السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حملة «داعش» لنهب الآثار السورية

حملة «داعش» لنهب الآثار السورية
7 سبتمبر 2014 23:40
عمرو العزم أستاذ مشارك في انتروبولوجيا وتاريخ الشرق الأوسط بجامعة شاوني ستيت بالولايات المتحدة سلام القنطار محاضر في الانتروبولوجيا بجامعة بنسلفانيا براين دانيلز مدير الأبحاث والبرامج بمركز بنسلفانيا للتراث الثقافي بجامعة ومتحف بنسلفانيا أثارت المكاسب الإقليمية التي حصل عليها «داعش» في كل من العراق وسوريا كثيراً من المخاوف -وكذلك تقارير إخبارية مؤقتة – من أن المواقع الأثرية في هاتين الدولتين تتم مهاجمتها ونهبها، كما كان الحال في العراق مع الغزو الأميركي له. لقد عدنا مؤخراً من جنوب تركيا، حيث كنا ندرب النشطاء السوريين وموظفي المتاحف العاملين في مجال حفظ التراث والآثار على توثيق وحماية التراث الثقافي لبلادهم. ويشمل هذا التراث بقايا من بلاد ما بين النهرين القديمة، والعصور الآشورية والإغريقية والرومانية والبيزنطية والإسلامية، إلى جانب بعض من أقدم الأمثلة على الكتابة ونماذج الفسيفساء الهلنستية والرومانية والمسيحية. وأثناء الحوار مع هؤلاء العاملين والمقيمين في مناطق واقعة تحت سيطرة مقاتلي «داعش»، علمنا أن الأخير شارك في تجارة الآثار غير المشروعة، لكن بطريقة أكثر تعقيداً ومكراً مما كنا نتصور. ولا يبدو أن «داعش» قد كرس القوى العاملة بجيشه للعمل النشط في نهب المواقع الأثرية، ولكن بدلا من ذلك، فإن مشاركته تقتصر على النواحي المالية. وعموماً فهو يسمح للسكان المحليين بالحفر في هذه المواقع في مقابل نسبة مئوية من القيمة النقدية لأي اكتشافات. ويستند منطق «داعش» في ذلك على «ضريبة الخُمس» التي يفرضها الإسلام على قيمة أي شيء يستخرج من الأرض. وبمقتضى هذه الضريبة، فالمسلمون مطالبون بدفع نسبة من قيمة أي كنوز يكتشفونها في الأرض لخزانة الدولة. ويزعم «داعش» أنه المتلقي الشرعي لتلك العائدات. وتختلف الكمية المفروض فيها الخُمس وفقاً للمنطقة ونوع الشيء الذي تم اكتشافه أو استرداده. وفي المناطق التي تسيطر عليها «داعش» في محيط محافظة حلب في سوريا، يقدر الخُمس بنحو 20 في المائة، أما في منطقة الرقة فهو يصل إلى 50 في المائة أو حتى أكثر من ذلك إذا ما كانت الاكتشافات ترجع إلى العصر الإسلامي أو إذا كانت مصنوعة من معادن نفيسة مثل الذهب. ويرعى «داعش» حملة ضخمة للتنقيب عن الآثار في المناطق التي يسيطر عليها، ويستنفر مئات الشباب لتشغيلهم في التنقيب مقابل 700 ليرة سورية يومياً. كما يقوم التنظيم بنبش الكثير من المواقع، ففي مدينة منبج قام التنظيم بنبش صالة السندس ومنطقة جامع الشيخ عقيل، الذي قام مقاتلو التنظيم بنسفه منذ مدة. ويستخدم التنظيم الجرافات في عمليات التنقيب غرب الفرن الاحتياطي. كما أنه عثر على لوحات فسيفسائية ضخمة في ريفي منبج والباب أثناء عمليات التنقيب، وعلى قبور رومانية ومقابر ملكية في عدة مواقع في أرياف ومدن ريف حلب الشرقي. ويحاول «داعش» السيطرة على مواقع استراتيجية غنية بالموارد الطبيعية، وتمتد لمنافذ حدودية تسمح له بحرية نقل وتهريب هذه الموارد، بالتعاون مع أعتى المافيات العالمية المتخصصة بالأسواق السوداء المتوافقة مع رايات «داعش» وفكرها وأهدافها ومراميها. ومن ناحية أخرى، يختلف حجم النهب اختلافاً كبيراً في ظل هذا النظام، وتترك هذه العملية إلى حد كبير لتقدير قادة «داعش» المحليين. وبالنسبة للقليل من المناطق، مثل المواقع الأثرية على طول نهر الفرات، فقد شجع قادة «داعش» على الحفر بواسطة أطقم ميدانية شبه محترفة. وعادة ما تكون هذه الأطقم من العراق، وهي تطبق خبرتها في مجال نهب المناطق الأثرية هناك وتستفيد من هذا النشاط. كما أن هذه الأطقم تعمل بعد أن تحصل على رخصة من «داعش» الذي يعين مراقباً للإشراف على عملهم وضمان الاستخدام السليم للآلات الثقيلة والتحقق من دفع نسبة الخمس. وبالإضافة إلى أعمال النهب، يبدو «داعش» وكأنه يشجع على التصدير السري للاكتشافات الأثرية، والتي تتركز في المقام الأول في المعبر الحدودي من سوريا إلى تركيا بالقرب من منطقة تل الأبيض، التي تعد إحدى معاقل التنظيم. وهناك سبب للشك في أن «داعش» يوافق ويشجع على تجارة الآثار عبر الحدود. وفي تأسيسه لهذا النظام، الذي يزوده بواحد من تيارات الدخل العديدة والمتنوعة، فإن «داعش» يكون قد تسببت في حدوث ضرر لا يمكن إصلاحه لتراث سوريا الثقافي. ومنذ ظهور داعش الأول، كانت سيطرته المفاجئة على الرقة، ليس فقط لقربها من الحدود العراقية، ولكن أيضاً لغناها بالكنوز والآثار. والدليل على ذلك أن أولى عمليات «داعش» في الرقة في عام 2013 كانت مهاجمة نحو مائة من مسلحي التنظيم مستودعات مبنى هرقلة في الرقة، وسرقة محتوياتها المكونة من مئات القطع الأثرية، وهي عبارة عن فخاريات متنوعة وأجزاء من لوحات فسيفسائية. وتقدر قيمة هذه الآثار بملايين الدولارات. وقد وصلت شاحنتان مليئتان بصناديق الآثار والمقتنيات الأثرية السورية، عبرتا إلى تركيا قادمة من الرقة عبر «معبر السلامة» الحدودي وتمت العملية بالتنسيق بين «داعش» ولواء التوحيد والأمن التركي. ومن الضروري وقف هذه التجارة غير المشروعة، ليس فقط لأنها أحد مصادر الدخل للتنظيم الإرهابي، ولكن أيضاً لأنها تهدد إمكانية تحقيق الاستقرار والمصالحة في مرحلة ما بعد الصراع. ويعتبر التراث الثقافي في سوريا جزءاً من الحياة اليومية. فالسوريون يعيشون في مدن وأحياء قديمة، ويقيمون شعائر الصلاة والعبادة في مساجد وكنائس تاريخية، ويتسوقون من أسواق يعود تاريخها لقرون مضت. فإذا ما توقف القتال فإن هذه التراث سيصبح حاسماً في مساعدة شعب سوريا على الاتصال مرة أخرى بالرموز التي توحده عبر الخطوط الدينية والسياسية. وهناك العديد من المنظمات، مثل «حملة سوريا» التي تدعو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحظر الاتجار في الآثار غير الموثقة، والتي من المرجح أن تكون قد تم نهبها مؤخراً. إن النجاح في استصدار هذا القرار قد يكون الوسيلة الأكثر فاعلية لإنقاذ ماضي سوريا. وإنقاذ ماضي سوريا يعني إنقاذ مستقبلها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©