الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شجرة

شجرة
19 أغسطس 2015 21:50
من دَلَّكَ...؟ ترفع في الهواء أهدابك، وكيف تكتنز بين أوراقك أسطورة قطاع طرق مروا بقافلة بلا رؤوس؟! مروا في قلبك المتعطش للرمل، تركوا أثراً، وجعاً وحنيناً لا يندمل.. جروحك كبيرة، وأنت الذي لا تسقط من ضربة متعجرف، أنت الذي تنحني على ترنيمة (انكيدو).. يارئة كالكامش.. يا أسطورة الرمل المتلاشي في غرف حياتي، ألهذا بعثرتني في مراياك ولم تستجب للنداء، ألهذا تركتني فريسة لقوافل النمل، ربما سيأتي صياد الطرائد ويخلد في نومته الأبدية، يسيل من أحداقه أحلام القطعان، ألا إن الذئب لم يتوان عن أن يفترسهم الواحد تلو الآخر، ترى من أنت؟! من دَلَّكَ...؟ أن تقف على غصن الرمل ككبرياء، تسقط ورقة في بئر الروح، ترتفع الأمنيات نحو سماوات الطيور، وأنت كما أنت بلا قصبة تعزف الأيام شكوكك وبلا رئة يختنق العمق فيك، تنهشك الليالي وتمشط شعرك الخرافات.. أنت الذي نذورك طافية في الهواء، أشياؤك قليلة، قمصان موتى وقلادة حفار القبور. قالوا إن البحر مرتع الشياطين، والملح الفاسد سر مباح، قالوا إن الصحراء دم التائه وسفينة الأشباح. تأملت حروفك السوداء حتى مشت وجرجرت كلماتك حتى النبع، واغتسلت مع كاهنة القرية، وما تلاشى ظلي وتمدد.. جرحك طائر عملاق حلق بعيداً، وبين جبال الأوهام ارتطم، كيف نندب حظك ونبتسم مع الربيع القادم؟! تأمل جسدك، يدك في الهواء، تنتشل بقايا العافية. من دَلَّكَ...؟ الشعراء أيضاً وقعوا في حفرة الظن، وتلاشت أكاذيبهم الفسفورية، وحول النار، وفي بطن الصحراء التي رسمت لك نوافذ تطل على المعنى واللذة تفاحة فاسدة تجمعك في سلال الرفقة، تكتشف خناجر عمياء تلتمع في الظلام، يترقبون غصنك الطري، من أين أتوا...؟ أي بحر لفظهم وتقيّأهم كقاذورات؟ دهنوا أجسادهم المترهلة ببهارات الهنود، وكسوها بحرير من الصين، لكنهم من فرط حقدهم نسوا هذه المضغة.. تظل سوداء وغبية، تبصق عليكم البهائم وتتبول القطط على الرؤوس.. وتظل أنت خضراء الرب. في الأرض جذورك ترتع في السهوب، ورئتك تناطح الغيوم، وكل أنفاسك طيور وغرانيق. ترى من وضع قطرة ندى وخاتم الخطوبة على غصنك، ومن فتح جذعك بتمائم ودس سره فيه؟! قالوا لك تعال نأخذك في الأحضان.. تعال نأخذك ونقطع وريدك، نحن إخوتك في الدم والرمل.. تعال نستعر من حطبك ونتدفأ، نحن ورود وأزهار الشر.. نحن أفلاك الخفاش ونخاسة، نحن ذئاب حقيرة نفترس أحلامك ونفقأ عين الشمس، ندفن قلبك الناصع الجميل ونطمره بأخلاق العبيد.. من دَلَّكَ...؟ يا سيقان الهواء، على العراء الشرس، وقطم أنوف الرجال البواسل خلف الجبال؟ ومن بقر بطون النساء بلا أخلاق؟ من رفع راية الموت وسير السفن عبر محيط الأسود، وكيف انحنى على برميل النبيذ ككلب مريض، وحين رفع منظاره لم يشاهد إلا سواعد قوية وزهوراً تتفتح بين مفاصل الصخور، رأى الموتى ينهضون من القبور وعلى أكتافهم شمس الحرية. رأى في عيونهم بياض الأمل، رأى الحياة تمشي مخفورة بالنجوم، لم يعثر على مبرر لانكسارهم، خذلته النوايا وجشع السنين.. خذلته النوارس التي ترافق خديعته، قذف بمنظاره في المياه، قذف عمره وشرفه، ومذّاك لم يعد سوى علامة عار في سجلات التاريخ، لا قبر يليق بهيكله المتعجرف، ولا أثر له بين مفتولي الشوارب.. دميمة حياتك، دميمة أيامك.. دميم دمك أيها التعس. من دَلَّكَ...؟ يا عزلة القمة، الليالي مغسولة بالقمر، السحرة ما زالوا يطبخون المكائد وعلى مكنسة قديمة يربطون تمائم وتعاويذ، وجمجمة ثعلب نافق، وبالوشم الأسود يدقون حروف اسمك كي لا أراك. ومع ذلك رسمت الدهشة كلوحة خرافية، بلعت ضوء الفنار، طويت كتبك ودفعت بحمارك السمين نحو المدينة، ثم طرت نحو سماواتك نسراً بجناحين من الذهب. من دَلَّكَ...؟ ذهبت خفيفاً، أنيقاً مثل جدول صاف يجري بابتسامة طفل، يجري حول جدائل قرية بعيدة، عشت هناك، كبرت، صرت رئة القرية ونافذة الكون. عشيقتك تزورك مرتين، تترك قبلة على جذعك، تمسد على أغصانك وتمشط في الريح ضفائرك، تهدهدك بأغنية وتودعك بالكمثرى، الأيام تضحك والحياة فتية، إلا أن حطاباً بغيضاً، مشتعل الرأس، أخذ يفرك فأسه ويبحلق في عنقك بانتشاء، أخذ يدمدم بكلمات بوذية، ثائراً وهائجاً، وأنت الذي، وقبل قليل، ودعت عشيقتك بقبلة وأمنيات، أنت الذي ينام نومة التفاح، لا تلتفت ولا تكترث، من القادم. أي يد خائنة تلك، كأفعى تلتوي بين العشب الأخضر، وبين بتلات الزهور، خبيثة تلك النوايا، وحميدة الرؤيا، حسناء بعيون وحشية وبملابس مزركشة، كأس من الزبرجد، إيقاع، دفوف، صنج ومزمار.. القاتل يتربص بك، أنقذ رأسك، أنجُ بحياتك واخلد في الذكريات، ها هو يقترب وأنت ما زلت مديناً لذلك الطفل الذي سوف ترافقه يوماً إلى نيسابور، وتجلس تحت شجرة المعنى، رفقة عمر الخيام، تتطلع إلى النجوم، تفسر خطوطك، وخرافة الحشاشين، تفسر نوايا حسن صباح وهو يسحل التاريخ. لكن للأسف الشديد قطعوا رئتك، ركنوك في العراء، وأخذوا جذعك وصنعوا به باباً لا يؤدي إلى............. من دلك...؟ ترفع أغصانك الخضراء في هواء العالم، في ملكوت رب عظيم، تنشد المجد، تنشد شمساً تشرق في كل صباح من خلف غرفتك، مبتسماً لهذه الحياة، ترفع أغصانك لطيور ملونة تعشش في ذاكرتك، تنصت لهذا الأزرق الصديق الممتد خريره، ترافق الأحبة وتلون عتبة نهارك، صوتك رياح معطرة، وكلماتك أصداف وعسجد، تمشي وفي خطوك تزهر وينبت العشب، ترمي برسائلك الملتهبة في عمق البحر، ينبض البحر، وتقفز الأسماك الملونة، لا أحد يشبهك في البرية ولا أحد يشبهك في البحر إلا قلبك الرائع الجميل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©