السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زيارة المريض قيمة أخلاقية وحضارية

زيارة المريض قيمة أخلاقية وحضارية
22 أغسطس 2011 22:37
لعلَّ الناظر في نصوص الشرع وفي كتب الأخلاق والتزكية سيجد عيادة المريض من أهم أخلاق المؤمنين التي أمرنا بفعلها، وقد روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفُكُّوا العاني». فالدليل توجيه من الباري جل وعلا على السعي للقيام بهذا العمل الإيماني تلبية لنيل رضا المولى. إن زيارة المريض مبدأ إنساني عظيم يدل بحق على أن الزائر يعبر عن إنسانيته وفطرته قبل صدق إيمانه، ففي الزيارة مشاهد من المشاعر الطيبة التي تتدفق بصدق وحنان، ولأن فيها فوائد جليلة تنفع الزائر في حياته وأخراه، فتذكره بالنعمة التي يعيشها وهي الصحة والعافية، ويسعى ساعتئذ أن يغتنم الفرصة للعمل الصحيح، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»، وذلك يقتضي الحمد والشكر لدوام النعم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عودوا المرضى، واتبعوا الجنائز تذكركم الآخرة»، بل اعتبرها الإسلام حقاً من حقوق المسلمين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث كلهن حق على كل مسلم: عيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس إذا حمد الله عز وجل». وإذ أن الزيارة عمل يقوم به المسلم، فلا شك أن ذلك يقتضي مراعاة قدر من القيم والأخلاق في الإتيان به لتحقيق المقصود على الوجه المطلوب شرعاً. بروتوكولات فيختار الزائر الوقت الملائم حسب ظروف المريض ومكان الزيارة، مع احترام محارم البيت، والامتناع عن إطالة الزيارة، بالإضافة إلى وجوب إيناس المريض بالكلام الطيب لرفع معنوياته، ومطلوب من الزائر، وهو في ذلك المقام أن يرقيه إن استطاع، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْـمَرِيضِ، قَالَ: أَذْهِبِ الْبَأْسَ، رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شَافِيَ إِلاَّ أَنْتَ، اشْفِ شِفَاءً لاَ يُغادِرُ سَقَمًا. سواء بالقرآن أو بالأحاديث والأدعية الواردة، قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) «الإسراء، 82»، وقال تعالى أيضاً: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) (يونس، 57). مع حث المريض على الصبر وما يستتبعه من الأجر، ليحصل على الفلاح في الدنيا والآخرة، فقال سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)، «آل عمران، 200» ليظفر بمعية الله قال تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) «البقرة، 153». ولنؤكد للمريض أنه إذا ما صبر فسيحصل على معونة الله في الدنيا والآخرة، ولنعلمه مبدأ حسن الظَّنِّ بِاَللَّهِ لأنه رَاحَة الْقُلُوبِ. والله عز وجل عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِهِ بِهِ، فَإِنْ لَقِيه وهو حَسَنُ الظَّنِّ بِهِ يسْعَدْ السَّعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ، وَيسْلَمْ في كل أموره. فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ ذَكَرَنِي»، وإنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ مِنْ حُسْنِ عِبَادَةِ اللَّهِ. وتذكيره كذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا يُصِيبُ الْمسلِمَ مِنْ نَصَب، وَلاَ وَصَب، وَلاَ هَمِّ، وَلاَ حَزن، وَلاَ أَذىً، وَلاَ غَمّ، حَتى الشوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللهِ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»، فضلاً عن ترشيد المريض بأن ما أصابه أمر من الله فذلك اصطفاء واختبار، بجانب حثه على التوكل على الله وهو الاعتماد والتفويض ويعني الثقة بقدرة الله وقضائه وقدره. وهو كفيل بأن يجعل المريض هادئاً غير مضطرب، والمسلم يعرف أنه متوكل على الله حق التوكل عندما يبتعد عن التشاؤم في حياته «فالتوكل على الله جماع الإيمان»، وهو كذلك نصف الدين والنصف الثاني الإنابة، فإن الدين استعانة وعبادة فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة. ومما ينبغي القيام به أيضاً هو تبشير المريض بقيمة الصبر على المرض ليفهم أنه في مقام التعبد، بل للمرض نفسه ثواب وأجر عظيم، فإذا كان المرء مؤمناً حقاً فإن كل أمره خير وكيف لا؟ والمرض يكفر الذنوب والسيئات يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ما يصيب المؤمن من وَصب، ولا نصب، ولا سقَم، ولا حزن، إلا كفر الله به من سيئاته» فبالمرض تكتب الحسنات وترفع الدرجات وينجى المريض من النار. لينال الزائر فعلاً رضا الله، ويحقق الآثار المرجوة من الزيارة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عاد مريضاً نادى مناد من السماء: طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً». فضل الزيارة وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟». كما سيحصل الزائر على صلاة الملائكة، قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً، إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً، إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْـجَنَّةِ». خاصة أننا نحن في الشهر الفضيل الذي نتقوى فيه بالصيام على قهر الشيطان ووقايتنا من عدوانه ما دام الصوم كان بإخلاص وخضوع للباري تعالى، وما دام كان إيماناً واحتساباً حتى لا نتقاعس ونتكاسل عن الزيارة للمريض، وفي الوقت ذاته يُعتبر الصيام مدرسة لبث القيم وترسيخها في قلوب الناس، فالصوم يعلمنا العزم والمروءة، وذلك من صفات المحسنين ولعلَّ عيادة المريض في رمضان ادعى منها في غيره لأنه شهر طلب العفو من الله تعالى والزيادة في تحقيق التواصل، وذلك ما يؤدي إلى نشوء الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع من أجل الرقي والارتقاء والتميز والالتزام بمفاهيم الإيجابية النافعة. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الْـمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ الْـمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْـمُفَرِّقُونَ بَيْـنَ الأَحِبَّةِ، الْـمُلْتَمِسُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ، الْعَيْبَ». د. محمد قراط
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©