الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محادثات السلام... وعودة حق العودة!

محادثات السلام... وعودة حق العودة!
20 أغسطس 2013 22:04
من المتوقع أن يواجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس صعوبة كبيرة في التسويق لأي اتفاق سلام يتم التوصل إليه مع إسرائيل في مخيمات لاجئين مكتظة وباهتة مثل مخيم الدهيشة الواقع قرب مدينة بيت لحم. ذلك أن ثمة هوة كبيرة جداً بين ما ينظر إليه اللاجئون الفلسطينيون وأبناؤهم وأحفادهم باعتباره حلاً عادلاً لمعاناتهم كلاجئين اقتُلعوا من أراضيهم، والموقف التفاوضي لإسرائيل المتمثل في عدم السماح لأي لاجئ فلسطيني بالعودة إلى تلك الأراضي الواقعة داخل إسرائيل ضمن أي اتفاق نهائي مع الجانب الفلسطيني. وباعتباره الطرف الأضعف في المفاوضات، يمكن القول إن عباس سيواجه صعوبة كبيرة على الأرجح. لم يتبق من قرية زكريا التي وُلدت فيها داخل إسرائيل سوى المسجد، ولكن فاطمة الحاج علي عدوي التي تسكن مخيم الدهيشة، وكانت طفلة عندما غادرت عائلتُها القرية، ما زالت تتمسك بذكرياتها عن تلك القرية الواقعة غرب القدس، والتي تحولت إلى منطقة زراعية تعاونية لمهاجرين يهود أكراد بعد أن طُرد منها آخر الفلسطينيين في يونيو 1950، وغيِّر اسمها إلى زكرياء. ويشار هنا إلى أن كلتا النسختين العربية والعبرية للاسم تحيلان إلى النبي زكريا، المذكور في كل من نصوص الإسلام واليهودية. ومع أن المباني التي تتذكرها فاطمة هُدمت وأزيلت في إطار سياسة حكومية إسرائيلية تقوم على هدم ما تبقى من القرى الفلسطينية من أجل استبعاد فكرة عودة السكان السابقين، غير أن التعلق العاطفي بأراضي الآباء والأجداد انتقل، على رغم ذلك، من جيل إلى آخر. وتقول فاطمة: «أريد أن أموت في قريتنا، في منزلنا في زكريا. فأنا لا أنسى بلدي». أما ابنة ابن أخيها، مروة العدوي، وهي محامية في الرابعة والعشرين من عمرها، فلم يسبق لها أن رأت المكان الذي تحول الآن إلى بلدة أسطح منازلها من القرميد الأحمر بالقرب من بيت شيمش، ولكنها تقول: «إنني من قرية زكريا، وليس الدهيشة، وأي شخص يسألني عن المكان الذي أنحدر منه، أجيبه بأنني من زكريا»، مضيفة «إنها قرية أجدادي ونأمل أن نعود إليها يوماً ما. إنه حقنا وحلمنا!». وتقول مروة عن الإسرائيليين الذين يعيشون هناك: «إن أي شيء يؤخذ بالقوة غير مقبول»، مضيفة «إنها مسألة عدالة وكرامة. ولا الرئيس ولا أي شخص آخر سيتخلى عن هذا (الحق)». غير أن عباس أظهر مؤشرات على أنه ينوي القيام بذلك تحديداً من أجل التوصل لاتفاق يؤسس لدولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث أيد موقفَ الجامعة العربية الذي يتبنى حلاً «متفقاً» عليه لموضوع اللاجئين، وهو موقف يمنح إسرائيل في الواقع «فيتو» على أي عودة. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 700 ألف فلسطيني طُردوا أو فروا من أراضيهم عندما أُسست إسرائيل في 1948. واليوم، وباحتساب المنحدرين منهم، هناك أكثر من 4,7 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأمم المتحدة ويعيشون في الضفة الغربية، وقطاع غزة، والأردن، وسوريا، ولبنان. ونحو 13 ألفاً منهم يعيشون اليوم في الدهيشة في مساحة تعادل كيلومتراً مربعاً تقريباً. وكان عباس قد أثار حفيظة بعض الفلسطينيين العام الماضي عبر قوله إنه لا يملك الحق في العيش في صفد، البلدة التي وُلد فيها وتقع شمال إسرائيل، وإنما في زيارتها فقط، وإن فلسطين بالنسبة له هي الضفة الغربية وقطاع غزة، مع القدس الشرقية كعاصمة لها. وعقب سيل من الانتقادات، أوضح عباس لاحقاً أنه كان يتحدث عن «موقفه الشخصي» فقط وأن تصريحاته ليس لها أي تأثير على «حق العودة» الذي يشدد عليه الفلسطينيون للرجوع إلى منازلهم وأراضيهم السابقة داخل ما أصبح لاحقاً إسرائيل. غير أن مشرِّعاً فلسطينياً يدعم عباس كشف عن موقف معتدل أيضاً بشأن قضية اللاجئين في تصريحات هذا الأسبوع. فقد قال عبدالله عبدالله، نائب رئيس العلاقات الدولية في حركة «فتح» التي يقودها عباس: «إن الموضوع الرئيسي هو الحصول على حقنا في تقرير المصير وإقامة دولتنا على الأراضي التي احتُلت عام 1967»، مضيفاً «تلك هي البداية والنهاية، وأي مشكلة تظهر بينهما هي قابلة للحل. إننا لا نستطيع التخلي عن حقنا في العودة، ولكننا مستعدون لمناقشة كيفية تطبيق هذا الحق حتى لا يكون ذلك على حساب أي شخص». وأردف عبدالله قائلاً إن أي اتفاق سلام سيُعرض على استفتاء شعبي. وإذا كان الرأي العام معارضاً لأي جوانب من الاتفاق بشكل كبير، فإن الناخبين يمكنهم إحباط ذلك الاتفاق. ولكن ليس كل الفلسطينيين مهتمون بالعودة إلى قرى الآباء والأجداد على ما يبدو، حيث يقول لطفي السيد، الذي يعمل حلاقاً، إن أي اتفاق سلام يمنح الفلسطينيين كل الضفة الغربية وقطاع غزة، ويضمن وصولهم إلى القدس بدون عراقيل، ويسمح للناس بالعيش بكرامة هو مقبول بالنسبة له. وعندما سُئل عن سبب تخليه عن فكرة العودة إلى ذكرين، قرية آبائه وأجداده التي دُمرت داخل إسرائيل، أجاب سيد، وهو أب لستة أطفال، قائلاً: «لأن ذلك مستحيل!». وتتذكر فاطمة نشأتها في منزل فسيح يتألف من ست غرف في زكريا فتقول: «لقد كانت الحياة جيدة وكان الناس طيبين. كانت لدينا أشجار تين، وكروم عنب، والكثير من أشجار الزيتون. ولم يكن ثمة أشخاص جوعى في زكريا». وخلال القتال في أكتوبر 1948، قامت القوات اليهودية بقصف القرية، تقول فاطمة. وقيل إن تلك القوات أخبرت القرويين أيضاً بأنهم يستطيعون البقاء في منازلهم إذا استسلموا. ولكن الأغلبية الساحقة من السكان -الذين كان يبلغ عددهم 1180 نسمة، وفق إحصاء لعام 1945- فروا من القرية مخافة أن تقدم القوات اليهودية على قتل العرب، كما تقول. وتقول فاطمة في هذا الإطار: «لقد كنا خائفين بعد دير ياسين»، في إشارة إلى المجزرة التي قُتل فيها نحو 250 فلسطينياً قرب القدس على أيدي عصابات يمينية مسلحة في أبريل 1948. أما فاطمة وعائلتها فقد فروا من القرية مشياً على الأقدام ولجأوا إلى التلال المجاورة، ثم مشوا إلى مدينة الخليل خلف الحدود الأردنية. وفي الأخير، مُنحوا خيمة وأُخذوا إلى الدهيشة، التي بدأت كمخيم، على غرار مخيمات لاجئين أخرى نمت وترسخت وأضحت مظهراً ثابتاً في المنطقة. وبعد انتهاء القتال، اتخذت دولة إسرائيل الجديدة قراراً متعمداً يقضي بإفراغ قرية زكريا ممن بقي فيها من السكان الفلسطينيين، وذلك بعد أن أخذت تنظر إليها كموقع ممكن لتوطين المهاجرين اليهود. وفي هذا الإطار، كتب مؤرخ إسرائيلي في كتاب بعنوان: «ميلاد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، 1947-1949» يقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن جوريون قرر في يناير 1950 طرد العرب الـ145 الذين بقوا في زكريا. وفي يونيو 1950 نُفذ الطرد، وأقيمت على أنقاض القرية مزرعةٌ إسرائيلية تعاونية، أي ما يسمى «موشاف». ‎بن لينفيلد مخيم الدهيشة، الضفة الغربية؛ وقرية زكريا، إسرائيل ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©