الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صفية تخنق 18 أميراً في تركيا وتبني مسجداً في مصر

صفية تخنق 18 أميراً في تركيا وتبني مسجداً في مصر
22 أغسطس 2011 22:40
الملكة صفية اسم حفرته صاحبته في صفحات التاريخ ليس بجمالها البارع أو بذكائها الحاد وشخصيتها القوية فحسب، بل وبالدم والخديعة أيضاً. قبل أن تكون زوجة للسلطان العثماني مراد الثالث كانت صفية ابنة مدللة لواحد من أمراء أسرة «بافو» في البندقية «فينسيا»، قد تولى أبوها حكم جزيرة «كورفو» بالبحر المتوسط باعتبارها محطة تجارية وإستراتيجية لتجار البندقية واختطفت الأميرة الصغيرة هي وثلة أخرى من نساء البلاط في واحدة من عمليات القرصنة بالبحر، وبيعت كجارية إلى أن انتهى بها المطاف في قصر السلطان العثماني باسطنبول. احتلت الجارية ذات الأربعة عشر ربيعاً مكانة بارزة بين جواري البلاط بفضل جمالها وشخصيتها المرحة، وباتت محط أنظار الأمراء وتسرى بها السلطان مراد الثالث، فلما أنجبت له ابنه «محمد خان» في عام «974هـ / 1567م» صارت زوجته وأم ولده ولقبت بالسلطانة صفية، وباتت ثالث أقوى سيدة في البلاط العثماني من بعد السلطانة الوالدة «نور بانو» اليهودية الأصل وأسماء أخت السلطان. «آل بافو» واشتهر لدى أهل العاصمة «اسطنبول» أن السلطان مولع بمجالسة «صفية» والتداول معها في شؤون الدولة العلية، وصار كل أمر سلطاني ينسبه العامة لمشورة أو رغبة السلطانة صفية، وبات اسمها يقرن بمقولة شهيرة للسلطان سليمان القانوني مفادها «أن الله إذا أراد خراب دولة سلط على ملوكها النساء». وبرهنت «صفية» سليلة آل بافو على أنها جديرة بالانتماء لهذا البيت المعروف الأمراء فيه بإقدامهم على خنق منافسيهم بقلب بارد، وذلك عندما طلبت من ابنها «محمد» أن يتوجه إلى قاعة العرش ليتلقى العزاء في والده الذي يعاني سكرات الموت، وعندما وجد الابن نفسه وحيداً بالقاعة من دون أخوته الثمانية عشر سأل السلطانة صفية عنهم، فأكدت له أنهم قد سبقوا إلى المقبرة ليكونوا في استقبال جثمان والدهم السلطان. والحقيقة أن سليلة «آل بافو» رتبت بالليل أمر خنق أبناء السلطان الثمانية عشر ليخلو العرش لابنها فقط، وأرسلتهم جثثاً هامدة إلى باطن الأرض قبل أن يلحق بهم جثمان مراد الثالث. ومن جهته لم يعترض السلطان الجديد «محمد خان بن مراد» على فعلة أمه ليس فقط لأن والده سبق وأن فعل نفس الأمر مع أخوته، لكن قبل ذلك وبعده لأن الفقهاء منذ واقعة فتنة «الأمير جم» مع بايزيد الصاعقة منحوا السلاطين فتوى بجواز قتل من يظن أنه قد يفجر صراعاً حول وراثة العرش. عزل السلطانة ظلت السلطانة صفية تتحكم بأمور الدولة وتسيرها كيفما شاءت طيلة فترة حكم السلطان محمد الثالث، وعندما توفي حاولت أن تهيمن على حفيدها «أحمد» الثالث، ولكن الأخير أبعدها عن البلاط وعزلها في قصر منيف شيده لها على البسفور. وحين عزلت، شرعت صفية في البحث عن وسيلة تخلد بها ذكراها بعد أن أفل نجمها، وغلت يدها عن كل سلطة، ووجدت ضالتها في هذا المسجد المشيد بالداودية قرب شارع محمد علي بالقاهرة. ومشيد هذا المسجد هو «عثمان أغا بن عبد الله» أغا دار السعادة مملوك الملكة صفية، ويظهر أنها أعتقته بعد خدمته في بلاط الحريم، باعتباره خصيا «أغا» فحضر إلى مصر وشرع في تشييد المسجد عام «1019هـ / 1610م»، لكن العبد المنكود توفي قبل أن يكمل البناء، فعهدت الملكة إلى «عبد الرزاق أغا بن عبد الحليم أغاة دار السعادة» برفع دعوى أمام القاضي بزعم أن عثمان أغا كان عبداً لها ومملوكاً ولم تعتقه، وليس مأذوناً ببناء جامع أو وقف أرض، وبالفعل صدر حكم شرعي بتمكينها من المسجد فعينت «إسماعيل أغا» ناظراً شرعياً على أوقاف المسجد، وكلفته بإتمام البناء، فقام بذلك ووضع اللوحة التأسيسية التي تخبر زوار المسجد بأنه من تشييد الملكة صفية، تحت إشراف إسماعيل أغا. المسجد العثماني عينت صفية للمسجد «عالماً زاهداً وخطيباً كريم الخلق يخطب فيه على منوال الشرع في الجمع والأعياد، خطبة تناسب الأيام والفصول، وليس له أن ينيب عنه بلا عذر شرعي»، كما عينت للمسجد خدماً يتولون حفظ المصاحف ونظافة المسجد ومنهم من اختص بالبخور والتعمير والزراعة، بل وهناك أيضاً من عهدت إليهم بتحفيظ قراءات القرآن الكريم، فضلاً عن قراء يقومون بتلاوة القرآن والدعاء لها بطول العمر. والمسجد من أهم المساجد العثمانية بالقاهرة، ويعد ثالث مسجد يقام بها على طراز المساجد العثمانية ذات القبة المركزية بعد جامع سليمان الخادم «سارية الجبل» بالقلعة، وجامع سنان ببولاق. وهو من المساجد المعلقة إذ يرتفع البناء عن سطح الأرض بنحو أربعة أمتار ويتم الصعود إلى أبوابه الثلاثة بواسطة درج دائري من 16 درجة. ويحتل المسجد مساحة مستطيلة مقسمة إلى قسمين يعرف الخارجي منهما باسم الحرم، وهو يستخدم كمسجد صيفي بالأساس، أما القسم الثاني فيعرف بالمصلى أو المسجد. والحرم يتألف من صحن أوسط مكشوف يحيط به رواق حملت عقوده على أعمدة من الحجر والرخام، وقد غطي الرواق بقباب ضحلة مشابهة لما هو قائم بجامع محمد علي، وكل منهما يستمد تخطيطه من جامع السلطان أحمد الثالث في استانبول. أما المصلى الذي يحتل الجانب الشرقي من البناء فهو مربع الشكل وبوسطه ستة أعمدة من الجرانيت يبدو أنها نقلت من عمارة سابقة على الإسلام وهي تحمل عقوداً حجرية شيدت فوقها القبة المركزية التي تغطي بيت الصلاة وهي من القباب الكبيرة والنادرة إذ يصل ارتفاعها إلى 17.6 متر وتحيط بالقبة المركزية أربع قباب صغيرة محمولة هي أيضاً على عقود حجرية. ويحيط بدائر رقبة القبة الرئيسة شرفة لها درابزين من الخشب الخرط، وفتحت برقبة القبة شبابيك من الجص المفرغ والمعشق بالزجاج الملون يصل عددها إلى 24 شباكاً. وبوسط الضلع الشرقي للمصلى محراب غشيت حنيته بالرخام، وإلى جواره منبر من الرخام أيضاً وزين بزخارف نباتية وهندسية نفذت بأسلوب التفريغ ويتم الوصول إلى المصلى من الحرم بالجانب الغربي عبر ثلاثة أبواب بالجدار الغربي أهمها وأوسعها المدخل الأوسط وهو متوج بعقد مقرنص، وعليه لوح رخامي نقش به النص التأسيسي الذي يشير لقيام الملكة صفية بتشييد المسجد. وتتسم واجهة المسجد بشكل عام بالبساطة والبعد عن الزخرفة، حيث تقتصر زخارفها على النوافذ المعقودة بعقود نصف دائرية والشرافات العلوية التي تتوج الجدران الخارجية. الطراز العثماني لمسجد الملكة صفية مئذنة أسطوانية الشكل على غرار المآذن العثمانية ويزين بدنها المسلوب الرشيق خطوط رأسية بارزة ولها شرفة آذان واحدة محمولة على صفوف من المقرنصات الحجرية الدقيقة. أما قمتها فلها شكل مخروطي يشبه رأس القلم الرصاص وهي من بواكير المآذن العثمانية المشيدة بمصر. ويبقى مسجد الملكة صفية عنواناً على المرأة التي تستحق في تاريخ السلطنة العثمانية أن يطلق عليها «المرأة الحديدية».
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©