السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نساء زمان واليوم

21 يناير 2015 23:18
قال لي صديق ذات يوم، ناصحاً، مستغرباً عزوفي عن الزواج وقد جاوزت الأربعين، هل تتصور أن تجد فتاة اليوم تشبه أمي وأمك، في الحكمة وتحمّل الظروف والعقل الراجح؟ إنك تبحث عن مستحيل.. مثل هؤلاء النساء الأمهات، عملة نادرة، إنهن كالذهب العتيق، لن تجده، غمّض وتزوج، وأنت وحظك! قال الشَّعبي: قال لي شُرَيح: يا شَعبيّ؛ عليكم بنساء بني تميم، فإنّهنّ النساء! قلت: وكيف ذاك؟ قال: انصرفتُ من جنازة ذات يوم مُظْهِراً، فمررت بدور بني تميم، فإذا امرأة جالسة في سقيفة على وسادة، وتُجَاهها جارية لها ذُؤَابة على ظهرها كأحسن مَنْ رأيت من الجواري، فاستسْقيتُ - وما بي عطش - فقالت: أي الشراب أعذب إليك؟ النبيذ أم اللبن أم الماء؟ قلت: أيّ ذلك تيسّر عليكم. فقالت: اسقوا الرجل لبناً فإني أخالُه غريباً، فلمّا شربت نظرتُ إلى الجارية فأعجبتني، فقلت: مَنْ هذه؟ قالت: ابنتي، فقلت: ومَمَّن؟ قالت: زينب بنت حُدير، إحدى نساء بني تميم، قلت: أفارغة أم مشغولة؟ قالت: بلْ فارغة. قلت: أتزوجينيها؟ قالت: نعم إن كنت كفؤاً؛ ولها عمٌّ فاقصِدْه. وانصرفت إلى منزلي لأقيل فيه، فامتنعت منّي القائلة، فأرسلتُ إلى إخواني القُرَّاء، ووافيتُ معهم صلاة العصر، فإذا عمُّها جالس، فقال: أبا أميّة! حاجتَك، قلت: إليك. قال: وما هي؟ قلت: ذُكِرتْ لي بنتُ أخيك زينب، قال: ما بها عنك رغبة، ثم زوَّجنيها. وما بلغتُ منزلي حتى ندمتُ، وقلت: تزوجت إلى أغلظ العرب وأجفاها! ثم هممت بطلاقها، ولكن قلت: أجمعُها إليّ، فإن رأيت ما أحبّ وإلّا طلقتها. ثم مكثت أياماً حتى أقبل نساؤها يُهادينها، ولما أدخلتْ، قلت: يا هذه، إن من السنَّة إذا دخلت المرأة على الرجل أن يُصلْيَ ركعتين وتصلّي ركعتين، ويسألا الله خير ليلتهما ويتعوَّذا من شرِّها. فتوضأتُ، فإذا هي تتوضّأ بوضوئي، وصلّيت فإذا هي تصلّي بصلاتي، ولما قضينا الصلاة قالت لي: إنّي امرأة غريبة، وأنتَ رجل غريبٌ لا علمَ لي بأخلاقك، فبيـّن لي ما تحبّ فآتيَه، وما تكره فأنزجرَ عَنه. فقلت: قدمْت خير مَقدَم، قدمت على أهل دارٍ، زوجُك سيد رجالهم، وأنت سيّدة نسائهم، أُحبُّ كذا وأكرهُ كذا، وما رأيتِ من حسنةٍ فابثثيها، وما رأيت من سيئة فاستُريها. قالت: أخبرني عن أخْتَانك أتحبِّ أن يزوروك؟ فقلت: إني رجل قاض وما أحب أن تملُّوني. قالت: فمَنْ تحبّ من جيرانك يدخلُ دارك آذنُ له، ومَنْ تكرهُه أكرهُه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء. وأقمت عندها ثلاثاً، ثم خرجتُ إلى مجلس القضاء، فكنت لا أرى يوماً إلا وهو أفضل من الذي قبله؛ حتى إذا كان رأس الحَوْل دخلتْ منزلي امرأة عجوز تأمر وتنهى. قلت: يا زينب؛ مَنْ هذه؟ قالت: أمي فلانة. قلت: حيَّاك الله بالسلام، قالت: أبا أمية؛ كيف أنت وحالُك؟ قلت: بخير، أحمدُ الله. قالت: أبا أميَّة، كيف زوجُك؟ قلت: كخير امرأة. قالت: إن المرأة لا تُرى في حال أسوأ خُلُقاً منها في حالين: إذا حظيت عند زوجها، وإذا ولدت غلاماً، فإن رابَك منها ريب فالسَّوط، فإن الرجال ما حازت - والله - بيوتُهم شرّاً من الورْهاء المتدللة. قلت: أشهد أنها ابنتُك، فقد كفيتِني الرياضة، وأحسنت الأدب. قالت: أتحب أن يزورك أخْتانُك؟ قلت: متى شاءوا. قال شريح: فكانت كل حولٍ تأتينا وتوصي تلك الوصية، ثم تنصرف، ومكثت مع زينب عشرين عاماً فما غضبتُ عليها قط إلاّ مرّة كنت لها فيها ظالماً. إبراهيم رضا - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©