الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العين الساحرة والبنية الدرامية المدهشة

العين الساحرة والبنية الدرامية المدهشة
17 نوفمبر 2010 19:36
من غير الممكن الحديث عن السينما اليابانية دون التوقف مطولا عند أكثر المخرجين اليابانيين أهمية وشهرة عالمية أكيرا كيروساوا، الذي يعد أول مخرج ياباني استطاع في مرحلة ما بعد خروج بلده مدمرا من الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة أن يجتاز المحلية نحو العالمية، من خلال فيلم “راشومون” الذي نال عليه جائزة الأسد الذهبية في مهرجان البندقية للسينما في إيطاليا عام 1951، فكانت البداية التي فتحت أمامه أبواب الشهرة والانتشار بوصفه صاحب عين سينمائية ساحرة وعميقة في تقديم أفلامه التي تميزت بمشهديتها المثيرة، وجمال الصورة وبنيتها الدرامية القوية ما جعلها الأكثر شعبية في العالم. ولد كيروساوا لعائلة عريقة من الساموراي عام 1910، وكان يتطلع في حياته لدراسة الفن، إلا أن الصدفة هي التي غيرت مسار حياته، إذ قادته للعمل في مجال السينما عندما اختير ليعمل مساعد مخرج وكاتب سيناريو في أحد الأفلام. وقد ساهمت تلك التجربة في دفعه باتجاه الإخراج والكتابة السينمائية فكان فيلمه الأول “سانشيرو” ثم أتبعه بإخراج الجزء الثاني من الفيلم بعد عامين 1945. تتالت بعد ذلك سلسلة أفلامه التي شكل فيلم “رجال الساموراي السبعة” مرحلة هامة في مسيرته السينمائية، وكذلك فيلم “الغابة المخفية” اللذين كشفا عن إمكانات مدهشة في تقديم الدراما التاريخية التي تميزت بها أعماله السينمائية، الأمر الذي جعل المؤسسات السينمائية العالمية مثل هوليود تسعى للتعاون معه في مجال الإخراج. أخرج أكيرا كيروساوا عبر مسيرته السينمائية التي امتدت من عام 1943 وحتى عام 1993 أكثر من ثلاثين فيلما عاصر خلالها هذا المخرج المخضرم مرحلتي الإنتاج باللونين الأبيض والأسود والألوان. وكان عمله الأول الذي أخرجه بالألوان هو فيلم “روديسكادن” الذي تأثر فيه بتيار الواقعية الجديدة في السينما. تأثر كثيرا بالرواية الكلاسيكية الروسية فكتب العديد من المشاهد السينمائية متأثرا بتلك الأعمال، بل قدم فيلم “الغبي” المأخوذ عن رواية “الأبله” لديستوفسكي. إن ما يميز أفلام كيروساوا هو التوظيف المتميز لعناصر الطبيعة من ريح ومطر وطبيعة في تلك الأفلام التي تميزت بمشهديتها القوية، وبنيتها الدرامية المؤثرة التي تركزت بصورة خاصة على تجسيد الحياة اليابانية المعاصرة بجوانبها التاريخية والاجتماعية والثقافية كحياة المحاربين من رجال الساموراي التي خبرها من خلال والده الذي كان يعمل مدربا رياضيا في مدارس الساموراي، وحياة سكان فقراء الضواحي. تأثر بالسينما الأميركية والأوروبية وحاول الاستفادة من أساليبها وتقنياتها في إخراج أفلامه. وعلى الرغم من الإنجاز الكبير الذي حققه كيروساوا إلا أنه عانى من مسألة التمويل الذي اضطره للتوقف عن الإنتاج مدة من الزمن حتى قامت بعض المؤسسات الأوروبية والأميركية بتقديم الدعم له، إلا أن الدعم الروسي هو الذي ساعده على إخراج عمل يعد من أعماله المدهشة هو “ديرسو أوزلا” الذي يتناول فيه علاقة الإنسان بالطبيعة وحالة الانقطاع والفصام التي باتت تشهدها في العصر الحديث بعد أن أخذ الإنسان الحديث في تدمير الطبيعة واستخدامها لأغراض الربح، فكان الفيلم دعوة لاستعادة تلك العلاقة العميقة والطيبة وتصحيح الاختلال الذي أصابها لخدمة مجتمعنا الإنساني الذي اصبح محكوما برؤيته المادية والاستهلاكية المدمرة للطبيعة. والحقيقة أن معرفتي بسينما كيروساوا بدأت مع هذا الفيلم ذلك أن مؤسسة السينما السورية التي تهيمن على قطاع استيراد الأفلام كانت في سبعينيات القرن الماضي مشغولة باستيراد الأفلام الفرنسية والإيطالية والأميركية في حين كانت السينما الروسية تقدم في تظاهرات سينمائية كبرى تمتد أسابيع لاسيما في ذكرى ثورة أكتوبر في الاتحاد السوفييتي السابق، وكذلك الحال بالنسبة للسينمات الأوروبية ذات المضمون الاجتماعي أو السياسي لاسيما في صالة سينما الكندي العائدة للمؤسسة العامة للسينما نفسها. وقد خرجت عن هذا الخط عندما عرضت فيلم كيروساوا “ديرسو أوزالا” الذي فاجأ جمهور السينما السورية بجمالياته المدهشة وتناوله العميق والثري بدلالاته الكبيرة لعلاقة الإنسان بالطبيعة، ما شكل دافعا كبيرا للبحث عن أفلامه الأخرى والتعرف إلى منجزه السينمائي الهام. توفي كيروساوا عام 1998 عن عمر يناهز الثمانية والسبعين عاما تاركا وراءه ثروة كبيرة من الأفلام التي اشتغلها بدأب وإتقان، حاول في نصف تلك الأفلام أن يتمثل روح الحياة اليابانية المعاصرة مركزا على الجانب التاريخي والاجتماعي فيها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©