السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«العازفة» ينتصر للمرأة و «تلك هي النهاية» يبحث عن العدالة

«العازفة» ينتصر للمرأة و «تلك هي النهاية» يبحث عن العدالة
23 يناير 2012
استهل مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما عروضه في دورته الخامسة بعرضين مسرحيين الأول شاركت فيه المملكة العربية السعودية تأليفا والمملكة المغربية تمثيلا وإخراجا ودولة الإمارات العربية المتحدة ممثلة في هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام إنتاجا باعتبار أن نص “العازفة” هو النص الفائز بجائزة المونودراما الدولية، والعرض الثاني “تلك هي النهاية” لأذربيجان. ومنذ اللحظة الأولى لعرض “العازفة “ تأليف الدكتورة ملحة عبد الله وتمثيل واخراج لطيفة أحرار، طغت شخصية لطيفة أحرار المخرجة على النص، فبدلت وغيرت ما وافق رؤيتها الإخراجية بكل جرأة وتميز، وكأنما شعرت انها تلك العازفة الموجودة في ضمير كثير من العربيات اللواتي يعشن تحت وطأة نزوات الرجل، ذلك الرجل الذي عانت منه تلك المرأة الحائرة المتمردة على ظلمه وقسوته، بينما هو يعربد ليلا ونهارا، يقارع النساء من كل لون وصنف، وهي جالسة في انتظاره لتشم من ثيابه رائحة الخيانة والخسة. ويشعر من قرأ نص العازفة منذ الوهلة الأولى قبل رؤيته مجسدا على خشية المونودراما، أن ثمة تغيير قد طرأ على الفضاء المسرحي الذي جاء في النص، فقد استعانت المخرجة لطيفة احرار بقطعة بسيطة من الخشب لترمز بها الى البيانو، الذي تعزف عليه طيلة الوقت، وكان التوظيف ذكيا ومناسبا للحالة المسرحية والمزاجية للمخرجة والممثلة في ان واحد. وفي زاويتين متقابلتين في فضاء المسرح، الذي بدا للمشاهد فسيحا، وضعت نافذة معلقة في الهواء وكأنها تحاكي الحالة النفسية التي تعيشها العازفة، وفي الجهة الأخرى منها حاملة ثياب، عليها جاكيت لزوجها الغائب الحاضر، وكأنها أرادت كمخرجة ان تضع أمام المشاهد صورا متناقضة للحرية ترمز اليها بنافذة مفتوحة على الدوام وجاكيت يذكرها دوما بخيانة الزوج المنهمك في نزواته والبعيد كل البعد عنها نفسيا وأخلاقيا، وبين هذا وذاك مسافات ومساحات وصل وقطع، وديناميكية تظهرها لطيفة احرار بحركات جسدها اللولبي، وبدت كما لو كانت في فضاء المسرح كائنا فضائيا لايخضع لقوانين الجاذبية الأرضية، وتلك التحركات والقفزات التي كانت تصنعها في الفضاء انما تعبر عن حالة من الرغبة في العتق من هذا الرق الأبدي، والحصول عى حريتها في وقت قريب، وقد كان العكس تماما عندما تجسم كلمات زوجها على صدرها الحالم، فنراها تتقوقع فوق البيانو وتتلوى كما لو كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة ثم تعزف لحنا جنائزيا حزينا للغاية، وقد استعاضت بجسدها عن قسمات الوجه وتعبيراته لتقدم المعنى والهدف للمشاهد. وغابت في تلك الأثناء السينوغراقيا عن العرض في كثير من التفاصيل، وظهرت كبقع ضوئية مركزة في أماكن محددة للغاية في فضاء المسرح الذي كان شبه معتم، ولم تفرط المخرجة في استخدام هذا الفن، وان كان هذا عيبا خطيرا في عرض العازفة، لاسيما في حالة ابداعية مثل حالة تلك العازفة الحائرة البائسة، التي ربما لو استغلت السينوغرافيا أفضل من ذلك، لأظهرت بدقة ملامح تعبيرات الوجه في مشاهد وصل فيها حد الإبداع أوجه وعلت فيه حالة الحدة الفنية التي أضافت الكثير للعرض المسرحي، وسط متابعة دقيقة من الجمهور. ويختلف نهاية عرض لطيفة احرار المخرجة والممثلة عن نص الدكتورة ملحة عبد الله، حيث رأت المخرجة أن نهاية النص الأصلي، كانت محاولات المرأة العازفة طيلة الوقت إصلاح البيانو الذي يخرج بعض النشاذ اذا ما همت بالعزف عليه ، وهو في حالته المعطلة يعد رمزا لحالتها النفسية الصعبة ولشخصيتها الساكنة دون حراك والمعطلة دون عمل ، وكانت تخشى ذلك دوما فتبدي خوفها الشديد وتبتعد عن ذلك البيانو . وفي نهاية الأمر فتحته لتجد فيه جثة زوجها فتخرجها وتتخلص منها ، ومنذ تلك اللحظة بدأت تعيش حريتها وتفتح نوافذها وأبوابها على العالم شاعرة لأول مرة بالحرية المفقودة، بينما أخرجت لطيفة احرار في العرض المسرحي من هذا البيانو فستان زفاف ارتدته وهي تغني أغنية بلهجتها المغربية يفهم منها الإقبال على الحياة والتخلص من جبروت الرجل وظلمه. وجاءت لغة العرض بالعربية الفصحى وان كانت تميل بعض الشيء الى اللهجة المغربية في محاولة من المخرجة احرار لجعل عرضها يتصف بسمته العربية. «تلك هي النهاية» وقدمت اذربيجان عرضا مسرحيا للمؤلف النمساوي بيتر توريني واخراج بهرام اوسمانوف وتمثيل فربان اسماعيلوف لمسرح اذربيجان الوطني للمتفرج الصغير. ويتناول العرض قصة شاب صحفي فقد الأمل في الحصول على حياة كريمة وعادلة وسط مجتمع تسوده المحسوبية ويحكمه الفساد وانعدام الضمير، فيقرر الشاب الصغير الانتحار والابتعاد عن الدنيا وبلوغ الحلم الإلهي -على حد ظنه- ولكن كيف ينفذ فكرته في الانتحار وهو لا يملك القدرة والقوة التي تجعله يطلق الرصاص على نفسه، ثم تطرأ في ذهنه فكرة ان يبدأ في العد حتى رقم ألف وعندها يطلق الرصاص ويتخلص من نفسه ويخرج من هذا العالم الفاسد. وتبدأ رحلته في عد الأرقام رويدا رويدا ثم يتوقف ليراجع نفسه من جديد ويتساءل، ماذا افعل في ذنوبي الكثيرة التي ارتكبتها في حياتي؟ وهل سأقابل الله بهذه الذنوب التي ترهق كاهلي، ثم يقترح أفكارا ثم يتراجع ثم يواصل العد من جديد ـ ويتوقف ويراجع نفسه ويتذكر أحداثا سيئة مرت به واخرى كانت جيدة وإيجابية قام بها تجعله يتمهل ويمعن من جديد في التفكير وما يلبس أن يعاود في العد حتى يصل إلى رقم ألف فيطلق الرصاص من مسدسه على رأسه فيخر على الأرض جثة هامدة لينتهي مع تلك النهاية الحزينة العرض المسرحي . وبالرغم من الإمكانيات الأدائية الفائقة للممثل في إطار الفضاء المسرحي، الا أن هذا الفضاء جاء بسيطا للغاية ولا يتناسب مع حجم فكرة الانتحار حيث بقي الفضاء منذ اللحظة الاولى كما هو لم يتبدل أو يتغير قط ، وشكلت أكياس القمامة والمخلفات المنزلية الأخرى المشهد الرئيسي لهذا الفضاء، وقد علتها في جزء منها خريطة العالم، ربما أراد المخرج والمؤلف في نصه وضعها بهذا الشكل وتلك الوضعية الجزئية للمشهد ليقول إن هناك أجزاء عديدة من العالم تعاني مما يعاني منه من فساد واضطهاد وتغييب لمبادىء العدالة الاجتماعية. كما أن تلك الأكياس التي غطت فضاء المسرح كان مكتوبا عليها بلغات عدة بما يوحي بنفس المعنى الذي يعاني منه هذا الشاب الطريد وان لغة الظلم والفساد والتعفن الذي يسري في مجتمعه لم يكن قاصرا على هذا المجتمع فحسب بل أمد ليطال الكثير من المجتمعات التي دفعت بشبابها دفعا نحو الانتحار. وظهر النص في عرض “ تلك هي النهاية “ قويا ومباشرا لخدمة الفكرة الرئيسية للعرض.
المصدر: الفجيرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©