السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السودان بعد الانفصال

21 يناير 2011 22:36
انتهت عملية استفتاء جنوب السودان وبدأت مرحلة فرز أصوات الناخبين في الجنوب والشمال ودول المهجر، وانهالت عبارات الثناء والتقدير من قبل المراقبين الدوليين والمحليين وبعض رؤساء الدول المهتمة، على الشعب السوداني الذي أثبت جدارته واحترامه فوفر الأجواء الآمنة لعملية الاستفتاء والتي كانت الشكوك تراود البعض في أنها قد تشعل نيران الفتنة والعنف وإراقة الدماء. وشهد المراقبون أيضاً لمفوضية الاستفتاء القومية ممثلة في رئيسها محمد إبراهيم خليل والفريق العامل معه، إذ رتبت وقادت هذه العملية الفريدة في تاريخ السودان رغم الصعوبات وضعف الإمكانات، واعترفوا جميعاً بأنها من أكثر العمليات التي راقبوها في البلدان الأخرى انضباطاً وشفافية. لقد جرت عملية الاستفتاء بسلاسة وهدوء وأثبت الجنوبيون أن كلمتهم وإرادتهم في تحقيق حلمهم بتقرير المصير قد تجسدت. صحيح أنه من الممكن للمراقب الذي تابع أجواء السودان في تلك الأيام أن يرى تأرجح مشاعر السودانيين بين الفرح العارم الذي عم أرجاء مدن وقرى الجنوب والحزن الذي خيم على الشمال، وهي مشاعر قد تقود بعد قيام الدولة الوليدة ومعالجة القضايا العالقة إلى بعث الأمل في أن يؤسس الشمال والجنوب علاقة جوار بروح التعاون والتسامح والنظر إلى المصالح المشتركة والعلاقات التي لا يمكن فصلها بين الشعبين. ورغم بؤس السنوات الأخيرة بين الشمال والجنوب والتي تنتهي الآن إلى انفصال الجنوب، فإن الأشهر المتبقية من عمر الفترة الانتقالية (يوليو القادم) ستظل هي الأخطر والأصعب في تاريخ علاقات البلدين. فسيواجه "المؤتمر الوطني" و"الحركة الشعبية" عقبات المسائل العالقة، كترسيم الحدود، وقضية أبيي، والنفط، والجنسية، والديون الخارجية... وغيرها من القضايا التي يجب أن تحسم برضا الجميع. والطريق الوحيد المؤدي لذلك هو الحوار والتفاوض والاستفادة من تجارب الماضي. صحيح أن الجانبين يعملان الآن من خلال لجان مشتركة تتفاوض في غرف مغلقة، وصحيح أيضاً أن ثمة بوادر تشير إلى أن كلا الطرفين يحاولان هذه الأيام التقليل من حدة وعنف الكلام المتبادل الذي يصدر علانية أحياناً من هذا الجانب أو ذاك... إلا أن المطلوب عملياً هو مواجهة انفصال الجنوب بشجاعة وأمانة، وأن تشرك القوى السياسية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني بشكل جاد وملزم. فقضية مصير السودان ليست حكراً على طرف دون آخر. الطريقة التي يتعامل بها "المؤتمر الوطني" و"الحركة الشعبية" في التفاوض حول القضايا العالقة لن تؤدي إلى الحل الاستراتيجي والاتفاق التاريخي المطلوب، ولن تؤدي لتحقيق مطالب الشعب السوداني... فالقضايا العالقة هي في واقع الأمر قضية واحدة كبرى تندرج تحت العنوان الرئيس؛ أي "مستقبل العلاقات الجنوبية الشمالية"، وهكذا يجب أن ينظر إليها، وهكذا يجب التعامل معها. صحيح أن المساعدة من المجتمع الدولي (أقصد الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين) ضرورية لحل تلك القضايا وتحقيق الوعد والأمل بأن يتم الانفصال حتى آخر مراحله بسلاسة وهدوء وتعقل... إلا أن الحل الحقيقي الذي يؤمن ذلك المستقبل هو بيد شعبي الجنوب والشمال. ولو تعقل العقلاء في الشمال لوجدوا الحل والعلاج الناجع لمشكلتهم ومشكلة بقية السودانيين، وذلك بالاستجابة للمطالب الشعبية والاستفادة من الدرس السياسي الذي قدمه لنا إخوتنا الجنوبيون الذين بادروا بعقد مؤتمر الحوار الجنوبي قبيل الاستفتاء وشارك فيه خصوم الحركة والمنشقون الذين حملوا السلاح ضدها واتفقوا، ثم واجهوا معركة تقرير المصير متوحدين وملتزمين بتشكيل حكومة قومية جنوبية مستقلة وإجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية لا تعزل ولا تستثني أحداً (حتى الوحدويين). إن انفصال الجنوب لن يكون نهاية أزمات السودان والزمن المتبقي من الفترة الانتقالية فترة صعبة، وسيتوقف مصير الأمور فيها على قدرة وكفاءة القيادات السياسية السودانية، فذلك ما سيحدد مستقبل السودان وشعبه لاستدامة السلام وتحقيق الوحدة الوطنية بالسعي الجاد للتنمية والاستقرار وطي صفحة الماضي. عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©