الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رصانة وتجاوزات تحت سقف واحد

رصانة وتجاوزات تحت سقف واحد
17 نوفمبر 2010 19:35
معرض “نجوم: كوكبة من الأعمال الفنية العربية من مجموعة فرجام”، الذي تقيمه “مجموعة فرجام” في الصالة الخاصة بها في دبي، يبدأ قبل دخول الزائر إلى الغاليري، بسيارة صغيرة حمراء تحمل أثاث بيت، في إشارة واضحة إلى الرحيل، عمل تركيبي ينفذه الفنان اللبناني أيمن بعلبكي، وقد لا ينتبه إليه الزائر للمعرض لأنه عمل على قدر كبير من الواقعية من حيث محتوياته ومكوناته، لكنه من جهة ثانية يجسد عملا فنيا ينتمي إلى الفن المفاهيمي الذي يتطلب الوقوف أمام تفاصيله أكثر من غيره. سيارة تاكسي حمراء اللون، عتيقة ومخلعة كما هي حال بعض سيارات الأجرة في لبنان، وحمّل على ظهرها أثاث منزل. يكاد يكون بيتاً كاملاً قد جرى تحميله على السيارة المجهزة لتهرب بأهل الدار إلى مكان ما يأمنون فيه على حياتهم. يقول أيمن بعلبكي إنه “تهجر” عدة مرات منذ صغره بسبب الحروب المستمرة في لبنان. وهذه السيارة التي وضعها داخل دائرة مضيئة نرى عليها الجهات الأربع، فهي لا تذهب في أي اتجاه، وإنما تدور حول نفسها. هو عمل فني لكنه مستنسخ من الواقع. عشرات الفنانين العرب من الراحلين والصاعدين، يلتقون في هذا المعرض الذي يحمل عنوان “نجوم: كوكبة من الأعمال الفنية العربية من مجموعة فرجام الفنية”، ويضم أكثر من أربعين عملا فنيا تتوزع ما بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي والنحت، حيث يشارك من الإمارات الفنان عبد القادر الريس، ومن الراحلين الفنان اللبناني من أصل فلسطيني بول غيراغوسيان، والسوري فاتح المدرس، والمصريان محمود سعيد وآدم حنين. ومن أبرز المشاركين الفنان التونسي نجا المهداوي، والفنانة التشكيلية الفلسطينية منى حاطوم، والفنان المصري المقيم في نيويورك يوسف نبيل وسواهم. إضافة إلى الفنانتين الشابتين المغربية لمياء ناجي والإماراتية ميثاء حريز التي لا يتجاوز عمرها الحادية والعشرين، وهي الأصغر سناً بين الفنانين المشاركة أعمالهم بالمعرض. نتجول في هذا المعرض الذي يأتي بعد سلسلة من معارض مجموعة فرجام الفنية، بدءا من معرض “قصة الفن الإسلاميّ في 99 قطعة” مرورا بمعرض “إشراقات الفن الإسلامي من مجموعة فرجام” و”معرض القرآن الكريم” اللذين تضمنا مخطوطات وقطعاً إسلامية فريدة من “مجموعة فرجام” الخاصة، لنرصد حضور أعمال نادرة لعمالقة التشكيل العربي عبر القرن العشرين، وهي أعمال تنتمي إلى مدارس متعددة وتعبر عن أساليب متنوعة، ما يوفر إطلالة غنية على الحركة التشكيلية العربية وتطورها، والتي تميزت في هذا المعرض باجتماع متنافر أحياناً ومتناسق غالبا بين الرصانة والتجاوز. هنا وقوف على نماذج من الأعمال المشاركة. حنين وسعيد منحوتات آدم حنين البرونزية الثلاث تجسد القوة والصلابة، “البومة” تتخذ شكلاً مستطيلاً لكن العينين في طرفي المنحوتة تدلان عليها ومنديل أم كلثوم يدل عليها كذلك، وكذلك الحال مع “شيخ البلد” بجلبابه المألوف. هي منحوتات تشير إلى الفن الفرعوني والآثار المصرية واليونانية والفن الأوروبي المعاصر. الفنان المصري محمود سعيد الذي حظيت لوحتان له بأعلى الأسعار في مزادات كريستسز، وهما لوحة “الشادوف” ولوحة “مولوية الدراويش” يقدم هنا لوحتين تصوران حالتين من أحوال البحر، في الأولى يبدو البحر وقد بدأ يتراجع وينحسر مع امتداد العمران والقصور والجوامع، ولم يعد يكفي إلا لخمسة قوارب مصفوفة جنباً إلى جنب، راسخة تحاول أن تحتفظ بتاريخ وذكريات وحكايا، واستخدم الفنان ألوان الطبيعة المألوفة، الأزرق والأبيض والأصفر الفاتح وغيرها. في اللوحة الثانية يصور الفنان البحر من خلال الوجوه، وفيها يحافظ على شكل المرأة الإسكندرانية من خلال ردائها التقليدي ومنظر الطفل في حضن والده، وبطل لوحته هو زجاجة أو إبريق العرقسوس الذي يروي العطشان من حر الصيف، فقد أراد على ما يبدو أن يظهر أن الناس باتوا يعتمدون على الثانويات ويهملون الأساسيات في الحياة. الشعر والقسوة ويشارك أدونيس بمجموعة أعمال سبق وأقام لها معرضاً خاصاً، وهو في هذه الأعمال يستخدم مواد مختلطة من الورق والجلد والخيوط والصوف في تكوينات تشبه الأشكال البشرية والحيوانية، وهي أشكال كما يقول موضوعة على كتابات أنيقة متناثرة على ورق أبيض مثل نبوءات كامنة، وهي مقتضبة وموحية تستحضر جوهر الأشياء كما لو أنها قصائد وأشعار، وتتميز بدقة حروفها. الفنانة الفلسطينية منى حاطوم (المولودة في لبنان والمقيمة في لندن) تقدم عملاً ينطوي على قدر كبير من القسوة، رغم الطابع الإعلاني الذي تشتغل به الفنانة، فهي في عملها الضخم الذي يحمل عنوان “على جثتي” تستخدم صورة تعلوها دمية جندي، في محاولة لتجسيد معنى الألم الفلسطيني ودلالاته العميقة، ألم الوطن والإنسان عموماً، وألم المرأة بصورة خاصة وما يتعلق بحياتها وحياة الشعب من تفاصيل صغيرة ومشاهد باتت تشكل ذاكرة الناس وما تختزن من ذكريات. التراث والحداثة في أعمال عبد القادر الريس يحضر التراث في صور عدة، فمن جهة هناك التراث والبيئة الإماراتية، ومن جهة ثانية تحضر اللوحة الحروفية التي يستغل فيها الريس إمكانيات حرف الهاء وجمالياته، من خلال لوحة تشكيلية بألوان زاهية. وفي إطار الخط العربي وتنويعاته يشارك نجا مهداوي بعمل ضخم (132 ـ 307 سم)، وبلا عنوان، يحطم من خلاله أشكال وهياكل الحروف العربية، ليلعب بالأحجام والخطوط والألوان. وبالوقوف على “احتفاليات” غيراغوسيان وأعماله ذات التكوينات الطولية الرصينة، نقف على تجربة تذكر بالأيقونات البيزنطية التي أحاطت بالفنان منذ طفولته، حيث يقدم شخوصه بضربات فرشاة عريضة تظهر تزاحما بينها، وتمتزج بشكل يدل على تأثير رسامي حركة الحداثة على أسلوبه الفني. ويقدم فاتح المدرس عملاً ضخماً كذلك بعنوان “وداع الآلهة في بيروت” يصور فيه على طريقته دمار بيروت وتحولاتها من مدينة ترمز عبر تاريخها إلى الجمال بطبيعتها الخلابة، إلى مدينة للأشباح تفيض بالكآبة والألم، خصوصاً باستخدام اللون الأحمر والشخوص ذات التكوينات التكعيبية التي تفتقد الملامح. هموم نسائية الفنانة اللبنانية لارا بلدي تشارك بأكثر من عمل فني، بعضها مجسمات ضخمة، وبعضها لوحات تشكيلية استطاعت الفنانة من خلالها تأكيد تنوع فني ومضموني، ففي عملها “كلايدوسكوب” جسدت تجربة متداخلة شملت الرسم ومقتطفات من الفيديو والخزفيات والبرونز في عمل واحد. وفي التصوير الفوتوغرافي، تبرز مشاركة الإماراتيتين لمياء قرقاش وميثاء حريز، والمغربية لمياء ناجي، مع فارق بينهن في الأسلوب والمضمون. قرقاش تصور بالألوان تفاصيل من فنادق النجمة الواحدة، بقدر كبير من الواقعية، أما ميثاء حريز فتلجأ إلى التصوير بالأبيض والأسود في سلسلة “خلف الأبواب” فترصد جوانب من الحياة الاجتماعية في الإمارات. وتحت عنوان “الدوار” تعرض لمياء ناجي صوراً بالأبيض والأسود عن العزلة والوحدة التي تعيشها امرأة فقدت شريكها، وتشتغل فيها على علاقة الظل والنور بشكل فني متقدم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©