الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر وتحديات الانتقال الديمقراطي

20 أغسطس 2013 22:03
بعد ثورة بحجم ثورة 25 يناير من الحتمي أن تمر مصر بدورات عدة. جميع الأطراف المصرية سعت واجتهدت كما أن أخطاءها وتجاربها كانت عرضة لردود فعل حاسمة. وفي أوضاع كهذه تتسابق المراحل، فقد سقط مبارك بعد ثورة امتدت لأسبوعين ونيف، وما إن غادر المشهد حتى بدأت مصر في رحلة بحث عن التوازن بين مشروع الدولة ومشروع المجتمع، وبين الحقوق وتقاليد الاستبداد. لقد انقسم الناس في مصر على كل شيء فخاضوا حرب استنزاف مقننة عبرت عن نفسها في تظاهرات وميادين مقابل ميادين. لم يهدأ المصريون منذ أن ثاروا. وجاءت مرحلة المجلس العسكري متوترة مليئة بالأخطاء والتوازنات ولكنها حمت الدولة من الانهيار، كما جاءت مرحلة الرئيس المعزول مرسي أكثر توتراً وسط انقسامات واختلالات حول الدين والدولة. والثورة المصرية لم تستقر على قواعد ديمقراطية واضحة بفضل طبيعة المرحلة الانتقالية. فعندما تسلم الجيش بعد الثورة خسر كثيراً من رصيده ومكانته بسبب ثقل التركة، وعندما سلم الجيش السلطة لـ«الإخوان» ظهرت سلطوية أسلوبهم وضعف خبراتهم في التعامل مع التنوع، ومع من يقفون خارج دائرتهم الضيقة. ويحق للمواطن المصري أن يتساءل الآن عن مستقبل الديمقراطية في بلاده، وعن مستقبل علاقة الجيش بالسياسة وبحقوق الإنسان وحق التعبير ومكانة المجتمع المدني والأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة والإعلام الحر والمسؤول؟ إن علاقة الجيش المصري بالدولة المصرية متداخلة، لأنه يمتلك مؤسسات كبيرة وفاعلة ويمتلك المال والإمكانات والمصانع والشركات ليصل دوره في الاقتصاد إلى ما لا يقل عن 30 في المئة من الاقتصاد المصري. ولهذا فإن عملية الانتقال من الحالة الراهنة إلى مرحلة ديمقراطية تعددية تتطلب الكثير من عمليات بناء الثقة والإقناع والانتقال. ولكن الوضع المصري لا يقتصر فقط على الجيش و«الإخوان»، وهو لهذا مختلف عن أوضاع ما بعد انقلاب 1952، فهناك القوة الأخرى الحاسمة في المشهد وهي قوة الشعب والشارع التي تفجرت قدراتها على مدى فترة حكم مبارك. ولم يعد بالإمكان احتواء هذه القوة الشعبية المتصاعدة بلا حقوق وتنمية ومساواة وكرامة وحريات وعدالة. ومعادلة الشارع والشعب التي يمثلها الجيل المصري الجديد الذي كسر حاجز الخوف لا يمكن إعادتها إلى الوراء. والملاحظ أن الجيش احتاج إلى الشارع والشعب في 30 يونيو، كما احتاج الفريق أول السيسي ليدعو الشعب إلى التظاهر ليأخذ منه تفويضاً. والقوة الشعبية التي تمثل روح ثورة 25 يناير باقية في مصر، وهي ستتطور لتبني مؤسسات سياسية وتيارات وبنى ديمقراطية انتخابية. وهذه الشحنة ما زالت في الميدان، والاستقرار المصري يتطلب تحقيق أهدافها المرتبطة بثورة 25 يناير. وما زالت المجموعات الثورية المصرية في المشهد، فهناك من الثوريين الأساسيين من قرر النزول في ميدان ثالث يعرف باسم «سفنكس» في منطقة المهندسين. في هذا الميدان لا يوجد مبيت أو إغلاق طرق، بل تداعت القوى الثورية للتمايز سياسياً والبدء بدعوة المشاركين بهدف التمسك بقيم الدولة المدنية الديمقراطية. وتشدد هذه القوى على وجود رئيس مقبل منتخب وانتخابات شفافة نزيهة وفوق كل شيء كتابة الدستور المصري أولاً بشفافية. وهذه قوى تؤمن بفصل الدين عن الدولة وليس فصل الدين عن المجتمع أو إقصاء أي فصيل سياسي، وهي تؤمن بفصل الجيش عن السياسة لمصلحة الانتقال الديمقراطي. وتمثل هذه القوى بداية موجة صاعدة قد تتلاقى مع قيم الثورة في ذكرى الثورة في 25 يناير المقبل. ففي حالة تعثر المرحلة الانتقالية مع ذكرى 25 يناير وفي المحصلة يمكن لكل واحدة من القوى المنخرطة في المشهد السياسي المصري أن تكيّف شروط عودتها إلى الحياة السياسية، إلا أن على الكل أن يعرف أين يتوقف، إذ يجب عدم المغالاة في الموقف وذلك لتفويت فرصة سعي المنافس السياسي الآخر لزيادة تحكمه بالمشهد المصري. ويواجه تجمع أنصار الرئيس المعزول صراعاً مع فئات واسعة من المجتمع المصري. والمشكلة بالنسبة لهم تكمن في فقدان القاعدة الشعبية الأوسع في الوسط المصري. ويجب على التيار الإسلامي اكتشاف معادلة تنهي الاحتقان بصورته الراهنة وتمنع إقصاءه ولا تتضمن عودة النظام المعزول. ولكن وجود كتل كبيرة الآن في المجتمع المصري ناقدة بل رافضة لنظام «الإخوان» ووجود خطاب كراهية ممعن في الكراهية صادر عن تجمع رابعة العدوية التابع لـ«الإخوان» ورد صادر عن الجهات المضادة له يثيران إشكالية الموضوعية في الإعلام المصري بل والعربي. وهناك غياب لمبدأ تقصي الحقيقة وعرض مجريات الأحداث بموضوعية. وفي هذه الأزمة فشل الإعلام، فهناك في المقابلات والطرح ما يشير إلى أن الكثير من المذيعين لديهم تعليمات في التعبئة السياسية على حساب البحث الصادق عن الحقيقة، بما في ذلك تضخيم دور فئات خارج سياق الحدث. والحال أن مصر تعيش إرهاصات دولة مدنية ديمقراطية، ولهذا تتداخل كل الأطراف والقضايا والتواريخ في لحظات تاريخية كبيرة. والجيش الآن في أقوى لحظاته في مصر، ولكنه في الوقت نفسه سيترك صدارة المشهد تالياً لمصلحة المدنية والمدنيين. وما يقع في مصر تعبير عن إرهاصات دولة مدنية لا تريد أن تخضع لسلطة شمولية كما خضعت في السابق، ولا تريد أن تخضع لسلطة الاستبداد كما في السابق، ولا تريد تحويل الدين إلى أداة قمع كما في السابق. ولهذا، ستزداد فكرة الدولة المدنية حضوراً في مصر بحيث يكون جوهرها حكم المدنيين الديمقراطي واحترام الحقوق والحريات والسعي نحو العدالة الاجتماعية وضمان مكانة الدين وحريته في المجتمع. وعلى رغم كل التفاصيل المؤلمة والخسائر والشهداء يتغير المجتمع المصري كما لم يتغير في السابق. لقد قطع المصريون شوطاً طويلاً في عام، ولكنهم منذ ثورة 25 يناير يعيشون تحديات الانتقال العسير نحو دولة مدنية ديمقراطية. ‎د. شفيق ناظم الغبرا محلل سياسي كويتي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©