الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

فرنسا تعيد النقاش التركي حول معضلة الأرمن إلى المربع الأول

30 أكتوبر 2006 00:34
أنقرة - سيد عبد المجيد: عندما رحل ''نجيب محفوظ'' حرص جيراننا في بلدة ''كرمان'' الكائنة في فضاء مدينة ''سكاريا'' غرب الأناضول، على التعبير عن تقديرهم للراحل وبطريقتهم الخاصة قدموا لي أنا المواطن المصري واجب العزاء في فقيد الأدب العربي، في المقابل وعندما فاز الروائي التركي ''أورهان باموك'' بجائزة نوبل للآداب ترددت كثيرا في تقديم التهنئة لجيراني وحسنا فعلت، فالأناضول كان، ولازال، مهموما بالرياح العاتية التي تأتيه بشكل أساسي من الخارج، بيد أنه أمام التلفاز كان يجلس من لم يشارك في مظاهرات الغضب بالمدن الرئيسية، يحيي مواطنيه ساخطا على نفسه لأنه لم يكن هناك معهم ليندد بخطوة الجمهورية الفرنسية التي لم تكتف بقيامها قبل ست سنوات تقريبا، أي في 29 يناير (كانون الثاني) عام ،2001 بالاعتراف بمجازر الأرمن أثناء الحرب العالمية الأولى، بل راحت تشرع في قانون آخر يجرم من لا يعترف بهذه المجازر أو ينكرها· الحكومة من جانبها كانت تعلم بالمشروع منذ شهور بيد أن وزارة الخارجية استدعت سفيريها في كندا ''ايدمير أرمان'' وفرنسا ''عثمان كوروترك''، احتجاجا على طرح البلدين مشروع قانون لمعاقبة كل من ينكر المجازر ضد الأرمن· النفاق السياسي صحيح أن ما أقدمت عليه ''الجمعية الوطنية الفرنسية'' قد لا يقر في النهاية، إلا أن هذا الإجراء يعكس خوفا فرنسيا متأصلا من اقتراب أنقرة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، جاك شيراك نفسه، رغم رفضه لما اتخذه برلمان بلاده، لكن الثابت هو أن وجود تركيا في الجسد الأوروبي يثير حفيظته، مثله مثل أي ديجولي عتيد، أخذ عهدا على نفسه أن يكون عداؤه فطريا لكل من له صلة بالإمبراطورية العثمانية· في هذا السياق كان طبيعيا أن يدعو شيراك في سبتمبر الماضي ومن العاصمة الأرمينية ''باريفان'' حيث حط عليها ضيفا رسميا، تعليق طلب تركيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي حتى تعترف بمذابح الأرمن، وبدا الرئيس الفرنسي وكأنه تناسى أنه عارض بشدة قبل أقل من ست سنوات بحث مشروع قانون الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن وتأكيده فيما بعد لزواره الأتراك أنه اضطر لتوقيع القانون بحكم الدستور· هذا النفاق السياسي لم يكن وحده فقط سبب أحزان الأتراك فثمة أسباب أخرى منها على سبيل المثال لا الحصر حصول أديبهم ''أروهان باموك'' على جائزة نوبل في توقيت جاء بالتزامن مع أزمة بلادهم مع فرنسا وكان هذا يمكن أن يمر مرور الكرام لولا الجمل السيئة التي تفوه بها باموك قبل ما يزيد قليلا على العام ففيها حمل باموك بلاده مسؤولية مقتل مليون أرمني، وليته اكتفى بذلك بل لمح إلى مسؤولية تركيا عن مقتل 30 ألف كردي راحوا في مواجهات مع الجيش دون أن يصفهم بالعناصر الانفصالية· والحق أحدثت هذه التصريحات صدمة عاتية لكافة قطاعات المجتمع، فكتاب كبار وصفوا ما قاله الروائي صاحب ''أنا اسمي أحمر'' بأنها نوع من النفاق والتزلف للغرب من أجل نيل جوائزه، ولم يستبعد هؤلاء الكتاب آنذاك أن يكون باموك يخطط لنيل نوبل· أما بسطاء الناس خصوصا الذين فقدوا أبناءهم طوال العقدين الماضيين في معارك ضد الانفصاليين الأكراد من أجل الدفاع عن وحدة الأراضي التركية هرعوا الى الشوارع منددين بالخائن مطالبين بإحراق كتبه· ورغم أن قانون العقوبات يجرم في مادته 301 صراحة مثل هذه التصرفات، إلا أن القضاء التركي وتحت الضغوط الأوروبية اضطر إلى طي قضية الروائي لاعتبارات إجرائية والصدفة أنه بعد هذه التصريحات بأسابيع تعد على أصابع اليد الواحدة حصل أورهان باموك في أكتوبر الماضي على جائزة السلام الألمانية· إثارة الفتن وهكذا باتت الجوائز الأوروبية عامة ونوبل خاصة على حد تعبير أحد المواطنات ''دودو ديمير أوز'' وكأنها مكافأة لمن يثير الأحقاد ويزرع الفتن فأورهان بارك ادعاءات الغرب وأوروبا واعترف أن بلاده قامت بمذابح الأرمن وبعدها فاز بجائزة وطبيعي أن يحوز على نوبل مواطن آخر يعيش في هولندا بشكل دائم ويأتي إلى بلده مرة كل عام أكد على أن ما ذهب إليه باموك صار موضة يسير في فلكها من يريد أن تكافئه أوروبا وها هي أليف شافاك تفعل الشيء نفسه وبالتالي فهي تجهز نفسها لنوبل وقد تحصل هذه المرة على جائزة الجونكور الفرنسية· حالة من القلق سادت، ولازالت، الأناضول، النخب الثقافية لم تكتمل فرحتها، فنوبل تعطى لتركيا للمرة الأولى وهو ما يعني، كما قال باموك نفسه، أن الجائزة تتويج لمسيرة الأدب التركي· في المقابل بدت السياسة أداة منغصة بيد أنها قللت من الفرحة وهذا ما يفسر حالة البرود النسبي في الوسط الثقافي التي تم بها استقبال خبر فوز اروهان باموك رغم الجهد الكبير الذي قامت وسائل الإعلام المرئية، وقيامها بتغطية واسعة وشاملة للحدث ولم تفلح برقيات التهنئة التي أرسلها الرئيس نجدت سيزر ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان الى الروائي الفائز والذي يقيم حاليا في نيويورك في إزالة عبوس الوجوه المتهجمة والمستنكرة· ويبدو أن مشاعر المواطنين هذه والتي نقلت على الهواء مباشرة إلى أنحاء العالم أزعجت باموك الذي كان يتمنى العكس ولهذا سارع بالتنديد بالقرار الفرنسي لأنه ضد حق الناس في التعبير فضلا على أنه يتنافى مع الحرية المفترض أنها مبدأ الجمهورية الفرنسية· الروائية الشابة ''أليف شافاك'' لم تدع الفرصة تمر فسارعت هي الأخرى إلى توضيح موقفها مؤكدة: أن الإجراءات التي اتخذها البرلمان الفرنسي لن تخدم سوى المتطرفين القوميين سواء في فرنسا وتركيا فضلا على أنها تقييد لحركة وحرية الراغبين في مناقشة المعضلة بعيدا عن الساسة، فإذا تولت الحكومات كتابة التاريخ فمعنى هذا فرض رواية واحدة وسد المنافذ على حرية الرأي والتفكير والبحث·· السياسيون إذن لا يكتبون التاريخ· الشعب المقبوض عليه لكن الأزمة لم تخل من طرائف يتندر بها العامة قبل الخاصة وان كانت ممزوجة بالسخرية أحد الساخرين قال: إن الشعب التركي الذي يبلع تعداده نحو 70 مليونا قد يكون مطلوبا أمام السلطات الفرنسية بحجة أنه ينكر مجازر قام بها أجداده العثمانيين، وهو ما يعني وفق العرف الفرنسي أن هؤلاء مدينون للخزانة العامة الفرنسية بما يفوق التريليون يورو ناهيك عن أحكام بالسجن تصل إلى 70 مليون سنة، مواطن آخر تساءل مازحا: ما هو موقف الجالية التركية التي تعيش في فرنسا وعددها يقدر بالآلاف فهل سيدخلون جميعا السجون الفرنسية وبالتالي عليهم أن يدفعوا كل ما يحصلون عليه للحكومة الفرنسية هذا مع افتراض أن الفرد يحصل على مبلغ 45 ألف يورو في السنة· لكن السؤال: الغرامات التي ستحصل عليها فرنسا من هؤلاء الذين ينكرون المذابح هل ستدخل جيوب الفرنسيين أم أنها ستجمع ثم ترسل إلى أرمينيا؟ ثم ماذا عن المسؤولين الأتراك الذين يذهبون في مهمات رسمية : فهل سيقبض عليهم في مطار أورلى أو شارل ديجول خاصة وأنهم بحكم مناصبهم في الحكومة ينكرون هذه المذابح ؟ أم القانون سيحميهم باعتبار أنهم يحملون حصانة دبلوماسية ! ثم واقعة الإنكار هل يشترط أن تكون على الأرض الفرنسية ومن ثم فلا جناح على من ينكر هذه الإبادة طالما كان خارج الأراضي الفرنسية ؟ لكن تبقى مشكلة أثارتها طالبة بجامعة ''بيلكنت'': ماذا عن السفير التركي في العاصمة الفرنسية باريس فبحكم عمله على الأقل لا يقر بأن الإبادة تمت بإيعاز من السلطة العثمانية ومن ثم فهو مدان، وهنا ردت زميلتها: السفير لديه حصانة دبلوماسية ثم إنه تم استدعاؤه وبالتالي لا تخافي فلن يسجن ولن يدفع غرامة!!
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©