الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللقاء من خلف حجاب الزمن

اللقاء من خلف حجاب الزمن
28 أكتوبر 2006 23:41
عـادل علـي: أخبرتني صديقة أنها شاهدت فيلم ســـاندرا بولـــــوك الأخـــــير ''بيت البحــــيرة'' the lake house لكنها صعب عليها متابعة مجرياته والإمساك بمراميه وأبعاده· وقالت أنها تنوي مشاهدته مرة أخرى لكي تستطيع الإمساك بمفاتيح اللغز الذي ينطوي عليه الفيلم· نصحتها بألا تفعل، لأن الأفلام الملغزة التي تستعصي على الحل مرة لن تنفتح أسرارها في أية مرة، إذ أن المشكلة في مثل هذه الأفلام ليست عند المشاهد ولكن عند ''الصانع'' نفسه··· ذهبت لمشاهدة ''بيت البحيرة'' بهذه الفكرة المسبقة، ولكني تفاجأت بعمل رومانسي حالم، ليس جديدا على هوليوود في موضوعه، لكن الجديد فيه تلك الخلطة العجائبية في الاطار الذي جرت فيه الأحداث، ما جعل المشاهد الذي يريد متابعة تفاصيل الحكاية يعتبر أنه أمام لوحة مختلّة غابت عنها ملامح الزمن· الزمن أولا عندما نقول الزمن، في أي عمل سينمائي، فاننا نشير الى الاطار الذي لا بد منه لأحداث الفيلم· فهناك أفلام تشير الى زمنها بالتحديد، بالسنة أو بالشهر، أو أنها تكتفي بملامح العصر الذي تنتمي إليه، فضلا عن استخدام دلالات محددة: الصيف أو الشتاء، الليل أو النهار الخ··· والزمن، كمفهوم، كان مادة وموضوعا لأفلام عديدة خارجة من هوليوود، ارتكزت أساسا الى روايات الخيال العلمي منذ موجاتها الاولى في ستينيات القرن الماضي· وكانت الفكــــــرة المحورية لكل تلك الافلام تهتم بمسألة يمكن تسميتها اختراق الزمن في الاتجاهين، نكوصا إلى الماضي أو ارتقاء الى المستقبل· فيلم ''بيت البحيرة'' لا ينتمي الى هذه النوعية من الأفلام، على الرغم من أنه لعب لعبة الزمن بطريقة مختلفة· فأحداث الفيلم تجري في زمنين مختلفين وإن متقاربين نسبيا: عامي 2004 و ·2006 في هذين العامين، يعيش بطلا الفيلم معا، أي في نفس اللحظة أو الآن، فهما يتواصلان ليس عبر مساحة الجغرافيا ولكن عبر فجوة الزمن· المهندس المعماري أليكس وايلر (يقوم بدوره كينو ريفس) يشتري بيتا تنهض أعمدته فوق مياه البحيرة، وهو البيت نفسه الذي كان بناه والده المعماري الشهير لوالدته أيام زواجهما الأولى، قبل أن يتخلى عنها ويتغيب حتى عن جنازتها· يستلم أليكس عبر علبته البريدية أمام المنزل، رسالة من ساكنة سابقة تستأذنه في تحويل أي بريد يصلها إلى عنوانها الجديد، فتبدأ مراسلات بينهما مضمونها أنه لم يكن هناك ساكن قبل قدوم المهندس وايلر الى البيت، بينما تقدم الساكنة السابقة الدكتورة كايت فورستر (تقوم بدورها ساندرا بولوك) دلائل على إقامتها هناك الى أن تكتشف أن الساكن الجديد يخاطبها من··· زمن آخر· عقبة كؤود كانت الدكتورة فورستر تعيش في العام ،2006 طبيبة تشعر بالوحدة بعد تخليها عن خطيب غير مرض، أما المهندس وايلر فانه يعيش في العام ،2004 مع شعور بالوحدة أيضا· هنا تتجلى فكرة الفيلم الذي عبر عنها في عنوانه التفسيري الذي حمله الملصق الإعلاني: كيف يمكن ان ترتبط بشخص لم يسبق لك ان التقيت به؟ بهذا المعنى كان يمكن لأحداث ''الحكاية'' أن تأخذ منحى كلاسيكيا، كظهور عقبات وعراقيل، اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو مرضية تحول دون لقاء حبيبين· لكن في حالة أليكس وكايت فان العقبة الكؤود التي تحول بينهما هي الزمن· كيف يمكن ان يلتقيا اذا كان يعيشان في زمنين مختلفين؟ كيف يمكن أن يكونا معا اذا كان هو غير قادر على اختراق سنتين الى الأمام، وهي عاجزة عن العودة ادراجها سنتين إلى الوراء، أو حتى المكوث حيث هي بانتظار وصوله عبر الزمن بعد سنتين؟ ولقد حاولا، اذ قد حجز أليكس طاولة في أحد أفخم مطاعم المدينة، ''بعد سنتين من يوم غد''، وفي الموعد حضرت كايت وغاب أليكس· هنا يصبح الزمن سلطة قاهرة، تضع الانسان أمام كل ما يعريه· فهو أمام هذه السلطة عاجز، وحيد، منكسر، واهم على الرغم من أن ما يجري حوله هو حقيقة أو شيء يشبه الحقيقة· لقد ظهر أليكس وكايت، وكأنهما كتلة عصبية واحدة· فهما يمتلكان نفس الافكار والمشاعر، ويحتفظان بسلوك متشابه، ويعيشان وحدة مشتركة، ويفرجان عن إحساس متماثل نحو القبح والجمال، لكن لقاءهما مع ذلك يصعب أن يخترق حجاب الزمن· هذه الفكرة الفانتازية، ليست عبثية في الفيلم· أي أن إقحام الزمن كعامل استعصاء في السياق ليس مجرد ''فذلكة'' خيالية، بل هو جسر يمتد بين كل ما يستعصي على اللقاء· إذ أن اللقاء ''الذهني'' الذي حصل بين أليكس وكايت هو اهم بكثير من أي لقاء حسي بينهما، وبالقياس على ذلك يمكن النظر الى العلاقة الباردة بين كايت وخطيبها، أو بين أليكس وصديقته وحتى بينه وبين والده··· بيت من زجاج تنسل من فكرة الزمن، فكرة المكان، ويجسدها في الفيلم البيت أو على وجه التحديد بيت البحيرة· من حيث الشكل، فان البيت الذي تدور الأحداث حوله هو بيت عار، بيت من زجاج على وجه الدقة، لا يوحي بالدفء أو الحميمية· حتى انه طوال مدة الفيلم، ظل بالنسبة للمشاهد مكانا محايدا، إذ لم تدخله الكاميرا إلا في مشهد واحد· لكن هذا المكان الجامد، هو المصب الذي تتدفق اليه كوامن النفس البشرية· فعندما بنى والد أليكس البيت لزوجته، كان أكثر دفئا وحنانا، وهو اليوم بالنسبة لساكنه الجديد او لساكنته السابقة اكثر دفئا وحنانا· والمسألة هنا هي كيف تستطيع أن تبث في حوائط البيت وزجاجه دفئا انسانيا· وبهذا المعنى قال أليكس عن والده المعماري الشهير: إنه يستطيع أن يبني منازل، لكنه لا يعرف كيف يبني بيوتا· ووفق هذا الرؤية خرجت الكاميرا الى شوارع مدينة شيكاغو، حيث تجري وقائع الفيلم، تصور عماراتها السكنية الوحشية الطابع، وتتصيد من خلال هذا المشهد المرعب لقطات لبيوت ساكنة هانئة جميلة· ينطبق على ''بيت البحيرة'' أنه فيلم فانتازي باطار واقعي، كما ينطبق عليه العكس· وهنا تتجلى قدرة مخرجه الارجنتيني الأصل أليخاندرو آجنيستي، حيث رغم ''لغز'' الفكرة والاحداث ظل مسيطرا على فيلمه من مفتتحه وحتى خاتمته·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©