الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رواية تعزف لحن القهر

رواية تعزف لحن القهر
17 نوفمبر 2010 19:35
“هكذا كل الذين أحبهم يموتون سريعاً.. أنا لا أحب الحياة لأنني أخاف أن تموت ولا أحب امرأة واحدة لأنني أخاف أن تموت وأكبر خطأ ارتكبته في حياتي أنني كبرت”. هذه واحدة من العبارات الملفتة والمؤثرة في المؤلف الجديد للروائي والشاعر راشد عيسى “مفتاح الباب المخلوع” الصادر عن دار أزمنة بعمان الذي يوحي بالكثير من الدلالات والمعاني والإسقاطات الاجتماعية والسياسية، إذ كيف يكون حال البيت أو الأسرة إذا صح الاستنتاج إذا كان الباب مخلوعا وما الذكرى التي يحملها الإنسان إذا علق مفتاح بيته على جدار رطب جراء إكراه أصحابه الأصليين على هجره بالقوة والدم. والمتصفح للرواية يكتشف أنها نص بوحي حقيقي يعزف فيها المؤلف لحن القهر أو لحن الشتات ويسجل غربته ودمعته ووحدته يروي محطات متنوعة من حياته ابتداء من طفولته التي أرى من خلال سطوره أنها كانت صعبة وشقية ربما من طرف أمه كما تراءى لي من تصويره للمرأة “لقد وزعت أحلامي منذ السادسة من عمري على فئران الجيران وحظائر الماشية”. وفي بعض المواقف تقول له أمه “يلعن الساعة التي ولدتك فيها.. لو أني ولدت صرصورا لكان أفضل من ألدك يا فرخ الجن.. سأكسر رأسك بالشاكوش يا وقح.. سأقص لسانك الطويل مثل ذنب الحية”. ورغم أن الروائي راشد عيسى يتكلم على لسان جني يبدو أنه مر بتجارب صعبة في حياته وحاول قدر المستطاع أن يمررها على لسان شخصياته فقد وصف الحياة بـ”الكلبة الصغيرة” أحيانا وهو قط ضخم يقف أمامها على الدوام و”الدنيا مسخرة كذب في كذب” في مواقع أخرى. وانطلاقا من طفولة شقية ربما سادها الكثير من الاضطهاد والعنف “ايلي يضربني ليقتل عزة نفسي ويمزق كبريائي” نراه يمجد القوة متأئرا ببعض الفلاسفة “أحب الكبش حين يسير أمام النعاج يهز قرنيه”، “من يضربك بإصبع أخزق عينه بمخرز.. كن ذئبا ولا تكن ثعلبا”، “عش صقراً يوماً واحداً ولا تعش دجاجة تسعين يوماً”. وهناك مؤشر آخر على تمجيده القوة ولفت أنظار أقرانه وربما أسرته من خلال تفوقه الدراسي وقوته العضلية “صرت امهر ولد في حمل الشبرية والقتال بالنبوت (العصا الغليظة).. كنت أسرع من الحصان.. أطرح أرضا كل الأولاد الذين أكبر مني حجما وسنا.. كانوا يخافونني ويقولون هذا شراني يقاتل ثيران السماء”. ويبدو من خلال تسلسل شخصياته أنه مصدوم من تجارب ذات طابع إنساني لطيبته وكبريائه الواضحتين وهذا لم يأت من فراغ بل غذاها تجربة ثرية ذاتية في مواقع الشتات التي عمل فيها في ريعان شبابه تركت في أعماقه رواسب محزنة لذلك صادق الكلب “براق” ووصفه بأنه مثل أخيه.. الوحيد الذي فهمه وأخلص له.. “ينام جنبي يذهب أينما أذهب أفهم كلام عينيه وحركة ذيله وحشرجاته كان يحبني ويلاعبني ويفهم الكلام الذي لا أقوله لكنه مات لدغته أفعى أم قرون”. وفي روايته يجيد راشد عيسى ما يطلق عليه أدب المكان واستحضاره بطريقة مشوقة وأسلوب أدبي سلس مستندا لموروث شعبي يدفع القارئ للتخيل.. يضعه أمامك بعبارات تثير الوجدان وتدغدغ أوتار القلوب فتراه يصف مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة بأنها “صبية مدللة بين عريسين يخطبان ودها هما جبلا عيبال وجرزيم وعلى سفوح هذين الجبلين تتعلق البيوت مثلما يمسك راقصو الدبكة كل بزنار صاحبه، يسميها الرجال الأحرار جبل النار أتمنى أن تسمى “زهرة النار” لأن أغلب أهلها ناعمون كالأزهار.. أذكياء كالنحل.. عنيدون كمقاليع الحجارة في جبل عيبال.. مثقفوها متنورون وتجارها فهلويون ونساؤها فاخرات بنكهة كنافتها سيدات بيوت من الطراز الأول معتزات بأنفسهن كاعتزاز جبل جرزيم بصلابة صخوره”. ويقول إنها مدينة تجيد التساهي فيحسبها الغرباء ساهية لكنها أشد حذرا من نمرة نائمة.. تدخل حارة الياسمين فتحسبها مدينة تحت الأرض تتمشى في سوق البصل أو الحدادين أو حارة القريونة فتشم رائحة دمشق القديمة وترى التاريخ متكئا في إحدى الزوايا يضع رجلا على رجل. وفي موقع آخر يقول إن “في نهر الأردن أسرارا عظيمة.. فيه دم محاربين وأنفاس أنبياء.. هذا أول نهر في الكون وأكثر منطقة منخفضة.. هذا النهر القمر لا يموت وأنا لن أموت”. ويستشف من بين سطوره دعوة مبطنة للتمرد باعتباره الطريق الوحيد لتغيير الواقع الصعب، فالحروف التي تعلمها على مقاعد الدراسة لا تغير المعالم لكنها تنير الطريق وعدم الانحناء أمام الضغوط أيا كانت، ويحرضنا على الحلم مهما كان بعيدا، ويأخذنا نحو الأفق الأرحب كي نمسك رموش القمر فتراه يحرض حتى الدجاجات عن سكوتهن وهن يشاهدن الديك يتسلل لينكح فراخ الجيران ثم يعود خلسة دون أن يعترضن على خيانته بل يمشين في ظله راضيات. ويقول “لم أكن أعرف سر قوقأة الدجاجة بعد أن تبيض.. سألت ايلي فضحك وقال: إنها تفتخر بانجازها العظيم ولا استغرب أنها بصراخها تلفت انتباه الديك أنها أصبحت جاهزة لجولة أخرى”. أما المرأة فقد برع بوصف تفاصيل جسدها فمن وجهة نظره فإن النساء العظيمات قليلات لكنه كان يجد متعته في مراهقته وهو يتلصص من نافذته على ما تفعله الكلاب والقطط في الحارة أو مراقبة حركة المرأة ذات الصدر الهائل والكلام الناعم كالخيانة. ويبدو أن وجهة نظره حيال المرأة انطلاقا من تجربته ليست إيجابية فهو يرى على لسان إحدى شخصياته أن المرأة بعد سن الأربعين يطول لسانها ويقل عقلها وتصبح مزعجة فيما يميل الرجل للصمت ويصبح حكيماً ويكبر عقله.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©