن استلهام الحرف العربي في اللوحات الفنية؛ لأن للفن نظماً مشتركة عالمية وإنسانية وحضارية لا تعرف الحدود، وما يمكن الكلام عنه هي الخصوصيات الأسلوبية والموضوعية المتأثرة بالخصوصيات البيئية والثقافية والمجتمعية وغيرها تأثراً مميزاً ينهل من المنبع الفني الإنساني ويرفده في علاقة جدلية ممتدة منذ عرف الإنسان الفن؛ ولذا يرى أن الفنانين العرب الذين تناولوا الخط العربي في أعمالهم، لم ينتجوا فناً قوميا، بل أنتجوا أعمالاً تحاول إضفاء خصوصية محلية تستلهم الحرف أو الخط العربي، لكنها مبنية على الأسس الأكاديمية ومفرداتها التشكيلية السائدة عالميا، كما فعل الفنان السويسري “بول كلي”. ويقول إن الخط العربي فن قائم بذاته وبخصوصياته، لكنه يشترك مع الفنون التشكيلية كلها بالنواظم التي تمنحها تسميتها، أما “الحروفية”، فهي اصطلاح زئبقي أطلق في غفلة من النقد ومن الفنانين الذين يعتبرهم منظرو الحروفية رواداً لها؛ لأن هؤلاء الفنانين لم ينتجوا أعمالهم المسماة حروفية انطلاقاً من خصوصيات تشكيلية ورؤية توافقوا عليها، بل نهلت أعمال كل منهم من المدرسة أو الاتجاه التشكيلي الذي تأثر به أو انحاز إليه، والفارق كبير بين اللوحة الحروفية واللوحة الخطية، الأولى يقوم بناؤها في أرقى حالاتها على خصائص فن التصوير وتستلهم الحرف العربي بصيغته الكتابية غير التشكيلية، والثانية تُبنى على الخصوصيات التشكيلية للخط العربي، أما تلك الأعمال المهجنة، التي تقوم على فوضى بنائية من الخط التقليدي ملقحة ببعض الألوان أو العناصر المستعارة من فنون أخرى مختلفة بنيوياً، فهي زبد لا وزن له في ميزان التحليل التشكيلي النقدي، أو في ميزان اللوحة. وقد كتب الشعراني عن الفن الإسلامي وفي النقد الفني، ويرى أن تلك الكتابات في معظمها نقد تطبيقي لمعارض وتجارب تشكيلية، ومناقشة لقضايا فن الخط العربي، وتصميم المطبوعات والحروف الطباعية، وكتاباته حول الفن العربي الإسلامي انطلقت من قراءة مغايرة للقراءات السائدة لهذا الفن لأنه يرى أن الفن العربي الإسلامي يمثل التكثيف الأمثل للمنظومة الفكرية التي قامت عليها الحضارة العربية الإسلامية وتجلياتها، ويستبطن الفلسفة الفنية والجمالية التي يقوم عليها جوهر هذه المنظومة في رؤية الوجود وما وراءه، وفي فهم الحياة والإنسان ليبني عليها منطقه الجمالي ولغته التشكيلية التجريدية الراقية بتعبيراتها وتجلياتها وأساليبها ومراحلها كافة، التي تعاملت مع عناصر الفنون الجميلة بشكل متميز، لهذا تحتاج قراءته إلى عين مغايرة تفهم لغته وتسبر غوره وصولا إلى جوهره، ويمكنها تحليله وفهمه شكلا ومحتوى بعيداً عن القوالب الجاهزة، وعن المفاهيم التي تشكل المركزية الأوروبية خلفية لها، واعتمادا على التطور الكبير في مناهج علم الجمال وفلسفة الفن، التي فتحت المجال لدراسة الفنون بأساليب حديثة تنظر إلى الفنون وتصنفها بطرق جديدة مختلفة. جمالية الحرف والكلمة عن مفهومه للوحة الخط العربي قال الشعراني إنها اللوحة القائمة بنائياً على الخصوصية الجمالية والتشكيلية للخط العربي، وهي اللوحة التي تشكل إضافة لهذا الفن وللفن التشكيلي في الوقت نفسه، وتجمع جمالية الحرف إلى جمالية الكلمة، وجمالية البناء إلى جمالية اللون إلى جمالية المحتوى ودون الحاجة إلى الاتكاء على عناصر غريبة عن هذا الفن.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©