الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإمام الطرطوشي أوَّل من كتب في أصول الحكم

الإمام الطرطوشي أوَّل من كتب في أصول الحكم
21 أغسطس 2011 23:04
عمرو أبو الفضل (القاهرة) - الإمام الطرطوشي من العلماء الربانيين، وكان قدوة في الزهد والعلم والعمل، وشهد له بالتفرد في الفقه وعلوم الشريعة، وعانى من المتعصبين والجامدين والجهلاء ولقي الاضطهاد والنفي لدفاعه عن مصالح المسلمين وتصديه للطغاة ولجهوده في إحياء علوم الدين ومقاومة البدع التي نشرها الطغاة. ويقول الدكتور سعيد أبو الفتوح - الأستاذ بجامعة الأزهر - ولد أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري الأندلسي الطرطوشي، بمدينة طرطوشة الأندلسية في سنة 451 هـ، وبدأ طلب العلم صغيراً بحفظ القرآن وقرأ المدونة، ودرس في جامع المدينة الكبير على مشاهير علمائها الفقه والحديث والكلام والتفسير وغيرها من علوم الشريعة، ولما بلغ العشرين رحل إلى مدن الأندلس الكبيرة لمواصلة طلب العلم، فسافر إلى سرقسطة ولزم القاضي أبا الوليد الباجي، ومكث عنده أربع سنوات كاملة فحمل عنه المذهب، وعقب وفاة أستاذه العلامة الباجي، خرج في رحلة علمية إلى بلاد المشرق، فدخل مكة في سنة 476 هـ، وعكف على المذهب المالكي، وانتقل إلى بغداد وسمع من كبار علمائها ومشايخها، ودخل البصرة فسمع بها الحديث من أبي علي التستري في بلاد الشام سافر في سنة 480 هـ، إلى بلاد الشام، بعد أن تضلع وفي نيته نشر المذهب المالكي بها، وكانت شبه خالية من المالكية، فدخل بيت المقدس ثم دمشق وحلب وأنطاكية، وتصدر للتدريس والتف حوله طلاب العلم لتفرده، وبعد عشر سنوات كاملة، خرج إلى مصر في سنة 490 هـ، واستقر به المقام في الإسكندرية بمصر، وعمل بالتدريس والتأليف، وجعل داره مدرسة لطلاب العلم الشرعي، ينفق عليهم ويعلمهم، وبلغ تعداد تلاميذه في مدرسته 360 طالباً. واشتهر الطرطوشي بالذكاء والفطنة وسعة العلم، وبرع في الفقه وعلوم الشريعة واللغة العربية وعلومها، وكان عابداً زاهداً متقشفاً مبتعداً عن الناس، يغلب عليه الورع في سائر أحواله، وينفق كل ماله على وجوه الخير، وذاع صيته في الأقطار وطارت مصنفاته في غالب الديار، وقال عنه ابن بشكوال: “كان الطرطوشي إماماً عالماً، زاهداً”، وقال عنه الإمام أبو بكر بن العربي: “كان الطرطوشي عالماً، فاضلاً زاهداً، مقبلاً على ما يعينه”. مصنفاته وترك الإمام الطرطوشي مصنفات فريدة في علوم الشريعة والفقه المقارن والتفسير والسياسة الشرعية ومن أهمها “عرائس المجالس”، و”الكبير في مسائل الخلاف في الفقه”، و”شرح رسالة الشيخ ابن أبي زيد القيرواني”، و”الأسرار”، و”الفتن”، و”الرد على اليهود”، و”رسالة في البدع والحوادث”، و”سراج الملوك “، وهو من أهم كتبه على الإطلاق، ويعد من أوائل المصنفات التي أسست للفكر السياسي في الإسلام، ووضعت الأطر الشرعية الكاملة للنظم السياسية في الحكم والولاية، وصنفه عقب المحن الأليمة التي تعرض لها، وكادت تنهى حياته، فقد كان شديداً على الطغاة ويمقت البدع والمبتدعين، ويؤمن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للحاكم ولما انتهت رحلته بالمقام في الإسكندرية بمصر التي سادها آنذاك مذهب العبيديين وحكمهم، وكان يسيطر عليها الوزير الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي الذي نشر مذهب العبيديين بمصر كلها، وكان طاغية جباراً، وفي ظل حكمه الجائر أفل نجم أهل السنة بالشام، واحتل الصليبيون بيت المقدس وسواحل الشام، فلما سمع الطرطوشي عن جبروته وطغيانه وسلطانه، قرر الذهاب إلى القاهرة لنصحه ووعظه كما يليق بالعلماء المخلصين الربانيين، ويطلب منه الرفق بالرعية، وإشاعة العدل بينهم، وبالفعل سافر لمقابلته، وحين دخل على الطاغية في قصره، وجده زاخراً بمتع الدنيا وزخارفها، وتحيط به علامات الأبهة والتكبر، فشرع في وعظه ونصحه بعبارات تفيض بالترهيب والترغيب، بأسلوب بلاغي رائع، جعل الطاغية الجبار يهتز ويبكي، بعدها عاد الطرطوشي إلى الإسكندرية، وتفرغ للعلم والتعليم، وواصل نقده للحكام الطغاة الذين لا يراعون حق الله في العباد والبلاد، وزادت شهرته بين الناس واقبل عليه طلبة العلم، ولكن هذا الصيت جر عليه الأحقاد والمكائد، فقد توجس قاضي الإسكندرية “ابن حديد” من المحافل العلمية التي كان الطرطوشي ينظمها، وكانت سبباً في نهضة علمية كبيرة بالبلد، وإقبال الناس على كتاب الله والسنة، وضاق به ضيقاً شديداً، وزاد من حنقه عليه الفتاوى الكثيرة التي كان يعارض فيها طريقة ولاة الدولة في الحكم، وينتقد فيها صراحة سياسة بني حديد خاصة فتواه بحرمة الجبن الذي يستورد من الروم وكانت تجارته رائجة، وتدر دخلاً كبيراً على خزانة بني حديد، وقيامه بتأليف رسالة “بدع الأمور ومحدثاتها” التي انتقد فيها الأوضاع والعادات السائدة في المجتمع وتخالف صحيح الدين، وهو ما دفع القاضي ابن حديد إلى الوشاية به عند الوزير الأفضل ودس عليه الافتراءات والأباطيل وادعى أنه خطير على أمن البلاد واستقرارها، وأن كثرة انتقاده لأوضاع الولاة ونظم الدولة تؤلب الرعية وتنذر بثورة الناس، فأمر الوزير الأفضل الطاغية بنفيه إلى القاهرة وفرض عليه الإقامة في مسجد الرصد جنوبي الفسطاط بالقاهرة القديمة، ومنع اتصاله بالناس، وقرر له بضعة دنانير يأخذها من متحصل جزية اليهود كل شهر، إمعاناً في إذلاله، ومكث شهوراً طويلة في معتقله، لا يجرؤ أحد على زيارته أو الاجتماع معه أو حتى الصلاة في المسجد خوفاً من أن يتهموا بالاتصال بالشيخ، ولما طال عليه الحبس والمنع، اضرب عن الطعام الذي يأتيه من الوزير الطاغية، وأمر خادمه بجمع المباح من الأرض، وتقوت به، وظل صائماً قائماً شهوراً. العودة إلى الإسكندرية ووفاته فى يوم 28 رمضان سنة 515 هـ، اغتيل الوزير الطاغية في موكبه، وتولى الوزارة بعده المأمون البطائحي، وكان يجل الإمام الطرطوشي، ويعرف الظلم الذي تعرض له من الأفضل، فأخرجه من الحبس وأكرمه، فطلب الطرطوشي من الوزير الجديد أن يأذن له بالعودة إلى الإسكندرية، فأذن له، ولما عاد عكف على تأليف كتابه “فن السياسة والحكم وأصول العدل والرفق بالرعية”، ليتخذه الحكام والولاة كدليل ومرشد حتى لا تأخذهم عزة الحكم وأبهة السلطان ويسيروا على خطى الظالمين، وتوفي - رحمه الله - في 26 جمادى الأولى 520 هـ، ودفن بالإسكندرية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©