الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحارث المُحاسبي

23 أغسطس 2011 22:42
إمام الزهاد، وشيخ الورعين العباد، أبو عبد الله الحارث بن أسد البغدادي المُحاسبي، أقبل على العلم في طفولته، فبرع فيه ودرس علوم عصره وخبرها، ولكن نفسه كانت باحثة عن الحق تَّواقة إلى الاطمئنان على النهج الصدق، فبدأ يقايس بين العلماء وعلومهم في طرائقهم ومسالكهم، وقد وصف ذلك من حاله فقال: لم أزل برهة من عمري أنظر اختلاف الفقهاء وألتمس المنهج الواضح، والسبيل القاصد، وأطلب من العلم والعمل، وأستدل على طريق الآخرة بإرشاد العلماء، وفهمت كثيراً من كلام الله تعالى بتأويل الفقهاء، وتدبرت أحوال الأمة ونظرت في مذاهبها وأقاويلها، فاستوعبت من ذلك ما قدر لي، ورأيت اختلافهم بحراً عميقاً، غرق فيه ناس كثير وسلم منه عصابة قليلة. وقد وصل بعد طول تأمله وتدقيقه في العلم والعلماء ومناهج الحياة، إلى أن العلم الحق والطريق الصواب عند المجمع عليه، وهو علم الفرائض والسنة وهو عند العلماء بالله، والفقهاء عن الله العاملين برضوانه، والورعين عن محارمه، والمتأسين برسول الله صلى الله عليه وسلم، فشق بذلك طريقاً جديداً، تميز به عن علماء عصره جعله مرجعاً دائماً، وأساس هذا الطريقة أمران: الأول رصد النفس الإنسانية، بدقة ووضوح، فوصفها في أعماله وكتبه ودروسه ونصائحه، وبين حالة استوائها وحالة انحرافها وما يلزمها لتدوم على سوائها، وما هو علاجها إذا انحرفت لتبقى على فطرتها الربانية. والأمر الثاني: تدقيق الإنسان في ظاهره ومعاملاته، فلا يأخذ الحرام ويتجنب ما فيه الشبهة والشكوك، فإذا بقي في دائرة الحلال الخالص، وتجنب الحرام وسمومه، والشبه وهمومها، بقي قلبه مستنيراً، وعمله مباركاً نامياً وان لم يكن كثيراً، وبدأ ينظر إلى الحياة في واقعها وتنزيل النصوص على هذين الأساسين، ويربي الطلاب على ذلك فأوجد مدرسة متميزة في تاريخ الإسلام، كان هو نموذجها وأثر بسلوكه وتربيته وأقواله في الأجيال في عصره وبعد عصره وستبقى مؤلفاته وآراؤه مؤثرة في البشرية كلها لأنها تدقق في النفس البشرية، وبهذا يصح القول بأنَه من أوائل علماء النفس الذين أجادوا وأفادوا وسار خلفه أصحاب هذا التوجه عدد من العلماء الجامعين للمعارف والعلوم فكان مرجعهم أو الذين انقطعوا للتربية والسلوك وحده، فكان الحارث مرجعهم، كالحكيم الترمذي، والجنيد وأمثالهم، إنه رأس مدرسة، وإمام منهج، ورائد علمي ونفسي عظيم للناس كلهم، مسلمين وغير مسلمين، وقد خلَّد أعماله في مصنفات كثيرة حظيت بالقبول، وتداولها الأعلام الفحول، ونهل من معينها الواعون من أصحاب العقول، ككتابه الرعاية لحقوق الله عز وجل، ورسالة المسترشدين، وآداب النفوس، والمكاسب والمسائل في أعمال القلوب والجوارح، ومعاتبة النفس، وغيرها من المآثر الجليلة النافعة وبهذه الآراء السديدة والمصنفات المفيدة، والتربية الرشيدة بقي الحارث المحاسبي حاضراً في ضمير الأجيال فرحمه الله تعالى رحمة واسعة. د. محمد مطر الكعبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©